للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَى الْقَصَّارِ، وَالضَّمَانُ عَلَى سَائِقِ الْحَمُولَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ السَّائِقِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ فِي الطَّرِيقِ مُقَيَّدٌ بِالسَّلَامَةِ، فَكَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَيْهِ، فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِ.

وَلَوْ تَكَارَى رَجُلٌ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا فَضَرَبَهَا فَعَطِبَتْ أَوْ كَبَحَهَا بِاللِّجَامِ فَعَطَبَهَا ذَلِكَ فَإِنَّهُ ضَامِنٌ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ فِي ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: نَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا نُضَمِّنَهُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ فِي الضَّرْبِ الْمُعْتَادَ، وَالْكَبْحِ الْمُعْتَادَ، وَجْهُ قَوْلِهِمَا إنَّ ضَرْبَ الدَّابَّةِ وَكَبْحَهَا مُعْتَادٌ مُتَعَارَفٌ، وَالْمُعْتَادُ كَالْمَشْرُوطِ، وَلَوْ شُرِطَ ذَلِكَ لَا يَضْمَنُ، كَذَا هَذَا.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الضَّرْبِ وَالْكَبْحِ مَأْذُونٌ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُوجِبُ الْإِذْنَ بِذَلِكَ لِإِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَنَافِعِ بِدُونِهِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ ذَلِكَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، عَلَى أَنَّا إنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ؛ لِأَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ مَعَ كَوْنِهِ مُخَيَّرًا فِيهِ فَأَشْبَهَ ضَرْبَهُ لِزَوْجَتِهِ، وَدَعْوَى الْعُرْفِ فِي غَيْرِ الدَّابَّةِ الْمَمْلُوكَةِ مَمْنُوعَةٌ، عَلَى أَنَّ كَوْنَهُ مَأْذُونًا فِيهِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الضَّمَانِ إذَا كَانَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَمِنْهَا الْخِلَافُ، وَهُوَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ إذَا وَقَعَ غَصْبًا؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الْخِلَافَ قَدْ يَكُونُ فِي الْجِنْسِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَدْرِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الصِّفَةِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْمَكَانِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الزَّمَانِ.

وَالْخِلَافُ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ قَدْ يَكُونُ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ، وَقَدْ يَكُونُ فِي اسْتِئْجَارِ الصُّنَّاعِ كَالْحَائِكِ، وَالصَّبَّاغِ، وَالْخَيَّاطِ خَلَا الْمَكَانِ.

أَمَّا اسْتِئْجَارُ الدَّوَابِّ فَالْمُعْتَبَرُ فِي الْخِلَافِ فِيهِ فِي الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ، وَالصِّفَةِ فِي اسْتِئْجَارِ الدَّوَابِّ ضَرَرُ الدَّابَّةِ، فَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِيهِ فِي الْجِنْسِ يُنْظَرُ: إنْ كَانَ ضَرَرُ الدَّابَّةِ فِيهِ بِالْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ، فَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي الثَّانِي أَكْثَرَ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ إذَا عَطِبَتْ الدَّابَّةُ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ غَاصِبًا لِكُلِّهَا، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِي الثَّانِي مِثْلَ الضَّرَرِ فِي الْأَوَّلِ أَوْ أَقَلَّ لَا يَضْمَنُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالشَّيْءِ إذْنٌ بِمَا هُوَ مِثْلُهُ أَوْ دُونَهُ فَكَانَ مَأْذُونًا بِالِانْتِفَاعِ بِهِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ دَلَالَةً، فَلَا يَضْمَنُ وَإِنْ كَانَ ضَرَرُ الدَّابَّةِ فِيهِ لَا مِنْ حَيْثُ الْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ بَلْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الْخِلَافُ مِنْ حَيْثُ الْخِفَّةُ، وَالثِّقَلُ، وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الدَّابَّةِ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الْقَدْرِ، وَالضَّرَرُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْخِفَّةُ وَالثِّقَلُ يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ بِقَدْرِهِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ، وَإِنْ كَانَ الضَّرَرُ فِيهِ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى تُعْتَبَرُ تِلْكَ الْجِهَةُ فِي الضَّمَانِ لَا الْخِفَّةُ، وَالثِّقَلُ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي الصِّفَةِ، وَضَرَرُ الدَّابَّةِ يَنْشَأُ مِنْهَا يُعْتَبَرُ الْخِلَافُ فِيهَا، وَيُبْنَى الضَّمَانُ عَلَيْهَا.

وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ فِي مَسَائِلَ: إذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ شَعِيرٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ مَخَاتِيمَ حِنْطَةٍ فَعَطِبَتْ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ أَثْقَلُ مِنْ الشَّعِيرِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ، فَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ أَصْلًا، فَصَارَ غَاصِبًا كُلَّ الدَّابَّةِ مُتَعَدِّيًا عَلَيْهَا فَيَضْمَنُ كُلَّ قِيمَتِهَا، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَعَ الضَّمَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِصَيْرُورَتِهِ غَاصِبًا، وَلَا أُجْرَةَ عَلَى الْغَاصِبِ عَلَى أَصْلِنَا، وَلِأَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ عَلَى أَصْلِ أَصْحَابِنَا، وَذَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا مَكِيلًا آخَرَ ثِقَلُهُ كَثِقَلِ الْحِنْطَةِ وَضَرَرُهُ كَضَرَرِهَا فَعَطِبَتْ لَا يَضْمَنُ، وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا سَمَّاهُ فَزَرَعَ غَيْرَهُ وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الضَّرَرِ بِالْأَرْضِ، وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ حِنْطَةٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا قَفِيزًا مِنْ شَعِيرٍ.

وَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا لِيَزْرَعَ فِيهَا نَوْعًا آخَرَ ضَرَرُهُ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْمُسَمَّى، وَهَذَا كُلُّهُ اسْتِحْسَانٌ، وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ قَدْ تَحَقَّقَ فَتَحَقَّقَ الْغَصْبُ، وَلَنَا أَنَّ الْخِلَافَ إلَى مِثْلِهِ أَوْ إلَى مَا هُوَ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ لَا يَكُونُ خِلَافًا مَعْنًى؛ لِأَنَّ رِضَا الثَّانِيَ إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي الضَّرَرِ كَانَ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ رِضًا بِالثَّانِي، وَإِذَا كَانَ دُونَهُ فِي الضَّرَرِ فَإِذَا رَضِيَ بِالْأَوَّلِ كَانَ بِالثَّانِي أَرْضَى فَصَارَ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ نَفْسِهِ فَحَمَلَ عَلَيْهَا حِنْطَةَ غَيْرِهِ، وَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ فِي الْكَيْلِ، أَوْ لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا تِسْعَةً أَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا، كَذَا هَذَا.

، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا عَشَرَةَ أَقْفِزَةٍ حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا أَحَدَ عَشَرَ فَإِنْ سَلِمَتْ فَعَلَيْهِ مَا سَمَّى مِنْ الْأُجْرَةِ، وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.

وَإِنْ عَطِبَتْ ضَمِنَ جُزْءًا مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا مِنْ قِيمَةِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ.

وَقَالَ زُفَرُ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يَضْمَنُ قِيمَةَ كُلِّ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِالزِّيَادَةِ فَكَانَتْ الزِّيَادَةُ عِلَّةَ التَّلَفِ، وَلَنَا أَنَّ تَلَفَ الدَّابَّةِ حَصَلَ بِالثِّقَلِ، وَالثِّقَلُ بَعْضُهُ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَبَعْضُهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ، فَيُقَسَّمُ التَّلَفُ أَحَدَ عَشَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>