الصَّلَاةَ مِنْ الْغَدِ وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُعِيدَ الْأُضْحِيَّةَ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّلَاةَ وَالْأُضْحِيَّةَ وَقَعَتَا قَبْلَ الْوَقْتِ فَلَمْ يَجُزْ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْإِمَامَ كَانَ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ فَإِنْ عُلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَ النَّاسُ يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ، وَهَلْ يَجُوزُ مَا ضَحَّى قَبْلَ الْإِعَادَةِ؟ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ بَعْدَ صَلَاةٍ يُجِيزُهَا بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ الشَّافِعِيُّ ﵀؛ لِأَنَّ فَسَادَ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي عِنْدَهُ فَكَانَتْ تِلْكَ صَلَاةً مُعْتَبَرَةً عِنْدَهُ، فَعَلَى هَذَا يُعِيدُ الْإِمَامُ وَحْدَهُ وَلَا يُعِيدُ الْقَوْمُ وَذَلِكَ اسْتِحْسَانًا وَذُكِرَ فِي اخْتِلَافِ زُفَرَ ﵀ أَنَّهُ يُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ وَلَا يَجُوزُ مَا ضَحَّى قَبْلَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ.
وَإِنْ تَفَرَّقَ النَّاسُ عَنْ الْإِمَامِ ثُمَّ عُلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تُعَادُ، وَقَدْ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عَنْ الْمُضَحِّي؛ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ قَدْ جَازَتْ فِي قَوْلِ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ فَتَرْكُ إعَادَتِهَا بَعْدَ تَفَرُّقِ النَّاسِ أَحْسَنُ مِنْ أَنْ يُنَادِيَ النَّاسَ أَنْ يَجْتَمِعُوا ثَانِيًا، وَهُوَ أَيْسَرُ مِنْ أَنَّهُ تَبْطُلُ أَضَاحِيهِمْ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ تُعَادُ الْأُضْحِيَّةُ وَلَا تُعَادُ بِهِمْ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْأُضْحِيَّةَ أَيْسَرُ مِنْ إعَادَةِ الصَّلَاةِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ يُنَادِي بِهِمْ حَتَّى يَجْتَمِعُوا وَيُعِيدُ بِهِمْ الصَّلَاةَ، قَالَ الْبَلْخِيّ ﵀: فَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ لَا تُجْزِي ذَبِيحَةُ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ إعَادَةِ الصَّلَاةِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الشَّمْسُ قَدْ زَالَتْ فَتُجْزِي ذَبِيحَةُ مَنْ ذَبَحَ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَسَقَطَتْ عَنْهُمْ الصَّلَاةُ، وَلَوْ شَهِدَ نَاسٌ عِنْدَ الْإِمَامِ - بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ وَبَعْدَمَا زَالَتْ الشَّمْسُ - أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ هُوَ الْعَاشِرُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ جَازَ لَهُمْ أَنْ يُضَحُّوا وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ مِنْ الْغَدِ فَيُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ، وَإِنْ عُلِمَ فِي صَدْرِ النَّهَارِ أَنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ فَشُغِلَ الْإِمَامُ عَنْ الْخُرُوجِ أَوْ غَفَلَ فَلَمْ يَخْرُجْ وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا يُصَلِّي بِهِمْ فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُضَحِّيَ حِينَ يُصَلِّي الْإِمَامُ إلَى أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ، فَإِذَا زَالَتْ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ الْإِمَامُ ضَحَّى النَّاسُ، وَإِنْ ضَحَّى أَحَدٌ قَبْلَ ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ.
وَلَوْ صَلَّى الْإِمَامُ صَلَاةَ الْعِيدِ وَذَبَحَ رَجُلٌ أُضْحِيَّتَهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لِلْإِمَامِ أَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ كَانَ بِالْأَمْسِ جَازَتْ الصَّلَاةُ وَجَازَ لِلرَّجُلِ أُضْحِيَّتُهُ.
وَلَوْ وَقَعَتْ فِتْنَةٌ فِي مِصْرٍ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا إمَامٌ مِنْ قِبَلِ السُّلْطَانِ يُصَلِّي بِهِمْ صَلَاةَ الْعِيدِ فَالْقِيَاسُ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ النَّحْرِ فِي ذَلِكَ الْمِصْرِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمَنْزِلَةِ الْقُرَى الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا، وَلَكِنْ يُسْتَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ وَقْتُ نَحْرِهِمْ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ كَانَ حَاضِرًا كَانَ عَلَيْهِمْ أَنْ يُصَلُّوا إلَّا أَنَّهُ امْتَنَعَ أَدَاؤُهَا الْعَارِضُ فَلَا يَتَغَيَّرُ حُكْمُ الْأَصْلِ؛ كَمَا لَوْ كَانَ الْإِمَامُ حَاضِرًا فَلَمْ يُصَلِّ لِعَارِضِ أَسْبَابٍ مِنْ مَرَضٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَهُنَاكَ لَا يَجُوزُ الذَّبْحُ إلَّا بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا هَهُنَا.
وَلَوْ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْيَوْمَ كَانَ يَوْمَ النَّحْرِ جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ حَصَلَ فِي وَقْتِهِ فَيُجْزِيهِ وَاَللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - أَعْلَمُ.
هَذَا إذَا كَانَ مَنْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْمِصْرِ وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ؛ فَإِنْ كَانَ هُوَ فِي الْمِصْرِ وَالشَّاةُ فِي الرُّسْتَاقِ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لَا يُصَلَّى فِيهِ وَقَدْ كَانَ أَمَرَ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ فَضَحَّوْا بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا تُجْزِيهِ، وَعَلَى عَكْسِهِ لَوْ كَانَ هُوَ فِي الرُّسْتَاقِ وَالشَّاةُ فِي الْمِصْرِ وَقَدْ أَمَرَ مَنْ يُضَحِّي عَنْهُ فَضَحَّوْا بِهَا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا لَا تُجْزِيهِ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي هَذَا مَكَانُ الشَّاةِ لَا مَكَانُ مَنْ عَلَيْهِ، هَكَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - فِي النَّوَادِرِ وَقَالَ: إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى مَحَلِّ الذَّبْحِ وَلَا أَنْظُرُ إلَى مَوْضِعِ الْمَذْبُوحِ عَنْهُ، وَهَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀: يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الذَّبْحُ وَلَا يُعْتَبَرُ الْمَكَانُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْمَذْبُوحُ عَنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ هُوَ الْقُرْبَةُ فَيُعْتَبَرُ مَكَانُ فِعْلِهَا لَا مَكَانُ الْمَفْعُولِ عَنْهُ.
وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ فِي مِصْرٍ وَأَهْلُهُ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ أَنْ يُضَحُّوا عَنْهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ مَكَانَ الذَّبِيحَةِ فَقَالَ: يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ لَا يُضَحُّوا عَنْهُ حَتَّى يُصَلِّيَ الْإِمَامُ الَّذِي فِيهِ أَهْلُهُ، وَإِنْ ضَحَّوْا عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ لَمْ يُجْزِهِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ: انْتَظَرْتُ الصَّلَاتَيْنِ جَمِيعًا وَإِنْ شَكُّوا فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْمِصْرِ الْآخَرِ انْتَظَرْتُ بِهِ الزَّوَالَ فَعِنْدَهُ لَا يَذْبَحُونَ عَنْهُ حَتَّى يُصَلُّوا فِي الْمِصْرَيْنِ جَمِيعًا، وَإِنْ وَقَعَ لَهُمْ الشَّكُّ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْمِصْرِ الْآخَرِ لَمْ يَذْبَحُوا حَتَّى تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِذَا زَالَتْ ذَبَحُوا عَنْهُ.
(وَجْهُ) قَوْلِ الْحَسَنِ أَنَّ فِيمَا قُلْنَا اعْتِبَارَ الْحَالَيْنِ حَالَ الذَّبْحِ وَحَالَ الْمَذْبُوحِ عَنْهُ فَكَانَ أَوْلَى وَلِأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْقُرْبَةَ فِي الذَّبْحِ، وَالْقُرُبَاتُ الْمُؤَقَّتَةُ يُعْتَبَرُ وَقْتُهَا فِي حَقِّ فَاعِلِهَا لَا فِي حَقِّ الْمَفْعُولِ عَنْهُ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ نُهُرِهَا وَلَيَالِيهَا؛ وَهُمَا لَيْلَتَانِ: لَيْلَةُ الْيَوْمِ الثَّانِي وَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِيَ عَشَرَ، وَلَيْلَةُ الْيَوْمِ الثَّالِثِ وَهِيَ لَيْلَةُ الثَّانِي