أَنْ يَنْتَقِلَ مِنْ حَانُوتٍ إلَى حَانُوتٍ لِيَعْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ بِعَيْنِهِ فِي الثَّانِي لَمَّا أَنَّ الثَّانِيَ أَرْخَصُ وَأَوْسَعُ عَلَيْهِ؛ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ مِنْ الْأَوَّلِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ زِيَادَةُ الْمَنْفَعَةِ - وَقَدْ رَضِيَ بِالْقَدْرِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا - فِي الْأَوَّلِ وَعَلَى هَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِمَا لَا يَصِلُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَدْخُلُ فِي مِلْكِهِ أَوْ بَدَنِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيُقَصِّرَ لَهُ ثِيَابًا أَوْ لِيُقَطِّعَهَا أَوْ يَخِيطَهَا أَوْ يَهْدِمَ دَارًا لَهُ أَوْ يَقْطَعَ شَجَرًا لَهُ أَوْ لِيَقْلَعَ ضِرْسَهُ أَوْ لِيَحْجُمَ أَوْ لِيَفْصِدَ أَوْ لِيَزْرَعَ أَرْضًا أَوْ يُحْدِثَ فِي مِلْكِهِ شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ حَفْرٍ ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ؛ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقِصَارَةَ وَالْقَطْعَ نُقْصَانٌ عَاجِلٌ فِي الْمَالِ بِالْغُسْلِ وَالْقَطْعِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، وَهَدْمُ الدَّارِ وَقَطْعُ الشَّجَرِ إتْلَافُ الْمَالِ، وَالزِّرَاعَةُ إتْلَافُ الْبُذُورِ وَفِي الْبِنَاءِ إتْلَافُ الْآلَةِ، وَقَلْعُ الضِّرْسِ وَالْحِجَامَةُ وَالْفَصْدُ إتْلَافُ جُزْءٍ مِنْ الْبَدَنِ، وَفِيهِ ضَرَرٌ بِهِ إلَّا أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ لَهَا لِمَصْلَحَةٍ تَأَمَّلَهَا تَرْبُو عَلَى الْمَضَرَّةِ فَإِذَا بَدَا لَهُ؛ عُلِمَ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ فَبَقِيَ الْفِعْلُ ضَرَرًا فِي نَفْسِهِ فَكَانَ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْ الضَّرَرِ بِالْفَسْخِ إذْ الْإِنْسَانُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِضْرَارِ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ لَوْ اسْتَأْجَرَ إبِلًا إلَى مَكَّةَ ثُمَّ بَدَا لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ لَا يَخْرُجَ فَلَهُ ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى السَّفَرِ؛؛ لِأَنَّهُ لِمَا بَدَا لَهُ عَلِمَ أَنَّ السَّفَرَ ضَرَرٌ فَلَا يُجْبَرُ عَلَى تَحَمُّلِ الضَّرَرِ وَكَذَا كُلُّ مَنْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيُسَافِرَ ثُمَّ قَعَدَ عَنْ السَّفَرِ فَلَهُ ذَلِكَ لِمَا قُلْنَا وَقَدْ قَالُوا: إنَّ الْجَمَّالَ إذَا قَالَ لِلْحَاكِمِ: إنَّ هَذَا لَا يُرِيدُ أَنْ يَتْرُكَ السَّفَرَ وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ قَالَ لَهُ الْحَاكِم: انْتَظِرْهُ فَإِنْ خَرَجَ ثُمَّ قَفَلَ الْجَمَّالُ مَعَهُ فَإِذَا فَعَلْت ذَلِكَ؛ فَلَكَ الْأَجْرُ فَإِنْ قَالَ صَاحِبَ الدَّارِ لِلْحَاكِمِ: إنَّ هَذَا لَا يُرِيدُ سَفَرًا وَإِنَّمَا يَقُولُ ذَلِكَ لِيَفْسَخَ الْإِجَارَةَ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ بِاَللَّهِ ﷿ أَنَّهُ يُرِيدُ السَّفَرَ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي سَبَبَ الْفَسْخِ وَهُوَ إرَادَةُ السَّفَرِ وَلَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ إلَّا مَعَ يَمِينِهِ، وَقَالُوا: لَوْ خَرَجَ مِنْ الْمِصْرِ فَرَاسِخَ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: إنَّمَا أَظْهَرَ الْخُرُوجَ لِفَسْخِ الْإِجَارَةِ وَقَدْ عَادَ اسْتَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ بِاَللَّهِ ﷿ لَقَدْ خَرَجَ قَاصِدًا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْمُؤَاجِرَ يَدَّعِي أَنَّ الْفَسْخَ وَقَعَ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهُوَ عَزْمُ السَّفَرِ إلَى مَوْضِعٍ مَعْلُومٍ وَلَا يُمْكِنُهُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَزْمَ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ.
وَأَمَّا الْجَمَّالُ إذَا بَدَا لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ خُرُوجَ الْجَمَّالِ مَعَ الْجِمَالِ لَيْسَ بِمُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَ غَيْرَهُ مَعَ الْجِمَالِ فَلَا يَكُونُ قُعُودُهُ عُذْرًا بِخِلَافِ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ يَتَعَلَّقُ بِخُرُوجِهِ بِنَفْسِهِ فَكَانَ قُعُودُهُ عُذْرًا وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَحْفِرَ لَهُ بِئْرًا فَحَفَرَ بَعْضَهَا فَوَجَدَهَا صُلْبَةً أَوْ خَرَجَ حَجَرًا أَوْ وَجَدَهَا رَخْوَةً بِحَيْثُ يُخَافُ التَّلَفُ كَانَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يَعْجِزُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ وَقَالَ هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي امْرَأَةٍ وَلَدَتْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَطُوفَ فَأَبَى الْجَمَّالُ أَنْ يُقِيمَ قَالَ: هَذَا عُذْرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ مِنْ غَيْرِ طَوَافٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى إلْزَامِ الْجَمَّالِ لِلْإِقَامَةِ مُدَّةَ النِّفَاسِ؛ لِأَنَّهُ يَتَضَرَّرُ بِهِ إذْ هِيَ مُدَّةُ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِإِقَامَةِ الْقَافِلَةِ قَدْرَهَا فَيُجْعَلُ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ قَدْ وَلَدَتْ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ مُدَّةِ نِفَاسِهَا كَمُدَّةِ الْحَيْضِ أَوْ أَقَلَّ أُجْبِرَ الْجَمَّالُ عَلَى الْمُقَامِ مَعَهَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ قَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِمَقَامِ الْحَاجِّ فِيهَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَجِّ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي جَانِبِ الْمُؤَاجِرِ فَنَحْوُ أَنْ يَلْحَقَهُ دَيْنٌ فَادِحٌ لَا يَجِدُ قَضَاءَهُ إلَّا مِنْ ثَمَنِ الْمُسْتَأْجَرِ مِنْ الْإِبِلِ وَالْعَقَارِ وَنَحْوِ ذَلِكَ إذَا كَانَ الدَّيْنُ ثَبَتَ قَبْلَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ بِالْإِقْرَارِ أَوْ ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ وَلَوْ ثَبَتَ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ بِالْإِقْرَارِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.
وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِالْإِقْرَارِ بَعْدَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ لَا تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي هَذَا الْإِقْرَارِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُقِرُّ بِالدَّيْنِ عَلَى نَفْسِهِ كَاذِبًا وَهَذَا الْعُذْرُ مِنْ جَانِبِ الْمُؤَاجِرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْمُؤَاجِرِ لَا يَنْفُذُ عِنْدَنَا مِنْ غَيْرِ إجَازَةِ الْمُسْتَأْجِرِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ عَلَى مَا نَذْكُرهُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ مَعَ عَقْدِ الْإِجَارَةِ جُعِلَ الدَّيْنُ عُذْرًا فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّ إبْقَاءَ الْإِجَارَةِ مَعَ لُحُوقِ الدَّيْنِ الْفَادِحِ الْعَاجِلِ إضْرَارٌ بِالْمُؤَاجِرِ؛ لِأَنَّهُ يُحْبَسُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ الْجَبْرُ عَلَى تَحَمُّلِ ضَرَرٍ غَيْرِ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَحْبِسُهُ الْقَاضِي وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ بِالْمُؤَاجَرِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُسْتَأْجِرِ بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْبِسَهُ الْقَاضِي فَالْجَوَابُ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُصَدِّقُهُ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ سِوَى الْمُؤَاجَرِ فَيَحْبِسُهُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ حَالُهُ، وَفِي الْحَبْسِ ضَرَرٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ آخَرُ غَيْرُ الْمُؤَاجَرِ لَكِنَّ حَقَّ الْمُسْتَأْجِرِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَنْفَعَةِ لَا بِالْعَيْنِ وَقَضَاءُ الدَّيْنِ يَكُونُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute