التَّعْجِيلَ، فَإِنْ كَانَ عَجَّلَ أَوْ شَرَطَ عَلَيْهِ التَّعْجِيلَ فَأَعْتَقَ الْعَبْدَ وَاخْتَارَ الْمُضِيَّ عَلَى الْإِجَارَةِ؛ فَالْأُجْرَةُ كُلُّهَا لِلْمَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالتَّعْجِيلِ أَوْ بِاشْتِرَاطِ التَّعْجِيلِ، وَإِنْ اخْتَارَ الْفَسْخَ؛ يَرُدُّ النِّصْفَ إلَى الْمُسْتَأْجِرِ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْفَعَةِ وَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ إلَّا مَنْفَعَةُ نِصْفِ الْمُدَّةِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَوْلَى أَجَرَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ أَذِنَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُؤَاجِرَ نَفْسَهُ سَنَةً فَأَجَرَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي نِصْفِ الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ عَقْدَهُ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كَعَقْدِ الْمَوْلَى بِنَفْسِهِ، إلَّا إنْ قَبَضَ الْأُجْرَةَ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمَوْلَى فِي الْمُدَّةِ؛ لِأَنَّ إجَارَةَ الْمَحْجُورِ وَقَعَتْ فَاسِدَةً، وَخِيَارُ الْإِمْضَاءِ فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ لَا يَثْبُتُ شَرْعًا، فَبَطَلَ الْعَقْدُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ، وَمِنْهَا: بُلُوغُ الصَّبِيِّ الْمُسْتَأْجَرِ آجَرَهُ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّ أَبِيهِ أَوْ جَدُّهُ أَوْ وَصِيُّ جَدِّهِ أَوْ الْقَاضِي أَوْ أَمِينُهُ فَبَلَغَ فِي الْمُدَّةِ فَهُوَ عُذْرٌ، إنْ شَاءَ أَمْضَى الْإِجَارَةَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ؛ لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ الْبُلُوغِ ضَرَرًا بِالصَّبِيِّ لِمَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ فَيَعْجِزُ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ إلَّا بِضَرَرٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ فَكَانَ عُذْرًا، وَلَوْ أَجَرَ وَاحِدٌ مِنْ هَؤُلَاءِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ فَبَلَغَ قَبْلَ تَمَامِ الْمُدَّةِ لَا خِيَارَ لَهُ وَالْفَرْقُ بَيْنَ إجَارَةِ النَّفْسِ وَالْمَالِ ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنَّ إجَارَةَ مَالِهِ تَصَرُّفٌ نُظِرَ فِي حَقِّهِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالْبُلُوغِ، فَأَمَّا إجَارَةُ النَّفْسِ فَهُوَ فِي وَضْعِهَا إضْرَارٌ، وَإِنَّمَا يَمْلِكُهَا الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ مِنْ حَيْثُ هِيَ تَأْدِيبٌ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ وِلَايَةُ التَّأْدِيبِ بِالْبُلُوغِ، فَأَمَّا غَلَاءُ أَجْرِ الْمِثْلِ فَلَيْسَ بِعُذْرٍ تَنْفَسِخُ بِهِ الْإِجَارَةُ إلَّا فِي إجَارَةِ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوْ آجَرَ دَارًا هِيَ مِلْكُهُ ثُمَّ غَلَا أَجْرُ مِثْلِ الدَّارِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ، إلَّا فِي الْوَقْفِ فَإِنَّهُ يُفْسَخُ نَظَرًا لِلْوَقْفِ وَيُجَدَّدُ الْعَقْدُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَلَى أُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ، وَفِيمَا مَضَى يَجِبُ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ وَقِيلَ: هَذَا إذَا ازْدَادَ أَجْرُ مِثْلِ الدُّورِ، فَأَمَّا إذَا جَاءَ وَاحِدٌ وَزَادَ فِي الْأُجْرَةِ تَعَنُّتًا عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ الْأَوَّلِ فَلَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ، إنَّمَا تُفْسَخُ هَذِهِ الْإِجَارَةُ إذَا أَمْكَنَ الْفَسْخُ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ فَلَا تُفْسَخُ بِأَنْ كَانَ فِي الْأَرْضِ زَرْعٌ لَمْ يُسْتَحْصَدْ؛ لِأَنَّ فِي الْقَلْعِ ضَرَرًا بِالْمُسْتَأْجِرِ فَلَا تُفْسَخُ بَلْ تُتْرَكُ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ الزَّرْعُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ، فَإِلَى وَقْتِ الزِّيَادَةِ يَجِبُ الْمُسَمَّى بِقَدْرِهِ، وَبَعْدَ الزِّيَادَةِ إلَى أَنْ يُسْتَحْصَدَ يَجِبُ أَجْرُ الْمِثْلِ، هَذَا إذَا غَلَا أَجْرُ مِثْلِ الْوَقْفِ.
فَأَمَّا إذَا رَخُصَ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ لَا تُفْسَخُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَأْجِرَ رَضِيَ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَزِيَادَةٍ؛ وَلِأَنَّ الْفَسْخَ فِي الْوَقْفِ عِنْدَ الْغَلَاءِ لِمَعْنًى النَّظَرِ لِلْوَقْفِ، وَفِي هَذَا ضَرَرٌ فَلَا تُفْسَخُ.
وَأَمَّا الْعُذْرُ فِي اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَنَحْوُ أَنْ لَا يَأْخُذَ الصَّبِيُّ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بَعْضُ مَا دَخَلَ تَحْتَ الْعَقْدِ أَوْ بَقِيَ مِنْ لَبَنِهَا؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَتَضَرَّرُ بِهِ، أَوْ تَحْبَلَ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّ لَبَنَ الْحَامِلِ يَضُرُّ بِالصَّبِيِّ، أَوْ تَكُونَ سَارِقَةً؛ لِأَنَّهُمْ يَخَافُونَ عَلَى مَتَاعِهِمْ، أَوْ تَكُونَ فَاجِرَةً بَيِّنَةَ الْفُجُورِ؛ لِأَنَّهَا تَتَشَاغَلُ بِالْفُجُورِ عَنْ حِفْظِ الصَّبِيِّ، أَوْ أَرَادُوا أَنْ يُسَافِرُوا بِصَبِيِّهِمْ وَأَبَتْ الظِّئْرُ أَنْ تَخْرُجَ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّ فِي إلْزَامِهِمْ تَرْكَ الْمُسَافَرَةِ إضْرَارًا بِهِمْ، وَفِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ بَعْدَ السَّفَرِ إضْرَارًا أَيْضًا، أَوْ تَمْرَضَ الظِّئْرُ؛ لِأَنَّ الصَّبِيَّ يَتَضَرَّرُ بِلَبَنِ الْمَرِيضَةِ، وَالْمَرْأَةُ تَتَضَرَّرُ بِالْإِرْضَاعِ فِي الْمَرَضِ أَيْضًا فَيَثْبُتُ حَقُّ الْفَسْخِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِنْ كَانُوا يُؤْذُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ أُمِرُوا أَنْ يَكُفُّوا عَنْهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُفُّوا كَانَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ؛ لِأَنَّ الْأَذِيَّةَ مَحْظُورَةٌ، فَعَلَيْهِمْ تَرْكُهَا، فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُوهَا كَانَ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ ضَرَرٌ غَيْرُ مُلْتَزَمٍ بِالْعَقْدِ فَكَانَ عُذْرًا وَلِلزَّوْجِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ الرَّضَاعِ إنْ لَمْ تَكُنْ الْإِجَارَةُ بِرِضَاهُ، وَقِيلَ: هُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ إنْ كَانَ مِمَّنْ يَشِينُهُ أَنْ تُرْضِعَ زَوْجَتُهُ فَلَهُ الْفَسْخُ؛ لِأَنَّهُ يُعَيَّرُ بِذَلِكَ فَيَتَضَرَّرُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَشِينُهُ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَهُ بِالنِّكَاحِ مَنَافِعُ بُضْعِهَا لَا مَنَافِعُ ثَدْيِهَا، فَكَانَتْ هِيَ بِالْإِجَارَةِ مُتَصَرِّفَةً فِي حَقِّهَا، وَقِيلَ: لَهُ الْفَسْخُ فِي الْوَجْهَيْنِ؛ لِأَنَّهَا إنْ أَرْضَعَتْ الصَّبِيَّ فِي بَيْتِهِمْ فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، وَإِنْ أَرْضَعَتْ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنْ إدْخَالِ الصَّبِيِّ إلَى بَيْتِهِ، ثُمَّ إذَا اعْتَرَضَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَعْذَارِ الَّتِي وَصَفْنَاهَا فَالْإِجَارَةُ تَنْفَسِخُ بِنَفْسِهَا أَوْ تَحْتَاجُ إلَى الْفَسْخِ، قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: تَنْفَسِخُ بِنَفْسِهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا تَنْفَسِخُ، وَالصَّوَابُ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْعُذْرِ إنْ كَانَ يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجَبِ الْعَقْدِ شَرْعًا بِأَنْ كَانَ الْمُضِيُّ فِيهِ حَرَامًا فَالْإِجَارَةُ تُنْتَقَضُ بِنَفْسِهَا، كَمَا فِي الْإِجَارَةِ عَلَى قَلْعِ الضِّرْسِ إذَا اشْتَكَتْ ثُمَّ سَكَنَتْ، وَعَلَى قَطْعِ الْيَدِ الْمُتَأَكِّلَةِ إذَا بَرِئَتْ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ بِحَيْثُ لَا يُوجِبُ الْعَجْزَ عَنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَوْعَ ضَرَرٍ لَمْ يُوجِبْهُ الْعَقْدُ لَا يَنْفَسِخُ إلَّا بِالْفَسْخِ، وَهَلْ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى فَسْخِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي؟ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ بَلْ لِلْعَاقِدِ فَسْخُهَا، وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهَا لَا تُفْسَخُ إلَّا بِفَسْخِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي، وَجْهُ مَا ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ هَذَا خِيَارٌ ثَبَتَ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَأَشْبَهَ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ بَعْدَ الْقَبْضِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute