بَدَلِ الْعَيْنِ وَهُوَ الثَّمَنُ، فَيُحْبَسُ حَتَّى يَبِيعَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَأَجَرَهُ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهِ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْإِجَارَةَ وَيَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِهِ - وَإِنْ رَضِيَ الْمُسْتَأْجِرُ بِالْعَيْبِ - وَيُجْعَلُ حَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ عُذْرًا لَهُ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِيفَائِهَا إلَّا بِضَرَرٍ وَهُوَ الْتِزَامُ الْمَبِيعِ الْمَعِيبِ، وَلَوْ أَرَادَ الْمُؤَاجِرُ السَّفَرَ أَوْ النُّقْلَةَ عَنْ الْبَلَدِ وَقَدْ أَجَرَ عَقَارًا لَهُ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِعُذْرٍ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْعَقَارِ مَعَ غَيْبَتِهِ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِيهِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ مَرِضَ الْمُؤَاجِرُ أَوْ أَصَابَ إبِلَهُ دَاءٌ؛ فَلَهُ أَنْ يَفْسَخَ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا، أَمَّا إذَا أَصَابَ الْإِبِلَ دَاءٌ فَلِأَنَّ اسْتِعْمَالَ الدَّابَّةِ مَعَ مَا بِهَا مِنْ الدَّاءِ إجْحَافٌ بِهَا وَفِيهِ ضَرَرٌ بِصَاحِبِهَا، وَالضَّرَرُ لَا يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ فَيَثْبُتَ لَهُ حَقُّ الْفَسْخِ، وَكَذَا الْمُسْتَأْجِرُ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَنْقُصُ بِمَرَضِ الْإِبِلِ، فَصَارَ ذَلِكَ عَيْبًا فِيهَا.
وَأَمَّا مَرَضُ الْجَمَّالِ فَظَاهِرُ رِوَايَةِ الْأَصْلِ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَكُونَ عُذْرًا؛ لِأَنَّ أَثَرَ الْمَرَضِ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْخُرُوجِ، وَخُرُوجُ الْجَمَّالِ بِنَفْسِهِ مَعَ الْجِمَالِ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ، وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَرَضِ الْجَمَّالِ وَبَيْنَ قُعُودِهِ أَنَّ الْجَمَّالَ يَقُومُ عَلَى جِمَالِهِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا مَرِضَ لَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا بَدَا لَهُ مِنْ الْخُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى الْخُرُوجِ، فَإِذَا تَرَكَ ذَلِكَ بِاخْتِيَارِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَهُ، وَلَوْ أَجَرَ صَانِعٌ مِنْ الصُّنَّاعِ أَوْ عَامِلٌ مِنْ الْعُمَّالِ نَفْسَهُ لِعَمَلٍ أَوْ صِنَاعَةٍ ثُمَّ قَالَ: " بَدَا لِي أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْعَمَلَ وَأَنْتَقِلَ مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ " قَالَ مُحَمَّدٌ: إنْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ بِأَنْ كَانَ حَجَّامًا فَقَالَ: " قَدْ أَنِفْتُ مِنْ عَمَلِي وَأُرِيدُ تَرْكَهُ " لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَيُقَالُ: أَوْفِ الْعَمَلَ ثُمَّ انْتَقِلْ إلَى مَا شِئْتَ مِنْ الْعَمَلِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ قَدْ لَزِمَهُ، وَلَا عَارَ عَلَيْهِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْحِرْفَةِ، فَهُوَ بِقَوْلِهِ: " أُرِيدُ أَنْ أَتْرُكَهُ " يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْهُ فِي الْحَالِ، وَيَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَمَلِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ لَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ، وَصَنْعَتِهِ بَلْ أَسْلَمَ نَفْسَهُ فِيهَا، وَذَلِكَ مِمَّا يُعَابُ بِهِ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً أَجَرَتْ نَفْسَهَا ظِئْرًا وَهِيَ مِمَّنْ تُعَابُ بِذَلِكَ فَلِأَهْلِهَا أَنْ يُخْرِجُوهَا، وَكَذَلِكَ إنْ أَبَتْ هِيَ أَنْ تُرْضِعَهُ؛ لِأَنَّهُ مَنْ لَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الصَّنَائِعِ الدَّنِيئَةِ إذَا دَخَلَ فِيهَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، فَإِذَا أَرَادَ التَّرْكَ فَهُوَ لَا يَقْدِرُ عَلَى إيفَاءِ الْمَنَافِعِ إلَّا بِضَرَرٍ، وَكَذَلِكَ الظِّئْرُ إذَا لَمْ تَكُنْ مِمَّنْ يُرْضِعُ مِثْلُهَا فَلِأَهْلِهَا الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُمْ يُعَيَّرُونَ بِذَلِكَ، وَفِي الْمَثَلِ السَّائِرِ (تَجُوعُ الْحُرَّةُ وَلَا تَأْكُلُ بِثَدْيَيْهَا) .
فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ إيفَاءُ الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ فَلَا يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِ الْمَنْفَعَةِ إلَّا بِضَرَرٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لَهَا حَقُّ الْفَسْخِ، وَيَثْبُتُ لِلْأَوْلِيَاءِ؛ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يُفْسَخُ بِالْعُذْرِ فَقَدْ لَزِمَهَا الْعَقْدُ، وَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بِالْعُذْرِ وَإِنْ وَقَعَتْ لَازِمَةً.
وَلَوْ انْهَدَمَ مَنْزِلُ الْمُؤَاجِرِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْزِلٌ آخَرُ سِوَى الْمَنْزِلِ الْمُؤَاجَرِ فَأَرَادَ أَنْ يَنْقُضَ الْإِجَارَةَ وَيَسْكُنَهَا لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ مَنْزِلًا آخَرَ أَوْ يَشْتَرِيَ فَلَا ضَرُورَةَ إلَى فَسْخِ الْإِجَارَةِ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ التَّحَوُّلَ مِنْ هَذَا الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتْرُكَ الْمَنْزِلِ فِي الْإِجَارَةِ وَيَخْرُجَ، بِخِلَافِ الْمُسْتَأْجِرِ إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ؛ لِمَا ذَكَرْنَا، وَلَوْ اشْتَرَى الْمُسْتَأْجِرُ مَنْزِلًا فَأَرَادَ التَّحَوُّلَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عُذْرًا؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارَ نَفْسِهِ، فَشِرَاؤُهُ دَارًا أُخْرَى أَوْ وُجُودُ دَارٍ أُخْرَى لَا يُوجِبُ عُذْرًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ فِي جَانِبِ الْمُسْتَأْجَرِ فَمِنْهَا عِتْقُ الْعَبْدِ الْمُسْتَأْجَرِ فَإِنَّهُ عُذْرٌ فِي فَسْخِ الْإِجَارَةِ، حَتَّى لَوْ أَجَرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ سَنَةً فَلَمَّا مَضَتْ سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَعْتَقَهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ مَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ.
أَمَّا الْعِتْقُ فَلَا شَكَّ فِي نَفَاذِهِ لِصُدُورِ الْإِعْتَاقِ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ الْمَمْلُوكِ الْمَرْقُوقِ، وَالْعَارِضُ وَهُوَ حَقُّ الْمُسْتَأْجِرِ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي الْمَنْعِ مِنْ التَّسْلِيمِ، وَنَفَاذُ الْعِتْقِ لَا يَقِفُ عَلَى إمْكَانِ التَّسْلِيمِ، بِدَلِيلِ أَنَّ إعْتَاقَ الْآبِقِ نَافِذٌ.
وَأَمَّا الْخِيَارُ فَلِأَنَّ الْعَقْدَ عَلَى الْمَنَافِعِ يَنْعَقِدُ شَيْئًا فَشَيْئًا عَلَى حَسَبِ حُدُوثِهَا، فَيَصِيرُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ كَأَنَّهُ عَقَدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْإِجَارَةِ وَالْفَسْخِ، فَإِنْ فَسَخَ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيمَا بَقِيَ وَسَقَطَ عَنْ الْمُسْتَأْجِرِ الْأَجْرُ فِيمَا بَقِيَ وَكَانَ أَجْرُ مَا مَضَى لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ اُسْتُوْفِيَتْ عَلَى مِلْكِ الْمَوْلَى بِعَقْدِهِ، وَإِنْ أَجَازَ وَمَضَى عَلَى الْإِجَارَةِ فَالْأُجْرَةُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ إلَى تَمَامِ السَّنَةِ تَكُونُ لِلْعَبْدِ؛ لِأَنَّهَا بَدَلُ مَنْفَعَةٍ اُسْتُوْفِيَتْ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَكَانَتْ لَهُ، كَمَا لَوْ أَجَرَ نَفْسَهُ مِنْ إنْسَانٍ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلَاهُ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي الْمُدَّةِ فَلَا خِيَارَ لَهُ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ إذَا أَجَرَ نَفْسَهُ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ، فَإِنْ اخْتَارَ الْإِجَارَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهَا بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ بِاخْتِيَارِ الْإِجَارَةِ أَبْطَلَ حَقَّ الْفَسْخِ فَلَا يُحْتَمَلُ الْعَوْدُ، وَقَبْضُ الْأُجْرَةِ كُلِّهَا لِلْمَوْلَى، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يَقْبِضَ الْأُجْرَةَ إلَّا بِوَكَالَةٍ مِنْ الْمَوْلَى؛ لِأَنَّ الْعَاقِدَ هُوَ الْمَوْلَى، وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَرْجِعُ إلَى الْعَاقِدِ، هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ الْمُسْتَأْجِرُ عَجَّلَ الْأُجْرَةَ، وَلَا شَرَطَ الْمَوْلَى عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute