للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَيَانِهَا: " أَنْ يُفَضِّلَ الشَّيْخَيْنِ، وَيُحِبَّ الْخَتَنَيْنِ، وَأَنْ يَرَى الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، وَأَنْ لَا يَحْرُمَ نَبِيذَ الْخَمْرِ " لِمَا أَنَّ فِي الْقَوْلِ بِتَحْرِيمِهِ تَفْسِيقَ كِبَارِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وَالْكَفُّ عَنْ تَفْسِيقِهِمْ، وَالْإِمْسَاكُ عَنْ الطَّعْنِ فِيهِمْ مِنْ شَرَائِطِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ.

(وَأَمَّا) مَا وَرَدَ مِنْ الْأَخْبَارِ فَفِيهَا طَعْنٌ، ثُمَّ بِهَا تَأْوِيلٌ، ثُمَّ قَوْلٌ بِمُوجَبِهَا (أَمَّا) الطَّعْنُ فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَدْ رَدَّهَا، وَقَالَ: " لَا تَصِحُّ عَنْ النَّبِيِّ " وَهُوَ مِنْ نَقَلَةِ الْأَحَادِيثِ، فَطَعْنُهُ يُوجِبُ جَرْحًا فِي الْحَدِيثَيْنِ (وَأَمَّا) التَّأْوِيلُ فَهُوَ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى الشُّرْبِ لِلتَّلَهِّي تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ (وَأَمَّا) الْقَوْلُ بِالْمُوجَبِ فَهُوَ أَنَّ الْمُسْكِرَ عِنْدَنَا حَرَامٌ، وَهُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ؛ لِأَنَّ الْمُسْكِرَ مَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِسْكَارُ، وَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْقَدَحِ الْأَخِيرِ، وَهُوَ حَرَامٌ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ، وَهَذَا قَوْلٌ بِمُوجَبِ الْأَحَادِيثِ إنْ ثَبَتَتْ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى.

(وَأَمَّا) قَوْلُهُمْ: إنَّ هَذِهِ الْأَشْرِبَةَ خَمْرٌ لِوُجُودِ مَعْنَى الْخَمْرِ فِيهَا، وَهُوَ صِفَةُ مُخَامَرَةِ الْعَقْلِ قُلْنَا: اسْمُ الْخَمْرِ لِلنِّيءِ مِنْ مَاءِ الْعِنَبِ إذَا صَارَ مُسْكِرًا حَقِيقَةٌ، وَلِسَائِرِ الْأَشْرِبَةِ مَجَازٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِسْكَارِ وَالْمُخَامَرَةِ فِيهِ كَامِلٌ، وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ نَاقِصٌ فَكَانَ حَقِيقَةً لَهُ مَجَازًا لِغَيْرِهِ، وَهَذَا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَقِيقَةً لِغَيْرِهِ لَكَانَ الْأَمْرُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا مُشْتَرَكًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا عَامًّا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الِاشْتِرَاكِ اخْتِلَافُ الْمَعْنَى، فَالِاسْمُ الْمُشْتَرَكُ مَا يَقَعُ عَلَى مُسَمَّيَاتٍ مُخْتَلِفَةِ الْحُدُودِ وَالْحَقَائِقِ، كَاسْمِ الْعَيْنِ وَنَحْوِهَا، وَهَهُنَا مَا اخْتَلَفَ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعُمُومِ: أَنْ تَكُونَ أَفْرَادُ الْعُمُومِ مُتَسَاوِيَةً فِي قَبُولِ الْمَعْنَى الَّذِي وُضِعَ لَهُ اللَّفْظُ لَا مُتَفَاوِتَةً، وَلَمْ يُوجَدْ التَّسَاوِي هَهُنَا، وَإِذَا لَمْ يَكُنْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ تَعَيَّنَ أَنَّهُ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ فَلَا يَتَنَاوَلُهَا مُطْلَقُ اسْمِ الْخَمْرِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْجُمْهُورِيُّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُثَلَّثِ؛ لِأَنَّهُ مُثَلَّثٌ يَرِقُّ بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ ثُمَّ يُطْبَخُ أَدْنَى طَبْخَةٍ لِئَلَّا يَفْسُدَ.

(وَأَمَّا) الْخَلِيطَانِ فَحُكْمُهُمَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ مَا هُوَ حُكْمُهُمَا عِنْدَ الِانْفِرَادِ مِنْ النِّيءِ عَنْهُمَا وَالْمَطْبُوخِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ نَهَى عَنْ شُرْبِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ جَمِيعًا وَالزَّهْوِ وَالرُّطَبِ جَمِيعًا، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النِّيءِ وَالسُّكْرِ مِنْهُ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ وَرُوِيَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ نَبِيذِ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ جَمِيعًا وَلَوْ طُبِخَ أَحَدُهُمَا، ثُمَّ صُبَّ قَدَحٌ مِنْ النِّيءِ فِيهِ أَفْسَدَهُ، سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ؛ لِأَنَّهُ اجْتَمَعَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ فَيَغْلِبُ الْحَرَامُ الْحَلَالَ وَلَوْ خُلِطَ الْعَصِيرُ بِالْمَاءِ فَإِنْ تُرِكَ حَتَّى اشْتَدَّ، لَا شَكَّ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ، وَإِنْ طُبِخَ حَتَّى ذَهَبَ ثُلُثَاهُ فَفِيهِ نَظَرٌ: إنْ كَانَ الْمَاءُ هُوَ الَّذِي يَذْهَبُ أَوَّلًا بِالطَّبْخِ يُطْبَخُ حَتَّى يَذْهَبَ قَدْرُ الْمَاءِ، ثُمَّ يُطْبَخُ الْعَصِيرُ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَاهُ فَيَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ الْمَاءُ وَالْعَصِيرُ يَذْهَبَانِ مَعًا بِالطَّبْخِ حَتَّى يَذْهَبَ ثُلُثَا الْجُمْلَةِ فَلَا يَحِلُّ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الْمِزْرُ وَالْجِعَةُ وَالْبِتْعُ وَمَا يُتَّخَذُ مِنْ السُّكَّرِ وَالتِّينِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَحِلُّ شُرْبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا، مَطْبُوخًا كَانَ أَوْ نِيئًا، وَلَا يُحَدُّ شَارِبُهُ وَإِنْ سَكِرَ.

وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَرَامٌ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ، وَهُوَ أَنَّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ كَالْمُثَلَّثِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : مَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ يَبْقَى بَعْدَمَا يَبْلُغُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَلَا يَفْسُدُ فَإِنِّي أَكْرَهُهُ، وَكَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ، ثُمَّ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ ذَلِكَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلِ أَنَّ بَقَاءَهُ وَعَدَمَ فَسَادِهِ بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ دَلِيلُ شِدَّتِهِ، وَشِدَّتَهُ دَلِيلُ حُرْمَتِهِ، (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْحُرْمَةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالْخَمْرِيَّةِ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِشِدَّةٍ، وَالشِّدَّةُ لَا تُوجَدُ فِي هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ فَلَا تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى انْعِدَامِ الْخَمْرِيَّةِ أَيْضًا مَا رَوَيْنَا عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ» ذَكَرَ الْخَمْرَ فَاللَّامُ الْجِنْسِ فَاقْتَضَى اقْتِصَارَ الْخَمْرِيَّةِ عَلَى مَا يُتَّخَذُ مِنْ الشَّجَرَتَيْنِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ وَإِنْ سَكِرَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ سُكْرٌ حَصَلَ بِتَنَاوُلِ شَيْءٍ مُبَاحٍ، وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ كَالسُّكْرِ الْحَاصِلِ مِنْ تَنَاوُلِ الْبَنْجِ وَالْخُبْزِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَكِرَ بِشُرْبِ الْمُثَلَّثِ أَنَّهُ يَجِبُ الْحَدُّ؛ لِأَنَّ السُّكْرَ هُنَاكَ حَصَلَ بِتَنَاوُلِ الْمَحْظُورِ وَهُوَ الْقَدَحُ الْأَخِيرُ.

(وَأَمَّا) ظُرُوفُ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ فَيُبَاحُ الشُّرْبُ مِنْهَا إذَا غُسِلَتْ إلَّا الْخَزَفَ الْجَدِيدَ الَّذِي يُتَشَرَّبُ فِيهَا عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي عُرِفَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ «إنِّي كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الشُّرْبِ فِي الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ، أَلَا فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ ظَرْفٍ» فَإِنَّ الظُّرُوفَ لَا تُحِلُّ شَيْئًا وَلَا تُحَرِّمُهُ

(وَأَمَّا) بَيَانُ حَدِّ السُّكْرِ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الْحَدِّ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي حَدِّهِ، قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>