للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِهَاشِمِيٍّ ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ هَاشِمِيٌّ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ.

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً لَهُ لِأَنَّ مَا شُرِعَ لَهُ الْكَفَّارَةُ وَهُوَ تَأَلُّمُ الطَّبْعِ وَنِفَارُهُ بِالْبَذْلِ وَالْإِخْرَاجِ لَا يُوجَدُ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِمَا يُوجَدُ الْبَذْلُ بَيْنَهُمَا شَهْوَةً وَطَبِيعَةً وَيَكُونُ التَّنَاكُحُ لِمِثْلِهِ فِي الْعُرْفِ وَالشَّرْعِ عَلَى مَا رُوِيَ «تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا» ، وَعَلَى مَا وُضِعَ النِّكَاحُ لِلْمَوَدَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِالْبَذْلِ وَدَفْعِ الشُّحِّ، وَلِهَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يَنْتَفِعُ بِمَالِ صَاحِبِهِ فَتَتَمَكَّنُ الْتَهَمَهُ فِي الشَّهَادَةِ.

وَمِنْهَا أَنْ لَا يَكُونَ حَرْبِيًّا وَإِنْ كَانَ مُسْتَأْمَنًا لِأَنَّ اللَّهَ - تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ - نَهَانَا عَنْ الْبِرِّ بِهِمْ وَالْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ﴾ [الممتحنة: ٩] وَلِأَنَّ فِي الدَّفْعِ إلَى الْحَرْبِيِّ إعَانَةً لَهُ عَلَى الْحِرَابِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : ﴿وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢] وَيَجُوزُ إعْطَاءُ فُقَرَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ الْكَفَّارَاتِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِ ذَلِكَ إلَّا الزَّكَاةَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا النُّذُورُ وَالتَّطَوُّعُ وَدَمُ الْمُتْعَةِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ هَذِهِ صَدَقَةٌ وَجَبَتْ بِإِيجَابِ اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - فَلَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْكَافِرِ كَالزَّكَاةِ بِخِلَافِ النَّذْرِ لِأَنَّهُ وَجَبَ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَالتَّطَوُّعُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ أَصْلًا، وَالتَّصَدُّقُ بِلَحْمِ الْمُتْعَةِ غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ مَعْنَى الْقُرْبَةِ فِي الْإِرَاقَةِ.

(وَلَهُمَا) عُمُومُ قَوْله تَعَالَى ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكَافِرِ إلَّا أَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ الْحَرْبِيَّ بِمَا تَلَوْنَا فَبَقِيَ الذِّمِّيُّ عَلَى عُمُومِ النَّصِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ إلَّا أَنَّ الزَّكَاةَ خُصَّتْ «بِقَوْلِ النَّبِيِّ لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ خُذْهَا مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» ، أَمَرَ بِرَدِّ الزَّكَاةِ إلَى مَنْ أَمَرَ بِالْأَخْذِ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ، وَالْمَأْخُوذُ مِنْهُ الْمُسْلِمُونَ فَكَذَا الْمَرْدُودُ عَلَيْهِمْ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ آخُذَ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِهِمْ» .

(وَوَجْهُ) الِاسْتِدْلَالِ مَا ذَكَرْنَا، وَلِأَنَّ الْكَفَّارَةَ وَجَبَتْ لِدَفْعِ الْمَسْكَنَةِ وَالْمَسْكَنَةُ مَوْجُودَةٌ فِي الْكَفَرَةِ فَيَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِمْ كَمَا يَجُوزُ صَرْفُهَا إلَى الْمُسْلِمِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ التَّصَدُّقَ عَلَيْهِمْ بَعْضُ مَا يُرَغِّبُهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ وَيَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْكَفَّارَاتِ وَجَبَتْ بِمَا اخْتَارَ مِنْ إعْطَاءِ النَّفْسِ شَهْوَتَهَا فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ فَتَكُونُ كَفَّارَتُهَا بِكَفِّ النَّفْسِ عَنْ شَهْوَتِهَا فِيمَا يَحِلُّ لَهُ وَبَذْلِ مَا كَانَ فِي طَبْعِهِ مَنْعُهُ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَحْصُلُ بِالصَّرْفِ إلَى الْكَافِرِ بِخِلَافِ الزَّكَاةِ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ بِحَقِّ التَّكْفِيرِ بَلْ بِحَقِّ الشُّكْرِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَجِبُ بِلَا كَسْبٍ مِنْ جِهَةِ الْعَبْدِ؟ وَحَقُّ الشُّكْرِ الْإِنْفَاقُ فِي طَاعَةِ الْمُنْعِمِ، وَالصَّرْفُ إلَى الْمُؤْمِنِ إنْفَاقٌ عَلَى مَنْ يَصْرِفُهُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ - جَلَّ شَأْنُهُ - فَيَخْرُجُ مَخْرَجَ الْمَعُونَةِ عَلَى الطَّاعَةِ فَيَحْصُلُ مَعْنَى الشُّكْرِ عَلَى الْكَمَالِ وَالْكَافِرُ لَا يَصْرِفُهُ إلَى طَاعَةِ اللَّهِ - عَزَّ شَأْنُهُ - فَلَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الشُّكْرِ عَلَى التَّمَامِ، فَأَمَّا الْكَفَّارَاتُ فَمَا عُرِفَ وُجُوبُهَا شُكْرًا بَلْ تَكْفِيرًا لِإِعْطَاءِ النَّفْسِ شَهْوَتَهَا بِإِخْرَاجِ مَا فِي شَهْوَتِهَا الْمَنْعُ وَهَذَا الْمَعْنَى فِي الصَّرْفِ إلَى الْكَافِرِ مَوْجُودٌ عَلَى الْكَمَالِ وَالتَّمَامِ لِذَلِكَ افْتَرَقَا.

وَهَلْ يُشْتَرَطُ عَدَدُ الْمَسَاكِينِ صُورَةً فِي الْإِطْعَامِ تَمْلِيكًا وَإِبَاحَةً؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: لَيْسَ بِشَرْطٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ : شَرْطٌ، حَتَّى لَوْ دَفَعَ طَعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ وَذَلِكَ خَمْسَةُ أَصْوُعٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ كُلُّ يَوْمٍ نِصْفُ صَاعٍ، أَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَجْزَأَ عِنْدَنَا.

وَعِنْدَهُ لَا يُجْزِيهِ إلَّا عَنْ وَاحِدٍ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ - جَلَّ شَأْنُهُ -: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩] نَصَّ عَلَى عَدَدِ الْعَشَرَةِ فَلَا يَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى مَا دُونَهُ كَسَائِرِ الْأَعْدَادِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ كَقَوْلِهِ - عَزَّ شَأْنُهُ -: ﴿فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ [النور: ٤] وَقَوْلِهِ - جَلَّ شَأْنُهُ -: ﴿يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا﴾ [البقرة: ٢٣٤] ، وَنَحْوِ ذَلِكَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ طَعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ دَفْعَةً وَاحِدَةً فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ.

(وَلَنَا) أَنَّ فِي النَّصِّ إطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، وَإِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ قَدْ يَكُونُ بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، وَقَدْ يَكُونُ بِأَنْ يَكْفِيَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ سَوَاءٌ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ أَوْ لَا، فَإِذَا أَطْعَمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا عَشَرَةَ أَيَّامٍ قَدْرَ مَا يَكْفِي عَشَرَةَ مَسَاكِينَ فَقَدْ وُجِدَ إطْعَامَ عَشْرَةِ مَسَاكِينَ فَخَرَجَ عَنْ الْعُهْدَةِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى إطْعَامِ مَسَاكِينَ إنْ كَانَ هُوَ بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، لَكِنَّ إطْعَامَ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ قَدْ يَكُونُ صُورَةً وَمَعْنًى بِأَنْ يُطْعِمَ عَشَرَةً مِنْ الْمَسَاكِينِ عَدَدًا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ، وَقَدْ يَكُونُ مَعْنًى لَا صُورَةً وَهُوَ أَنْ يُطْعِمَ مِسْكِينًا وَاحِدًا فِي عَشَرَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ لِدَفْعِ الْجَوْعَةِ وَسَدِّ الْمَسْكَنَةِ، وَلَهُ كُلَّ يَوْمٍ جَوْعَةٌ وَمَسْكَنَةٌ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ الْجُوعَ يَتَجَدَّدُ، وَالْمَسْكَنَةُ تَحْدُثُ فِي كُلِّ يَوْمٍ، وَدَفْعُ عَشْرِ جَوْعَاتٍ عَنْ مِسْكِينٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>