هَلَاكِهَا فَكَانَ عَيْبًا فَاحِشًا وَتَجُوزُ الْجَرْبَاءُ إذَا كَانَتْ سَمِينَةً فَإِنْ كَانَتْ مَهْزُولَةً لَا تَجُوزُ وَتُجْزِي الْجَمَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا خِلْقَةً، وَكَذَا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ تُجْزِي لِمَا رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا «عَلِيًّا ﵁ سُئِلَ عَنْ الْقَرْنِ فَقَالَ: لَا يَضُرُّك أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» وَرُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا مِنْ هَمَذَانَ جَاءَ إلَى سَيِّدِنَا عَلِيٍّ ﵁ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَقَرَةُ عَنْ كَمْ؟ قَالَ: عَنْ سَبْعَةٍ ثُمَّ قَالَ: مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ؟ قَالَ: لَا ضَيْرَ ثُمَّ قَالَ: عَرْجَاءُ؟ فَقَالَ: إذَا بَلَغَتْ الْمَنْسَكَ، ثُمَّ قَالَ سَيِّدُنَا عَلِيٌّ - كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ -: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نَسْتَشْرِفَ الْعَيْنَ وَالْأُذُنَ» .
فَإِنْ بَلَغَ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ لَا تَجْزِيهِ، وَالْمُشَاشُ: رُءُوسُ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ وَتُجْزِي الشَّرْقَاءُ وَهِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ طُولًا؛ وَمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ» فَالْخَرْقَاءُ هِيَ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ وَالْمُقَابَلَةُ هِيَ الَّتِي يُقْطَعُ مِنْ مَقْدَمِ أُذُنِهَا شَيْءٌ وَلَا يُبَانُ بَلْ يُتْرَكُ مُعَلَّقًا وَالْمُدَابَرَةُ أَنْ يُفْعَلَ ذَلِكَ بِمُؤَخَّرِ الْأُذُنِ مِنْ الشَّاةِ، فَالنَّهْيُ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَفِي الْخَرْقَاءِ عَلَى الْكَثِيرِ، عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا بَأْسَ بِمَا فِيهِ سِمَةٌ فِي أُذُنِهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعَدُّ عَيْبًا فِي الشَّاةِ، وَلِأَنَّهُ عَيْبٌ يَسِيرٌ أَوْ لِأَنَّ السِّمَةَ لَا يَخْلُو عَنْهَا الْحَيَوَانُ وَلَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا.
وَلَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ أُضْحِيَّةً وَهِيَ سَمِينَةٌ فَعَجِفَتْ عِنْدَهُ حَتَّى صَارَتْ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَرَاهَا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ لَمْ تُجْزِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا أَجْزَأَتْهُ؛ لِأَنَّ الْمُوسِرَ تَجِبُ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ فِي ذِمَّتِهِ وَإِنَّمَا أَقَامَ مَا اشْتَرَى لَهَا مَقَامَ مَا فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا نَقَصَتْ لَا تَصْلُحُ أَنْ تُقَامَ مَقَامَ مَا فِي الذِّمَّةِ فَبَقِيَ مَا فِي ذِمَّتِهِ بِحَالِهِ.
وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَلَا أُضْحِيَّةَ فِي ذِمَّتِهِ فَإِذَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَقَدْ تَعَيَّنَتْ الشَّاةُ الْمُشْتَرَاةُ لِلْقُرْبَةِ فَكَانَ نُقْصَانُهَا كَهَلَاكِهَا حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أُضْحِيَّةً لَا تَجُوزُ هَذِهِ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِإِيجَابِهِ فَصَارَ كَالْغَنِيِّ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ -.
وَلَوْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً وَهِيَ صَحِيحَةٌ ثُمَّ أَعْوَرَتْ عِنْدَهُ وَهُوَ مُوسِرٌ أَوْ قُطِعَتْ أُذُنُهَا كُلُّهَا أَوْ أَلْيَتُهَا أَوْ ذَنَبُهَا أَوْ انْكَسَرَتْ رِجْلُهَا فَلَمْ تَسْتَطِعْ أَنْ تَمْشِيَ لَا تُجْزِي عَنْهُ، وَعَلَيْهِ مَكَانَهَا أُخْرَى لِمَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ الْفَقِيرِ.
وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ عِنْدَهُ أَوْ سُرِقَتْ، وَلَوْ قَدَّمَ أُضْحِيَّةً لِيَذْبَحَهَا فَاضْطَرَبَتْ فِي الْمَكَانِ الَّذِي يَذْبَحُهَا فِيهِ فَانْكَسَرَتْ رِجْلُهَا ثُمَّ ذَبَحَهَا عَلَى مَكَانِهَا أَجْزَأَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا انْقَلَبَتْ مِنْهُ الشَّفْرَةُ فَأَصَابَتْ عَيْنَهَا فَذَهَبَتْ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ.
(وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا عَيْبٌ دَخَلَهَا قَبْلَ تَعْيِينِ الْقُرْبَةِ فِيهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ كَانَ قَبْلَ حَالِ الذَّبْحِ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ لِأَنَّ الشَّاةَ تَضْطَرِبُ فَتَلْحَقُهَا الْعُيُوبُ مِنْ اضْطِرَابِهَا.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ: لَوْ عَالَجَ أُضْحِيَّةً لِيَذْبَحَهَا فَكُسِرَتْ أَوْ أَعْوَرَتْ فَذَبَحَهَا ذَلِكَ الْيَوْمَ أَوْ مِنْ الْغَدِ فَإِنَّهَا تُجْزِي؛ لِأَنَّ ذَلِكَ النُّقْصَانَ لَمَّا لَمْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْحَالِ لَوْ ذَبَحَهَا فَكَذَا فِي الثَّانِي كَالنُّقْصَانِ الْيَسِيرِ، وَاَللَّهُ - عَزَّ شَأْنُهُ - أَعْلَمُ.
وَالثَّانِي مِلْكُ الْمَحَلِّ؛ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُضَحَّى مِلْكَ مَنْ عَلَيْهِ الْأُضْحِيَّةُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ التَّضْحِيَةَ قُرْبَةٌ وَلَا قُرْبَةَ فِي الذَّبْحِ بِمِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا إذَا اغْتَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ فَضَحَّى بِهَا عَنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا تُجْزِيهِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَلَا عَنْ صَاحِبِهَا لِعَدَمِ الْإِذْنِ ثُمَّ إنْ أَخَذَهَا صَاحِبُهَا مَذْبُوحَةً وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ فَكَذَلِكَ لَا تَجُوزُ عَنْ التَّضْحِيَةِ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ بِأُخْرَى لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ ضَمَّنَهُ صَاحِبُهَا قِيمَتَهَا حَيَّةً فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْ الذَّابِحِ لِأَنَّهُ مَلَكَهَا بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ بِطَرِيقِ الظُّهُورِ وَالِاسْتِنَادِ فَصَارَ ذَابِحًا شَاةً هِيَ مِلْكُهُ فَتُجْزِيهِ لَكِنَّهُ يَأْثَمُ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ فِعْلِهِ وَقَعَ مَحْظُورًا فَتَلْزَمُهُ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا تُجْزِي عَنْ الذَّابِحِ أَيْضًا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَضْمُونَاتِ تُمْلَكُ بِالضَّمَانِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا تُمْلَكُ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.
وَكَذَلِكَ إذَا اغْتَصَبَ شَاةَ إنْسَانٍ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ فَضَحَّاهَا عَنْ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ لِمَا قُلْنَا وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِي الشَّاةِ الْمُسْتَحَقَّةِ بِأَنْ اشْتَرَى شَاةً لِيُضَحِّيَ بِهَا فَضَحَّى بِهَا ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَجُلٌ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّهُ إنْ أَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ مَذْبُوحَةً لَا تُجْزِي عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاةٍ أُخْرَى مَا دَامَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ، وَإِنْ مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ فَعَلَى الذَّابِحِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَةِ شَاةٍ وَسَطٍ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَةِ تِلْكَ الشَّاةِ الْمُشْتَرَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالِاسْتِحْقَاقِ تَبَيَّنَ أَنَّ شِرَاءَهُ إيَّاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْعَدَمَ بِمَنْزِلَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ ثُمَّ بَاعَهَا حَيْثُ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ شِرَاءَهُ إيَّاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ قَدْ صَحَّ لِوُجُودِ الْمِلْكِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ