للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِمُعَاوَضَةٍ مَحْضَةٍ بَلْ فِيهَا مَعْنَى الْإِقْرَارِ وَالتَّمْيِيزِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُجْرَى فِيهَا الْجَبْرُ فَلَمْ تَكُنْ مُعَاوَضَةً مُطْلَقَةً فَلَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَمَا إذَا صَالَحَ عَنْ دَمِ عَمْدٍ عَلَى دَارٍ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ.

(وَمِنْهَا) مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ فَلَا تَجِبُ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ؛ لِأَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَلَوْ وَجَبَتْ فِي مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِغَيْرِ الْمَالِ فَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ بِالْقِصَاصِ وَإِمَّا أَنْ يَأْخُذَ بِقِيمَةِ الدَّارِ وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَمْ يَتَمَلَّكْ بِهِ فَامْتَنَعَ التَّمَلُّكُ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا صَالَحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ عَلَى دَارٍ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ تُوجَدْ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَكَذَا لَوْ صَالَحَ مِنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَلَى دَارٍ لِمَا قُلْنَا وَلَوْ صَالَحَ مِنْ جِنَايَةٍ تُوجِبُ الْأَرْشَ دُونَ الْقِصَاصِ عَلَى دَارٍ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ بِالْأَرْشِ لِوُجُودِ مُعَاوَضَةِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَلَى دَارٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ تُوجَدْ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ.

(وَمِنْهَا) مُعَاوَضَةُ عَيْنِ الْمَالِ بِعَيْنِ الْمَالِ فَلَا تَجِبُ فِي مُعَاوَضَةِ عَيْنِ الْمَالِ بِمَا لَيْسَ بِعَيْنِ الْمَالِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ التَّمَلُّكَ بِمَا تَمَلَّكَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّمَلُّكُ بِعَيْنِ الْمَالِ لَيْسَ تَمَلُّكًا بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي فَامْتَنَعَ أَصْلًا وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا جَعَلَ الدَّارَ مَهْرًا بِأَنْ تَزَوَّجَ عَلَى دَارٍ أَوْ جَعَلَهَا بَدَلَ الْخُلْعِ بِأَنْ خَالَعَ امْرَأَتَهُ عَلَى دَارٍ أَوْ جَعَلَهَا أُجْرَةً فِي الْإِجَارَاتِ بِأَنْ اسْتَأْجَرَ بِدَارٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مُعَاوَضَةُ الْمَالِ بِالْمَنْفَعَةِ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْإِجَارَةِ ثَبَتَ فِي الْمَنْفَعَةِ وَكَذَا حُكْمُ النِّكَاحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَسَائِلِ النِّكَاحِ مِنْ الْخِلَافِ وَالْمَنْفَعَةُ لَيْسَتْ بِمَالٍ وَهَذَا عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَيَأْخُذُهَا الشَّفِيعُ بِقِيمَةِ الْبُضْعِ وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ فِي النِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَفِي الْإِجَارَةِ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْأَخْذَ بِالشُّفْعَةِ تَمَلُّكٌ بِمِثْلِ مَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَعِنْدَ التَّعَذُّرِ تُقَامُ قِيمَتُهُ مَقَامَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى دَارًا بِعَبْدٍ فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لِتَعَذُّرِ الْأَخْذِ بِمِثْلِهِ إذْ لَا مِثْلَ لَهُ فَتَقُومُ قِيمَتُهُ مَقَامَهُ كَذَا هَهُنَا وَالْمَنَافِعُ تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ بِلَا خِلَافٍ فَتُقَامُ قِيمَةُ الْعِوَضِ مَقَامَهُ.

(وَلَنَا) أَنَّ الْمَنَافِعَ فِي الْأَصْلِ لَا قِيمَةَ لَهَا عَلَى أُصُولِ أَصْحَابِنَا وَالْأَصْلُ فِيهَا أَنْ لَا تَكُونَ مَضْمُونَةً؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ يُضْمَنُ بِمِثْلِهِ فِي الْأَصْلِ وَالْعَرَضُ لَا يُمَاثِلُ الْعَيْنَ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ إلَّا أَنَّهَا تَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ بِطَرِيقِ الضَّرُورَةِ وَلِحَاجَةِ النَّاسِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَا يَظْهَرُ تَقَوُّمُهَا فِي حَقِّ الشَّفِيعِ وَلَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى دَارٍ عَلَى أَنْ تَرُدَّ الْمَرْأَةُ عَلَيْهِ أَلْفًا فَلَا شُفْعَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدَّارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي حِصَّةِ الْأَلْفِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الدَّارَ بَعْضُهَا مَهْرٌ وَبَعْضُهَا مَبِيعٌ فَلَئِنْ تَعَذَّرَ إيجَابُ الشُّفْعَةِ فِي حِصَّةِ الْمَهْرِ أَمْكَنَ إيجَابُهَا فِي حِصَّةِ الْمَبِيعِ فَتَجِبُ فِي حِصَّتِهِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ إيجَابُ الشُّفْعَةِ فِي حِصَّةِ الْمَبِيعِ إلَّا بَعْدَ قِسْمَةِ الدَّارِ وَفِي قِسْمَتِهَا تَقْوِيمُ الْمَنَافِعِ وَلَا قِيمَةَ لَهَا إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلِأَنَّ الْمَهْرَ فِي الدَّارِ هُوَ الْأَصْلُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا دَفَعَتْ الْأَلْفَ لِتُسَلَّمَ لَهَا الدَّارُ فَإِذَا لَمْ تَثْبُتْ الشُّفْعَةُ فِي الْأَصْلِ فَكَيْفَ تَجِبُ فِي التَّابِعِ؟ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ بَاعَ دَارِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِذَلِكَ الْمَهْرِ أَوْ تَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ مُسَمًّى ثُمَّ بَاعَ دَارِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا مَبِيعٌ مُبْتَدَأٌ فَتَجِبُ بِهِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى دَارٍ أَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى غَيْرِ مُسَمًّى ثُمَّ فَرَضَ لَهَا دَارِهِ مَهْرًا لَا تَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ بَلْ هُوَ تَقْدِيرُ الْمَهْرِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ عَقَارًا وَمَا هُوَ بِمَعْنَاهُ فَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَا شُفْعَةَ فِيهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ مَالِكٌ هَذَا لَيْسَ بِشَرْطٍ وَتَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي السُّفُنِ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ السَّفِينَةَ أَحَدُ الْمَسْكَنَيْنِ فَتَجِبُ فِيهَا الشُّفْعَةُ كَمَا تَجِبُ فِي الْمَسْكَنِ الْآخَرِ وَهُوَ الْعَقَارُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «لَا شُفْعَةَ إلَّا فِي رَبْعٍ أَوْ حَائِطٍ» ؛ لِأَنَّ الشُّفْعَةَ فِي الْعَقَارِ مَا وَجَبَتْ لِكَوْنِهِ مَسْكَنًا وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِخَوْفِ أَذَى الدَّخِيلِ وَضَرَرِهِ عَلَى سَبِيلِ الدَّوَامِ وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْعَقَارِ وَلَا تَجِبُ إلَّا فِي الْعَقَارِ أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ وَهُوَ الْعُلُوُّ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَ الْعَقَارُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا يَحْتَمِلُهَا كَالْحَمَّامِ وَالرَّحَا وَالْبِئْرِ وَالنَّهْرِ وَالْعَيْنِ وَالدُّورِ الصِّغَارِ عِنْدَ أَصْحَابِنَا .

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ إلَّا فِي عَقَارٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَالْكَلَامُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى أَصْلٍ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>