للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَقْطُوعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ أَوْ رِجْلٍ وَاحِدَةٍ، وَمَقْطُوعِ يَدٍ وَرَجُلٍ مِنْ خِلَافٍ وَأَشَلَّ يَدٍ وَاحِدَةٍ وَمَقْطُوعِ الْأُصْبُعَيْنِ مِنْ كُلِّ يَدٍ سِوَى الْإِبْهَامَيْنِ، وَالْعَيْنَيْنِ، وَالْخَصِيِّ، وَالْمَجْبُوبِ وَالْخُنْثَى، وَالْأَمَةِ الرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ، وَمَا يَمْنَعُ مِنْ الْجِمَاعِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ فِي هَذِهِ الْأَعْضَاءِ قَائِمَةٌ، وَيَجُوزُ مَقْطُوعِ الْأُذُنَيْنِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ السَّمْعِ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا الْأُذُنُ الشَّاخِصَةُ لِلزِّينَةِ، وَكَذَا مَقْطُوعِ الْأَنْفِ؛ لِأَنَّ الْفَائِتَ هُوَ الْجَمَالُ، (وَأَمَّا) مَنْفَعَةُ الشَّمِّ فَقَائِمَةٌ، وَكَذَا ذَاهِبِ شَعْرِ الرَّأْسِ، وَاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ؛ لِأَنَّ الشَّعْرَ لِلزِّينَةِ، وَكَذَا مَقْطُوعِ الشَّفَتَيْنِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ قَائِمَةٌ، وَإِنَّمَا عُدِمَتْ الزِّينَةُ، وَلَا يُجْزِئُ سَاقِطُ الْأَسْنَانِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْأَكْلِ فَفَاتَتْ مَنْفَعَةُ الْجِنْسِ.

(وَأَمَّا) الْأَصَمُّ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ لِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَهِيَ مَنْفَعَةُ السَّمْعِ فَأَشْبَهَ الْأَعْمَى، وَيَجُوزُ اسْتِحْسَانًا، لِأَنَّ أَصْلَ الْمَنْفَعَةِ لَا يَفُوتُ بِالصَّمَمِ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ؛ لِأَنَّ مَا مِنْ أَصَمًّ إلَّا وَيَسْمَعُ إذَا بُولِغَ فِي الصِّيَاحِ إلَّا إذَا كَانَ أَخْرَسَ كَذَا قِيلَ، فَلَا يَفُوتُ بِالصَّمَمِ أَصْلُ الْمَنْفَعَةِ بَلْ يُنْتَقَصُ، وَنُقْصَانُ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ التَّكْفِيرِ، وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ فِي أُذُنِهِ وَقْرٌ، فَأَمَّا إذَا كَانَ بِحَالٍ لَوْ جُهِرَ بِالصَّوْتِ فِي أُذُنِهِ لَا يَسْمَعُ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ أَعْتَقَ جَنِينًا لَمْ يَجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَإِنْ كَانَ وُلِدَ بَعْدَ يَوْمِ جِنَايَتِهِ؛ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ، وَالْجَنِينُ لَا يُسَمَّى رَقَبَةً وَلِأَنَّهُ لَا يُبْصِرُ فَأَشْبَهَ الْأَعْمَى.

(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْإِعْتَاقُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فَإِنْ كَانَ بِعِوَضٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَكُونُ شَاقًّا عَلَى الْبَدَنِ، فَإِذَا قَابَلَهُ عِوَضٌ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ إنَّمَا تَجِبُ لِإِذَاقَةِ النَّفْسِ مَرَارَةَ زَوَالِ الْمِلْكِ بِمُقَابِلَةِ مَا اسْتَوْفَتْ مِنْ الشَّهَوَاتِ فِي غَيْرِ حِلِّهَا.

وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَحْصُلُ إذَا كَانَ بِعِوَضٍ؛ لِأَنَّ الزَّائِلَ إلَى عِوَضٍ قَائِمٌ مَعْنًى، فَلَا يَتَحَقَّقُ مَا وُضِعَتْ لَهُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ، وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَلَى مَالٍ عَنْ كَفَّارَتِهِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَبْرَأهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الْعِوَضِ، لَا يَجُوزُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ لَا عَنْ جِهَةِ التَّكْفِيرِ، وَمَضَى عَلَى وَجْهٍ، فَلَا يَنْقَلِبُ كَفَّارَةً بَعْدَ ذَلِكَ، كَمَا لَوْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ نِيَّةِ الْكَفَّارَةِ، ثُمَّ نَوَى بَعْدَ الْعِتْقِ وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ، أَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا - وَهُوَ مُعْسِرٌ - عَنْ كَفَّارَتِهِ لَا يُجْزِيهِ؛ لِأَنَّ لِلشَّرِيكِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْعَبْدَ فِي نَفْسِهِ بِالِاتِّفَاقِ، فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْإِعْتَاقِ بِعِوَضٍ، وَلَوْ كَانَ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ دَيْنٌ فَأَعْتَقَهُ الْمَوْلَى عَنْ كَفَّارَتِهِ، فَاخْتَارَ الْغُرَمَاءُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ، أَجْزَأَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بِعِوَضٍ عَنْ الرِّقِّ، وَإِنَّمَا هِيَ لِدَيْنٍ لَزِمَ الْعَبْدَ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ، فَيَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ فَلَا يَمْنَعُ جَوَازُ الْإِعْتَاقِ عَنْ الْكَفَّارَةِ، وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا رَهْنًا فَسَعَى الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى الْمَوْلَى، وَيَجُوزُ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّ السِّعَايَةَ لَيْسَتْ بَدَلَ الرِّقِّ؛ لِأَنَّهَا مَا وَجَبَتْ لِلتَّخْرِيجِ إلَى الْإِعْتَاقِ لِحُصُولِ الْعِتْقِ بِالْإِعْتَاقِ السَّابِقِ، وَإِنَّمَا هِيَ لِدَيْنٍ لَزِمَهُ عَنْ الْمَوْلَى، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا لَا يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِنُقْصَانِ الْمِلْكِ وَالرِّقِّ أَيْضًا عَلَى مَا بَيَّنَّا.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ إلَّا نِصْفُهُ عِنْدَهُ لِتَجْزِيَ الْعِتْقَ عِنْدَهُ؟ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا فَيَتَكَامَلُ، وَلَا يَتَكَامَلُ الْمِلْكُ، فَيَتَمَلَّكُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ بِمُقْتَضَى الْإِعْتَاقِ، وَيَسَارُ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ اسْتِسْعَاءَ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا فَعَرِيَ الْإِعْتَاقُ عَنْ الْعِوَضِ فَجَازَ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ لَمْ يَجْزِهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ؛ لِأَنَّهُ يُعْتِقُ ثُلُثَهُ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ، فَيَصِيرُ بَعْضُهُ بِبَدَلٍ وَبَعْضُهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ، فَلَمْ يَجُزْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) الْحِنْثُ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَجُوزُ تَكْفِيرُ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّوْمِ (وَأَمَّا) التَّكْفِيرُ بِالْمَالِ فَجَائِزٌ عِنْدَهُ وَالْمَسْأَلَةُ مَرَّتْ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ (وَأَمَّا) الْمَوْتُ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ فِي كَفَّارَةِ الْقَتْلِ حَتَّى يَجُوزَ التَّكْفِيرُ فِيهَا بَعْدَ الْجَرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَفَّارَتَيْنِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ وَيَسْتَوِي فِي التَّحْرِيرِ الرَّقَبَةُ الْكَبِيرَةُ وَالصَّغِيرَةُ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى لِإِطْلَاقِ اسْمِ الرَّقَبَةِ فِي النُّصُوصِ فَإِنْ قِيلَ: الصَّغِيرُ لَا مَنَافِعَ لِأَعْضَائِهِ، فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ كَالذِّمِّيِّ، وَكَذَا لَا يَجْزِي إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَكَذَا إعْتَاقُهُ، فَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ: أَنَّ أَعْضَاءَ الصَّغِيرِ سَلِيمَةٌ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَهِيَ بِغَرَضِ أَنْ تَصِيرَ قَوِيَّةً فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ، وَهَذَا لِأَنَّ سَلَامَةَ الْأَعْضَاءِ إذَا كَانَتْ ثَابِتَةً يَشُقُّ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ عَنْ مِلْكِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يَشُقُّ عَلَيْهِ إخْرَاجُ فَائِتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ، وَذَا جَائِزٌ فَهَذَا أَوْلَى (وَأَمَّا) إطْعَامُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ فَجَائِزٌ عَلَى طَرِيقِ التَّمْلِيكِ وَإِنَّمَا لَا يَجُوزُ عَلَى سَبِيلِ الْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَأْكُلُ أَكْلًا مُعْتَادًا وَيَسْتَوِي فِيهِ الرَّقَبَةُ الْمُؤْمِنَةُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>