كَذَا - يَخْرُجُ عَنْهُ بِالْكَفَّارَةِ، وَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ وَفَّى بِالنَّذْرِ، وَإِنْ شَاءَ كَفَّرَ وَأَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ ﵀ يُسَمُّونَ هَذَا يَمِينَ الْغَصْبِ.
وَرَوَى عَامِرٌ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَد عَنْ مُحَمَّدٍ ﵏: أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ يُجْزِئُ فِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: أَنَّهُ يُجْزِيهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ.
وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - رَجَعَ إلَى الْكَفَّارَةِ فِي آخِرِ عُمُرِهِ، فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ قَالَ: قَرَأْت عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ كِتَابَ الْأَيْمَانِ، فَلَمَّا انْتَهَيْت إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ: قِفْ فَإِنَّ مِنْ رَأْيِي أَنْ أَرْجِعَ إلَى الْكَفَّارَةِ، قَالَ: فَخَرَجْت حَاجًّا فَلَمَّا رَجَعْتُ وَجَدْتُ أَبَا حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - قَدْ مَاتَ، فَأَخْبَرَنِي الْوَلِيدُ بْنُ أَبَانَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ وَالْمَسْأَلَةُ مُخْتَلِفَةٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ: ﵃ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵃ أَنَّ عَلَيْهِ الْوَفَاءَ بِمَا سَمَّى، وَعَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ وَسَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ وَسَيِّدَتِنَا حَفْصَةَ ﵃ أَنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ بِقَوْلِهِ - جَلَّتْ عَظَمَتُهُ -: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] وَقَوْلِهِ - جَلَّ شَأْنُهُ -: ﴿ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ﴾ [المائدة: ٨٩] وَهَذَا يَمِينٌ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ - تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ - شَرْطٌ وَجَزَاءٌ، وَهَذَا كَذَلِكَ.
وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «النَّذْرُ يَمِينٌ وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ» ، وَهَذَا نَصٌّ، وَلِأَنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ -؛ لِأَنَّ الْمَقْصِدَ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - الِامْتِنَاعُ مِنْ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، أَوْ تَحْصِيلُهُ خَوْفًا مِنْ لُزُومِ الْحِنْثِ، وَهَذَا مَوْجُودٌ هَهُنَا؛ لِأَنَّهُ إنْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَدْ قَصَدَ الِامْتِنَاعَ مِنْ تَحْصِيلِ الشَّرْطِ، وَإِنْ قَالَ: إنْ لَمْ أَفْعَلْ كَذَا فَعَلَيَّ حَجَّةٌ، فَقَدْ قَصَدَ تَحْصِيلَ الشَّرْطِ، وَكُلُّ ذَلِكَ خَوْفًا مِنْ الْحِنْثِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ عِنْدَ الْحِنْثِ.
(وَلَنَا) قَوْلُهُ - جَلَّ شَأْنُهُ -: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ﴾ [التوبة: ٧٥] الْآيَةَ، وَغَيْرُهَا مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَالسُّنَّةِ الْمُقْتَضِيَةِ لِوُجُوبِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ عَامًّا مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُعَلَّقِ بِالشَّرْطِ، وَالْوَفَاءُ بِالنَّذْرِ هُوَ فِعْلُ مَا تَنَاوَلَهُ النَّذْرُ لَا الْكَفَّارَةُ؛ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ التَّصَرُّفِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَوْقَعَهُ الْمُتَصَرِّفُ تَنْجِيزًا كَانَ أَوْ تَعْلِيقًا بِشَرْطٍ؛ وَالْمُتَصَرِّف أَوْقَعَهُ نَذْرًا عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ إيجَابُ الطَّاعَةِ الْمَذْكُورَةِ لَا إيجَابُ الْكَفَّارَةِ، وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ ﵀ فِي ذَلِكَ وَقَالَ: الْقَوْلُ بِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ يُؤَدِّي إلَى وُجُوبِ الْقَلِيلِ بِإِيجَابِ الْكَثِيرِ، وَوُجُوبِ الْكَثِيرِ بِإِيجَابِ الْقَلِيلِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمُ سَنَةٍ، أَوْ إطْعَامُ أَلْفِ مِسْكِينٍ - لَزِمَهُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا فَعَلَيَّ صَوْمُ يَوْمٍ، أَوْ إطْعَامُ مِسْكَيْنِ - لَزِمَهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أَوْ صَوْمُ ثَلَاثَةٍ، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْيَمِينُ بِاَللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ -؛ لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - أَثْبَتَ بِالْيَمِينِ الْمَعْقُودَةِ مَا نَفَاهُ بِيَمِينِ اللَّغْوِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى جَلَّتْ كِبْرِيَاؤُهُ -: ﴿لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾ [المائدة: ٨٩] ، وَالْمُرَادُ مِنْ النَّفْيِ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - كَذَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّذْرِ الْمُبْهَمِ تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ، صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذَا فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - مَمْنُوعٌ بِأَنَّ النَّذْرَ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ صَرِيحٌ فِي الْإِيجَابِ عِنْدَ وُجُودِ الشَّرْطِ، وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - لَيْسَ بِصَحِيحٍ فِي الْإِيجَابِ، وَكَذَا الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى - تَجِبُ جَبْرًا لِهَتْكِ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ - عَزّ اسْمُهُ - الْحَاصِلِ بِالْحِنْثِ، وَلَيْسَ فِي الْحِنْثِ هَهُنَا هَتْكُ حُرْمَةِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِنَّمَا فِيهِ إيجَابُ الطَّاعَةِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعْنَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ - تَعَالَى -، ثُمَّ الْوَفَاءُ بِالْمَنْذُورِ بِهِ نَفْسِهِ حَقِيقَةً، إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الْإِمْكَانِ، فَأَمَّا عِنْدَ التَّعَذُّرِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا بِخَلَفِهِ؛ لِأَنَّ الْخَلَفَ يَقُومُ مَقَامَ الْأَصْلِ، كَأَنَّهُ هُوَ، كَالتُّرَابِ حَالَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَالْأَشْهُرُ حَالَ عَدَمِ الْإِقْرَاءِ، حَتَّى لَوْ نَذَرَ الشَّيْخُ الْفَانِي بِالصَّوْمِ، يَصِحُّ نَذْرُهُ، وَتَلْزَمُهُ الْفِدْيَةُ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْوَفَاءِ بِالصَّوْمِ حَقِيقَةً فَيَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ تَقْدِيرًا بِخَلَفِهِ، وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ صَامَ، وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ أَيْضًا النَّذْرُ بِذَبْحِ الْوَلَدِ، أَنَّهُ يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ - وَمُحَمَّدٍ ﵀ وَيَجِبُ ذَبْحُ الشَّاةِ؛ لِأَنَّهُ إنْ عَجَزَ عَنْ تَحْقِيقِ الْقُرْبَةِ بِذَبْحِ الْوَلَدِ حَقِيقَةً لَمْ يَعْجِزْ عَنْ تَحْقِيقِهَا بِذَبْحِهِ تَقْدِيرًا بِذَبْحِ خَلَفَهُ وَهُوَ الشَّاةُ، كَمَا فِي الشَّيْخِ الْفَانِي إذَا نَذَرَ بِالصَّوْمِ.
(وَأَمَّا) وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ عِنْدَ فَوَاتِ الْمَنْذُورِ بِهِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا، بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ، ثُمَّ أَفْطَرَ فَهَلْ هُوَ مِنْ حُكْمِ النَّذْرِ؟ فَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ: أَنَّ النَّاذِرَ لَا يَخْلُو إمَّا إنْ قَالَ ذَلِكَ وَنَوَى النَّذْرَ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْيَمِينُ أَوْ نَوَى النَّذْرَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ يَمِينًا، أَوْ لَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ شَيْءٌ لَا النَّذْرُ وَلَا الْيَمِينُ، أَوْ نَوَى الْيَمِينَ وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ النَّذْرُ، أَوْ نَوَى الْيَمِينَ وَنَوَى أَنْ لَا يَكُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute