عَشَرَ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا لَيْلَةُ الْأَضْحَى وَهِيَ لَيْلَةُ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ لِقَوْلِ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ﵃: أَيَّامُ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ، وَذِكْرُ الْأَيَّامِ يَكُونُ ذِكْرَ اللَّيَالِي لُغَةً، قَالَ اللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - فِي قِصَّةِ زَكَرِيَّا ﵊ ﴿ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا﴾ [آل عمران: ٤١] وَقَالَ عَزَّ شَأْنُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ ﴿ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا﴾ [مريم: ١٠] وَالْقِصَّةُ قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِيهَا اللَّيْلَةُ الْعَاشِرَةُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَتْبَعَهَا النَّهَارُ الْمَاضِي وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ؛ بِدَلِيلِ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، كَمَا لَوْ أَدْرَكَ النَّهَارَ وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ فَإِذَا جُعِلَتْ تَابِعَةً لِلنَّهَارِ الْمَاضِي لَا تَتْبَعُ النَّهَارَ الْمُسْتَقْبَلَ فَلَا تَدْخُلُ فِي وَقْتِ التَّضْحِيَةِ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَتَانِ بَعْدَهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الذَّبْحُ بِاللَّيْلِ لَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَقْتِ لِلتَّضْحِيَةِ بَلْ لِمَعْنًى آخَرَ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، وَاَللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - أَعْلَمُ.
وَأَمَّا الَّذِي يَرْجِعُ إلَى مَحَلِّ التَّضْحِيَةِ فَنَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: سَلَامَةُ الْمَحَلِّ عَنْ الْعُيُوبِ الْفَاحِشَةِ؛ فَلَا تَجُوزُ الْعَمْيَاءُ وَلَا الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَهِيَ الَّتِي لَا تَقْدِرُ تَمْشِي بِرِجْلِهَا إلَى الْمَنْسَكِ، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي وَهِيَ الْمَهْزُولَةُ الَّتِي لَا نِقْيَ لَهَا وَهُوَ الْمُخُّ، وَمَقْطُوعَةُ الْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَاَلَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا فِي الْخِلْقَةِ.
وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ ﵀ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَيَكُونُ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِي وَيُجْزِي السَّكَّاءُ وَهِيَ صَغِيرَةُ الْأُذُنِ، وَلَا يَجُوزُ مَقْطُوعَةُ إحْدَى الْأُذُنَيْنِ بِكَمَالِهَا، وَاَلَّتِي لَهَا أُذُنٌ وَاحِدَةٌ خِلْقَةً.
وَالْأَصْلُ فِي اعْتِبَارِ هَذِهِ الشُّرُوطِ مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ﵄ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ «لَا تُجْزِي مِنْ الضَّحَايَا أَرْبَعٌ الْعَوْرَاءُ الْبَيِّنُ عَوَرُهَا وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَالْعَجْفَاءُ الَّتِي لَا تُنْقِي» وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «اسْتَشْرِفُوا الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» أَيْ تَأَمَّلُوا سَلَامَتَهُمَا عَنْ الْآفَاتِ.
وَرُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِعَضْبَاءِ الْأُذُنِ» ، وَلَوْ ذَهَبَ بَعْضُ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ مِنْ الْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ وَالذَّنَبِ وَالْعَيْنِ، ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ كَثِيرًا يَمْنَعُ جَوَازُ التَّضْحِيَةِ وَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَا يُمْنَعُ؛ لِأَنَّ الْيَسِيرَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ الْحَيَوَانُ لَا يَخْلُو عَنْهُ عَادَةً، فَلَوْ اُعْتُبِرَ مَانِعًا لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ وَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَرْبَعُ رِوَايَاتٍ، رَوَى مُحَمَّدٌ ﵀ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَهَبَ الثُّلُثُ أَوْ أَقَلُّ جَازَ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَجُوزُ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ إنْ كَانَ ذَهَبَ الثُّلُثُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: ذَكَرْت قَوْلِي لِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ فَقَالَ: قَوْلِي مِثْلُ قَوْلِك، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ كَانَ الْبَاقِي أَكْثَرَ مِنْ الذَّاهِبِ يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ مِثْلَهُ لَا يَجُوزُ.
وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ أَنَّهُ إذَا ذَهَبَ الرُّبُعُ لَمْ يُجْزِهِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ.
(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَمَا كَانَ مُضَافُهُ أَقَلَّ مِنْهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ قَدْ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إذَا كَانَا سَوَاءً احْتِيَاطًا لِاجْتِمَاعِ جِهَةِ الْجَوَازِ وَعَدَمِ الْجَوَازِ إلَّا أَنَّهُ يَعْتَبِرُ بَقَاءَ الْأَكْثَرِ لِلْجَوَازِ وَلَمْ يُوجَدْ.
وَرُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ ﵊ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْعَضْبَاءِ» قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْعَضْبَاءُ الَّتِي ذَهَبَ أَكْثَرُ أُذُنِهَا، فَقَدْ اعْتَبَرَ النَّبِيُّ ﵊ الْأَكْثَرَ، وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الرُّبُعِ كَثِيرًا فَلِأَنَّهُ يَلْحَقُ بِالْكَثِيرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ كَمَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالْحَلْقِ فِي حَقِّ الْمُحْرِمِ فَفِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ أَوْلَى.
وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ اعْتِبَارِ الثُّلُثِ كَثِيرًا فَلِقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ فِي بَابِ الْوَصِيَّةِ «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» جَعَلَ ﵊ الثُّلُثَ كَثِيرًا مُطْلَقًا، وَأَمَّا وَجْهُ رِوَايَةِ اعْتِبَارِهِ قَلِيلًا فَاعْتِبَارُهُ بِالْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَ الْوَصِيَّةَ بِالثُّلُثِ وَلَمْ يُجَوِّزْ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَدَلَّ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الثُّلُثِ لَا يَكُونُ كَثِيرًا وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ تَرْعَى وَتَعْتَلِفُ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهُ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهَا عَنْ الِاعْتِلَافِ تُجْزِيهِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا عَنْ الِاعْتِلَافِ إلَّا أَنْ يَصُبَّ فِي جَوْفِهَا صَبًّا لَمْ تُجْزِهِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قَوْلٍ لَا تُجْزِي سَوَاءٌ اعْتَلَفَتْ أَوْ لَمْ تَعْتَلِفْ، وَفِي قَوْلٍ إنْ ذَهَبَ أَكْثَرُ أَسْنَانِهَا لَا تُجْزِي كَمَا قَالَ فِي الْأُذُنِ وَالْأَلْيَةِ وَالذَّنَبِ، وَفِي قَوْلٍ إنْ بَقِيَ مِنْ أَسْنَانِهَا قَدْرُ مَا تَعْتَلِفُ تُجْزِي وَإِلَّا فَلَا.
وَتَجُوزُ الثَّوْلَاءُ وَهِيَ الْمَجْنُونَةُ إلَّا إذَا كَانَ ذَلِكَ يَمْنَعُهَا عَنْ الرَّعْيِ وَالِاعْتِلَافِ فَلَا تَجُوزُ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى