أَنَّ الشُّفْعَةَ عِنْدَنَا وَجَبَتْ مَعْلُولَةً بِدَفْعِ ضَرَرِ الدَّخِيلِ وَأَذَاهُ عَلَى سَبِيلِ اللُّزُومِ وَذَلِكَ يُوجَدُ فِيمَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَفِيمَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ عَلَى السَّوَاءِ وَعِنْدَهُ وَجَبَتْ مَعْلُولَةً بِدَفْعِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَهُوَ ضَرَرُ الْقِسْمَةِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى مَا لَا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ وَهَذَا مَعَ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَنْعِ التَّعْدِيَةِ قَدْ أَبْطَلْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «إنَّمَا الشُّفْعَةُ فِيمَا لَمْ يُقْسَمْ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ» وَإِذَا بِيعَ سُفْلُ عَقَارٍ دُونَ عُلُوِّهِ أَوْ عُلُوُّهُ دُونَ سُفْلِهِ أَوْ بِيعَا جَمِيعًا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ أَمَّا السُّفْلُ فَلَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ عَقَارٌ وَأَمَّا الْعُلُوُّ بِدُونِ السُّفْلِ فَتَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ إذَا كَانَ الْعُلُوُّ قَائِمًا اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبِنَاءِ عَلَى السُّفْلِ مُتَعَلِّقٌ بِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّأْبِيدِ فَصَارَ بِمَعْنَى الْعَقَارِ فَتَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ وَلَوْ انْهَدَمَ الْعُلُوُّ ثُمَّ بِيعَ السُّفْلُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِصَاحِبِ الْعُلُوِّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا شُفْعَةَ لَهُ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الزِّيَادَاتِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْبِنَاءَ وَإِنْ بَطَلَ فَحَقُّ الْبِنَاءِ قَائِمٌ وَأَنَّهُ حَقٌّ مُتَعَلِّقٌ بِالْبُقْعَةِ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَالتَّأْبِيدِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبُقْعَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الشُّفْعَةَ إنَّمَا تَجِبُ إمَّا بِالشَّرِكَةِ فِي الْمِلْكِ أَوْ الْحُقُوقِ أَوْ بِجِوَارِ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَمَّا الشَّرِكَةُ فَظَاهِرُ الِانْتِفَاءِ وَكَذَا الْجِوَارُ؛ لِأَنَّ الْجِوَارَ كَانَ بِالْبِنَاءِ وَقَدْ زَالَ الْبِنَاءُ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ وَذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ فِيمَنْ بَاعَ عُلُوًّا فَاحْتَرَقَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بَطَلَ الْبَيْعُ هَكَذَا ذَكَرَ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا مِنْ مَشَايِخِنَا ﵏ مَنْ قَالَ هَذَا قَوْلُهُ.
(فَأَمَّا) عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَبْطُلَ؛ لِأَنَّهُ يُجْعَلُ فِي حَقِّ الْبِنَاءِ بِمَنْزِلَةِ الْعَرْصَةِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ الْعَرْصَةَ مَعَ الْبِنَاءِ فَاحْتَرَقَ الْبِنَاءُ.
(وَمِنْهَا) زَوَالُ مِلْكِ الْبَائِعِ عَنْ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَمْلِكُ الْمَبِيعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمِثْلِ مَا مَلَكَ بِهِ فَإِذَا لَمْ يَزُلْ مِلْكُ الْبَائِعِ اسْتَحَالَ تَمَلُّكُ الْمُشْتَرِي فَاسْتَحَالَ تَمَلُّكُ الشَّفِيعِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْمَبِيعِ بِشَرْطِ خِيَارِ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى لَوْ أَسْقَطَ خِيَارَهُ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَبِيعَ زَالَ عَنْ مِلْكِهِ مِنْ حِينِ وُجُودِ الْمَبِيعِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَلْمُشْتَرِي تَجِبُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ الْمَبِيعِ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ وَحَقُّ الشُّفْعَةِ يَقِفُ عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا لَمْ تَجِبْ الشُّفْعَةُ لِأَجْلِ خِيَارِ الْبَائِعِ وَلَوْ شَرَطَ الْبَائِعُ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ لِلشَّفِيعِ شَرْطٌ لِنَفْسِهِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ فَإِنْ أَجَازَ الشَّفِيعُ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ تَمَّ مِنْ جِهَتِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ ابْتِدَاءً وَإِنْ فَسَخَ الْبَيْعَ فَلَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْبَائِعِ لَمْ يَزُلْ وَالْحِيلَةُ لِلشَّفِيعِ فِي ذَلِكَ أَنْ لَا يَفْسَخَ وَلَا يُجِيزَ حَتَّى يُجِيزَ الْبَائِعُ أَوْ يُجَوِّزَ هُوَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ فَتَكُونُ لَهُ الشُّفْعَةُ وَخِيَارُ الْعَيْبِ وَالرُّؤْيَةِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ مِلْكِ الْبَائِعِ.
(وَمِنْهَا) زَوَالُ حَقِّ الْبَائِعِ فَلَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ فِي الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا؛؛ لِأَنَّ لِلْبَائِعِ حَقَّ النَّقْضِ وَالرَّدِّ إلَى مِلْكِهِ رَدًّا لِلْفَسَادِ، وَفِي إيجَابِ الشُّفْعَةِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ حَتَّى لَوْ سَقَطَ حَقُّ الْفَسْخِ بِأَسْبَابٍ مُسْقِطَةٍ لِلْفَسْخِ كَالزِّيَادَةِ وَزَوَالِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَنَحْوِ ذَلِكَ كَانَ لِلشَّفِيعِ أَنْ يَأْخُذَ بِالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ قِيَامُ الْفَسْخِ وَقَدْ زَالَ كَمَا لَوْ بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَهُ ثُمَّ أَسْقَطَ الْخِيَارَ وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ مِنْ الْوُجُوبِ وَهُوَ الْخِيَارُ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا بَيْعًا صَحِيحًا فَجَاءَ الشَّفِيعُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ؛ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِالْبَيْعِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الشَّفِيعِ ثَابِتٌ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَيْعَيْنِ لِوُجُودِ سَبَبِ الثُّبُوتِ عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَشَرَائِطِهِ فَكَانَ لَهُ الْخِيَارُ.
غَيْرَ أَنَّهُ إنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الثَّانِي أَخَذَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ أَخَذَ بِالْبَيْعِ الْأَوَّلِ أَخَذَ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الشَّفِيعَ يَتَمَلَّكُ بِمَا تَمَلَّكَ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي الثَّانِي تَمَلَّكَ بِالثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ صَحِيحٌ، وَالْبَيْعُ الصَّحِيحُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الثَّمَنُ، وَالْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ تَمَلَّكَ الْمَبِيعَ بِقِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ لَا بِالثَّمَنِ وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ كَالْمَغْصُوبِ؛ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يُخَرَّجُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ فِيمَنْ اشْتَرَى أَرْضًا شِرَاءً فَاسِدًا فَبَنَى عَلَيْهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ حَقُّ الشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ فِي الْقَبْضِ قَدْ زَالَ بِالْبِنَاءِ وَبَطَلَ فَزَالَ الْمَانِعُ مِنْ وُجُوبِ الشُّفْعَةِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَثْبُتُ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْبِنَاءِ فَكَانَ الْمَانِعُ قَائِمًا، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فِي الْمَرِيضِ إذَا بَاعَ الدَّارَ مِنْ وَارِثِهِ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا وَشَفِيعُهَا أَجْنَبِيٌّ أَنَّهُ لَا شُفْعَةَ لَهُ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ عَيْنًا مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لِوَارِثِهِ فَاسِدٌ عِنْدَهُ إلَّا إذَا أَجَازَ الْوَرَثَةُ، وَإِنْ كَانَ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ وَلَا شُفْعَةَ لَهُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إلَّا إذَا أَجَازَ فَتَجِبُ الشُّفْعَةُ.
وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ بِمِثْلِ قِيمَتِهَا وَالْوَارِثُ شَفِيعُهَا لَا شُفْعَةَ لِلْوَارِثِ عِنْدَهُ