للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جُزْءًا فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ ذَلِكَ، وَنَظِيرُ هَذَا مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي حَائِطٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَثْلَاثًا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَسَقَطَ الْحَائِطُ عَلَى رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَعَلَى الَّذِي أُشْهِدَ عَلَيْهِ قَدْرُ نَصِيبِهِ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ ثِقَلِ الْحَائِطِ، وَثِقَلُ الْحَائِطِ أَثْلَاثٌ، كَذَا هَذَا، وَعَلَيْهِ الْأَجْرُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَهُوَ حَمْلُ عَشَرَةِ مَخَاتِيمَ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي الزِّيَادَةِ، وَأَنَّهَا اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا أَجْرَ لَهَا، وَكَذَا لَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً لِيَطْرَحَ فِيهَا عَشَرَةَ أَكْرَارٍ فَطَرَحَ فِيهَا أَحَدَ عَشَرَ فَغَرِقَتْ السَّفِينَةُ أَنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى يَضْمَنُ قِيمَةَ كُلِّ السَّفِينَةِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ فَهِيَ عِلَّةُ التَّلَفِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَزِدْ لَمَا حَصَلَ التَّلَفُ؟ وَالْجَوَابُ أَنَّ هَذَا مَمْنُوعٌ بَلْ التَّلَفُ حَصَلَ بِالْكُلِّ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْكُرَّ الزَّائِدَ لَوْ انْفَرَدَ لَمَا حَصَلَ بِهِ التَّلَفُ؟ فَثَبَتَ أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِالْكُلِّ، وَالْبَعْضُ مَأْذُونٌ فِيهِ، وَالْبَعْضُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَمَا هَلَكَ بِمَا هُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهِ، وَمَا هَلَكَ بِمَا هُوَ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَفِيهِ الضَّمَانُ، وَصَارَ كَمَسْأَلَةِ الْحَائِطِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا مِائَةَ رِطْلٍ مِنْ قُطْنٍ فَحَمَلَ عَلَيْهَا مِثْلَ وَزْنِهِ حَدِيدًا أَوْ أَقَلَّ مِنْ وَزْنِهِ فَعَطِبَتْ الدَّابَّةُ لَا يَضْمَنُ قِيمَتَهَا؛ لِأَنَّ ضَرَرَ الدَّابَّةِ هَهُنَا لَيْسَ لِلثِّقَلِ بَلْ لِلِانْبِسَاطِ وَالِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقُطْنَ يَنْبَسِطُ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ وَالْحَدِيدَ يَجْتَمِعُ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَنَكَى لِظَهْرِ الدَّابَّةِ، وَأَعْقَرَ لَهَا فَلَمْ يَكُنْ مَأْذُونًا فِيهِ فَصَارَ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ، وَلَا أُجْرَةَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَكَذَلِكَ إذَا اسْتَأْجَرَهَا لِيُحَمِّلَهَا حِنْطَةً فَحَمَلَ عَلَيْهَا حَطَبًا أَوْ خَشَبًا أَوْ آجُرًّا أَوْ حَدِيدًا أَوْ حِجَارَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ أَنَكَى لِظَهْرِ الدَّابَّةِ أَوْ أَعْقَرَ لَهُ حَتَّى عَطِبَتْ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَحَمَلَ عَلَيْهَا، أَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَحْمِلَ عَلَيْهَا فَرَكِبَهَا حَتَّى عَطِبَتْ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ قَدْ اخْتَلَفَ، وَقَدْ يَكُونُ الضَّرَرُ فِي أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِيَرْكَبَهَا فَأَرْكَبَهَا مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الثِّقَلِ أَوْ أَخَفُّ مِنْهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ هَهُنَا لَيْسَ مِنْ جِهَةِ الْخِفَّةِ وَالثِّقَلِ بَلْ مِنْ حَيْثُ الْحَزْقُ وَالْعِلْمُ، فَإِنَّ خَفِيفَ الْبَدَنِ إذَا لَمْ يُحْسِنْ الرُّكُوبَ يَضُرُّ بِالدَّابَّةِ، وَالثَّقِيلَ الَّذِي يُحْسِنُ الرُّكُوبَ لَا يَضُرُّ بِهَا، فَإِذَا عَطِبَتْ عُلِمَ أَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ مِنْ حَزْقِهِ بِالرُّكُوبِ فَضَمِنَ، وَلَا أَجْرَ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَهَا بِنَفْسِهِ فَأَرْكَبَ مَعَهُ غَيْرَهُ فَعَطِبَتْ فَهُوَ ضَامِنٌ لِنِصْفِ قِيمَتِهَا، وَلَا يُعْتَبَرُ الثِّقَلُ هَهُنَا؛ لِأَنَّ تَلَفَ الدَّابَّةِ لَيْسَ مِنْ ثِقَلِ الرَّاكِبِ بَلْ مِنْ قِلَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِالرُّكُوبِ، فَصَارَ تَلَفُهَا بِرُكُوبِهَا بِمَنْزِلَةِ تَلَفِهَا بِجِرَاحَتِهَا، وَرُكُوبُ أَحَدِهِمَا مَأْذُونٌ فِيهِ، وَرُكُوبُ الْآخَرِ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ فَيَضْمَنُ نِصْفَ قِيمَتِهَا، وَصَارَ كَحَائِطٍ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ أَثْلَاثًا أُشْهِدَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَوَقَعَتْ مِنْهُ آجُرَّةٌ فَقَتَلَتْ رَجُلًا فَعَلَى الَّذِي أُشْهِدَ عَلَيْهِ نِصْفُ دِيَتِهِ، وَإِنْ كَانَ نَصِيبُهُ مِنْ الْحَائِطِ أَقَلَّ مِنْ النِّصْفِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ مَا حَصَلَ بِالثِّقَلِ بَلْ بِالْجُرْحِ، وَالْجِرَاحَةُ الْيَسِيرَةُ كَالْكَثِيرَةِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا جِرَاحَةً، وَجَرَحَهُ آخَرُ جِرَاحَتَيْنِ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، كَذَا هَهُنَا، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ، وَزِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ، وَهُوَ إرْكَابُ الْغَيْرِ، غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ اُسْتُوْفِيَتْ مِنْ غَيْرِ عَقْدٍ فَلَا يَجِبُ بِهَا الْأَجْرُ، هَذَا إذَا كَانَتْ الدَّابَّةُ تَطِيقُ اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَطِيقُهُمَا فَعَلَيْهِ جَمِيعُ قِيمَتِهَا؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهَا بِإِرْكَابِ غَيْرِهِ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا بِإِكَافٍ فَنَزَعَهُ مِنْهُ وَأَسْرَجَهُ فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ضَرَرَ السَّرْجِ أَقَلُّ مِنْ ضَرَرِ الْإِكَافِ؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَقَلَّ مِمَّا يَأْخُذُ الْإِكَافُ.

وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا بِسَرْجٍ فَنَزَعَ مِنْهُ السَّرْجَ، وَأَوْكَفَهُ فَعَطِبَ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يَضْمَنُ قَدْرَ مَا زَادَ الْإِكَافُ عَلَى السَّرْجِ، وَلَمْ يَذْكُرْ الِاخْتِلَافَ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يَضْمَنُ كُلَّ الْقِيمَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا يَضْمَنُ بِحِسَابِ الزِّيَادَةِ.

وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْإِكَافَ وَالسَّرْجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُرْكَبُ بِهِ عَادَةً، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ بِالثِّقَلِ، وَالْخِفَّةِ؛ لِأَنَّ الْإِكَافَ أَثْقَلُ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ الثِّقَلِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِسَرْجٍ فَنَزَعَهُ وَأَسْرَجَهُ بِسَرْجٍ آخَرَ أَثْقَلُ مِنْ الْأَوَّلِ فَعَطِبَ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ، كَذَا هَذَا.

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِكَافَ لَا يُخَالِفُ السَّرْجَ فِي الثِّقَلِ، وَإِنَّمَا يُخَالِفُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ ظَهْرِ الدَّابَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَأْخُذُ السَّرْجُ وَلِأَنَّ الدَّابَّةَ الَّتِي لَمْ تَأْلَفْ الْإِكَافَ يَضُرُّ بِهَا الْإِكَافُ، وَالْخِلَافُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلثِّقَلِ يَجِبُ بِهِ جَمِيعُ الضَّمَانِ كَمَا إذَا حَمَلَ مَكَانَ الْقُطْنِ الْحَدِيدَ، وَنَحْوَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا بَدَّلَ السَّرْجَ بِسَرْجٍ أَثْقَلَ مِنْهُ، وَالْإِكَافُ بِإِكَافٍ أَثْقَلَ مِنْهُ؛ لِأَنَّ التَّفَاوُتَ هُنَاكَ مِنْ نَاحِيَةِ الثِّقَلِ فَيَضْمَنُ بِقَدْرِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْمُقَدَّرَاتِ مِنْ جِنْسِهَا عَلَى مَا مَرَّ، وَلَوْ اسْتَأْجَرَ حِمَارًا عَارِيًّا فَأَسْرَجَهُ ثُمَّ رَكِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>