وَأَمَّا) الْمَعْقُولُ: فَهُوَ أَنَّ الْمِلْكَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ فِيهِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَالْعَارِضُ لَيْسَ إلَّا لَفْظُ الْكِتَابَةِ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُنَبِّئُ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ تُسْتَعْمَل فِي الْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ، وَفِي الْكِتَابَةِ الْمَعْرُوفَةِ وَشَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يُنَبِّئُ عَنْ زَوَالِ الْمِلْكِ فَيَبْقَى الْمِلْكُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ.
(وَأَمَّا) قَوْلُهُ: إنَّ الْمِلْكَ هُوَ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ عَلَى التَّصَرُّفَاتِ الْحِسِّيَّةِ وَالشَّرْعِيَّةِ، وَهِيَ غَيْرُ ثَابِتَةٍ لَلْمَوْلَى فَمَمْنُوعٌ أَنَّ الْمِلْكَ هُوَ الْقُدْرَةُ، بَلْ هُوَ اخْتِصَاصُ الْمَالِكِ بِالْمَمْلُوكِ فَمِلْكُ الْعَيْنِ هُوَ اخْتِصَاصُ الْمَالِكِ بِالْعَيْنِ، وَكَوْنُهُ أَحَقَّ بِالْعَيْنِ مِنْ غَيْرِهِ، ثُمَّ قَدْ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي جَوَازِ التَّصَرُّفَاتِ، وَقَدْ لَا يَظْهَرُ مَعَ قِيَامِهِ فِي نَفْسِهِ لِقِيَامِ حَقِّ الْغَيْرِ فِي الْمَحِلِّ حَقًّا مُحْتَرَمًا كَالْمَرْهُونِ وَالْمُسْتَأْجَرِ، وَإِنَّمَا لَا يَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ قَوْلِهِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَهُوَ حُرٌّ لَا لِخَلَلٍ فِي الْمِلْكِ؛ لِأَنَّهُ لَا خَلَلَ فِيهِ كَمَا بَيَّنَّا بَلْ لِخَلَلٍ فِي الْإِضَافَةِ؛ لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا، فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ مُطْلَقِ الْإِضَافَةِ حَتَّى لَوْ نَوَى يَدْخُلُ.
وَسَلَامَةُ الْأَوْلَادِ، وَالْإِكْسَابُ مَمْنُوعَةٌ فِي الْفَرْعِ، وَالرِّوَايَةُ فِيمَا أَدَّى بَدَلَ الْكِتَابَةِ، أَوْ أَبْرَأَهُ عَنْهَا، كَذَا قَالَ أُسْتَاذُ أُسْتَاذِي الشَّيْخُ الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَزْدَوِيُّ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا سَلَامَةَ الْإِكْسَابِ، وَالْأَوْلَادِ، وَلَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ: إنَّ السَّلَامَةَ تَثْبُتُ حُكْمًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ السَّابِقَةِ، بَلْ تَثْبُتُ حُكْمًا لِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِالْإِعْتَاقِ الْمَوْجُودِ فِي حَالِ الْكِتَابَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بَدَلُ الْكِتَابَةِ، وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ لَا يَسْقُطُ بِثُبُوتِ الْعِتْقِ بِجِهَةِ الْكِتَابَةِ بَلْ يَتَقَرَّرُ بِهِ (وَأَمَّا) إذَا كَانَ أَدَّى بَعْضَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَأَعْتَقَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَمَمْنُوعٌ عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ (وَأَمَّا) التَّخْرِيجُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَظَاهِرٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَدَّى بَعْضَ بَدَلِ الْكِتَابَةِ فَقَدْ حَصَلَ لِلْمَوْلَى عِوَضًا عَنْ بَعْضِ رَقَبَتِهِ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى الْإِعْتَاقِ بِعِوَضٍ، وَذَا لَا يُجْزِئُ عَنْ التَّكْفِيرِ، كَذَا هَذَا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدِهِ عَنْ كَفَّارَةٍ، ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ عَنْهَا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ (أَمَّا) عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ إعْتَاقُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ فَلَمْ يَتَطَرَّقْ إلَى الرِّقِّ نُقْصَانٌ (وَأَمَّا) عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ فَالْعِتْقُ وَإِنْ كَانَ مُتَجَزِّئًا وَحَصَلَ بِإِعْتَاقِ النِّصْفِ الْأَوَّلِ نُقْصَانٌ لَكِنْ النُّقْصَانُ حَصَلَ مَصْرُوفًا إلَى الْكَفَّارَةِ فِي رِقِّ النِّصْفِ الْآخَرِ لِاسْتِحْقَاقِهِ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ بِتَخْرِيجِهِ إلَى الْإِعْتَاقِ؛ لِأَنَّهُ حِينَ مَا أَعْتَقَ النِّصْفَ الْأَوَّلَ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ عَلَى مِلْكِهِ، فَأَمْكَنَ صَرْفُ النُّقْصَانِ إلَى الْكَفَّارَةِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ أَعْتَقَ النِّصْفَ وَبَعْضَ النِّصْفِ الْكَامِلِ وَهُوَ مَا اُنْتُقِصَ مِنْهُ، ثُمَّ أَعْتَقَ الْبَقِيَّةَ فِي الْمَرَّةِ الثَّانِيَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ نِصْفَ عَبْدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ وَهُوَ مُوسِرٌ، فَضَمَّنَهُ صَاحِبُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ، ثُمَّ أَعْتَقَ النِّصْفَ الْآخَرَ إنَّهُ لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ ﵁ لِأَنَّ إعْتَاقَ النِّصْفِ الْأَوَّلِ أَوْجَبَ نُقْصَانًا فِي النِّصْفِ الْبَاقِي، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ كَأَنَّهُ صَرَفَ ذَلِكَ النُّقْصَانَ إلَى الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي ذَلِكَ النِّصْفِ فَبَطَلَ قَدْرُ النُّقْصَانِ، وَلَمْ يَقَعْ عَنْ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ بَعْدَ أَدَاءِ النِّصْفِ الْبَاقِي صَرَفَهُ إلَى الْكَفَّارَةِ، وَهُوَ نَاقِصٌ فَيَصِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ مُعْتِقًا عَنْ الْكَفَّارَةِ عَبْدًا إلَّا قَدْرَ النُّقْصَانِ (وَأَمَّا) عَلَى أَصْلِهِمَا فَيَجُوزُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّ الْعِتْقَ عِنْدَهُمَا لَا يَتَجَزَّأُ فَكَانَ إعْتَاقُ الْبَعْضِ إعْتَاقَ الْكُلِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، فَلَا يَتَمَكَّنُ نُقْصَانُ الرِّقِّ فِي الرَّقَبَةِ فَيَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا حَلَالَ الدَّمِ جَازَ لِأَنَّ حِلَّ الدَّمِ لَا يُوجِبُ نُقْصَانًا فِي الرِّقِّ فَكَانَ كَامِلَ الرِّقِّ، وَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ فَأَشْبَهَ الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ.
(وَمِنْهَا) أَنْ تَكُونَ كَامِلَةَ الذَّاتِ، وَهُوَ أَنْ لَا يَكُونَ جِنْسٌ مِنْ أَجْنَاسِ مَنَافِعِ أَعْضَائِهَا فَائِتًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتْ الذَّاتُ هَالِكَةً مِنْ وَجْهٍ، فَلَا يَكُونُ الْمَوْجُودُ تَحْرِيرَ رَقَبَةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا يَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أُعْتِقَ عَبْدًا مَقْطُوعَ الْيَدَيْنِ أَوْ الرِّجْلَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَرِجْلٍ وَاحِدَةٍ مِنْ جَانِبٍ وَاحِدٍ، أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ مَفْلُوجًا أَوْ مُقْعَدًا، أَوْ زَمِنًا أَوْ أَشَلَّ الْيَدَيْنِ، أَوْ مَقْطُوعَ الْإِبْهَامَيْنِ مِنْ الْيَدَيْنِ أَوْ مَقْطُوعَ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ، أَوْ أَعْمَى أَوْ مَفْقُودَ الْعَيْنَيْنِ، أَوْ مَعْتُوهًا مَغْلُوبًا، أَوْ أَخْرَسَ، أَنْ لَا يَجُوزَ عَنْ الْكَفَّارَةِ لِفَوَاتِ جِنْسٍ مِنْ أَجْنَاسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْبَطْشِ بِقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَشَلَلِهِمَا، وَقَطْعِ الْإِبْهَامَيْنِ لِأَنَّ قَطْعَ الْإِبْهَامَيْنِ يَذْهَبُ بِقُوَّةِ الْيَدِ فَكَانَ كَقَطْعِ الْيَدَيْنِ وَقَطْعِ ثَلَاثَةِ أَصَابِعَ مِنْ كُلِّ يَدٍ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَطْشِ تَفُوتُ بِهِ، وَمَنْفَعَةَ الْمَشْي بِقَطْعِ الرِّجْلَيْنِ وَبِقَطْعِ يَدٍ وَرِجْلٍ مِنْ جَانِبٍ، وَالزَّمَانَةِ وَالْفَلِجِ وَمَنَعَهُ النَّظَرَ بِالْعَمَى وَفَقْءِ الْعَيْنَيْنِ، وَمَنْفَعَةَ الْكَلَامِ بِالْخَرَسِ وَمَنْفَعَةَ الْعَقْلِ بِالْجُنُونِ.
وَيَجُوزُ إعْتَاقُ الْأَعْوَرِ، وَمَفْقُودِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ، وَالْأَعْشَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute