للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَهُوَ الرَّحِمُ الْمَحْرَمُ لِلنِّكَاحِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ وَهُنَّ الْمَحَارِمُ مِنْ جِهَةِ الرَّضَاعِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ مَمْلُوكَاتُ الْأَغْيَارِ وَنَوْعُ مِنْهُنَّ مَنْ لَا رَحِمَ لَهُنَّ أَصْلًا وَلَا مَحْرَمَ وَهُنَّ الْأَجْنَبِيَّاتُ الْحَرَائِرُ وَنَوْعٌ مِنْهُنَّ ذَوَاتُ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ وَهُوَ الرَّحِمُ الَّذِي لَا يُحَرِّمُ النِّكَاحَ كَبِنْتِ الْعَمِّ وَالْعَمَّةِ وَالْخَالِ وَالْخَالَةِ (أَمَّا) النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَهُنَّ الْمَنْكُوحَاتُ فَيَحِلُّ لِلزَّوْجِ النَّظَرُ إلَى زَوْجَتِهِ وَمَسُّهَا مِنْ رَأْسِهَا إلَى قَدَمِهَا لِأَنَّهُ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ﴾ [المؤمنون: ٥] ﴿إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ﴾ [المؤمنون: ٦] وَأَنَّهُ فَوْقَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ فَكَانَ إحْلَالًا لَهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى إلَّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ لِقَوْلِهِ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ [البقرة: ٢٢٢] فَصَارَتْ حَالَةُ الْحَيْضِ مَخْصُوصَةً عَنْ عُمُومِ النَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَا.

وَهَلْ يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ لَا يَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجْتَنِبُ شِعَارَ الدَّمِ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِمَا بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ فَيَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا فَوْقَ سُرَّتِهَا وَلَا يُبَاحُ بِمَا تَحْتَهَا إلَى الرُّكْبَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ مِنْهُ مَعَ الْإِزَارِ فَيَحِلُّ الِاسْتِمْتَاعُ بِمَا تَحْتَ سُرَّتِهَا سِوَى الْفَرْجِ لَكِنْ مَعَ الْمِئْزَرِ لَا مَكْشُوفًا وَيُمْكِنُ الْعَمَلُ بِعُمُومِ قَوْلِهِمَا بِمَا فَوْقَ الْإِزَارِ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَمَا تَحْتَهَا سِوَى الْفَرْجِ مَعَ الْمِئْزَرِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ فَوْقَ الْإِزَارِ فَيَكُونُ عَمَلًا بِعُمُومِ اللَّفْظِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ ظَاهِرُ قَوْلِهِ ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى﴾ [البقرة: ٢٢٢] جَعَلَ الْحَيْضَ أَذًى فَتَخْتَصُّ الْحُرْمَةُ بِمَوْضِعِ الْأَذَى وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ سَيِّدَتَنَا عَائِشَةَ سُئِلَتْ عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ فَقَالَتْ يَتَّقِي شِعَارَ الدَّمِ وَلَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ (وَوَجْهُ) قَوْلِهِمَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «لَنَا مَا تَحْتَ السُّرَّةِ وَلَهُ مَا فَوْقَهَا» وَرُوِيَ «أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ كُنَّ إذَا حِضْنَ أَمَرَهُنَّ أَنْ يَتَّزِرْنَ ثُمَّ يُضَاجِعُهُنَّ» وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا بِمَا يَقْرُبُ مِنْ الْفَرْجِ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «أَلَا إنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ فَمَنْ حَامَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَفِي رِوَايَةٍ «مَنْ رَتَعَ حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ» وَالْمُسْتَمْتِعُ بِالْفَخِذِ يَحُومُ حَوْلَ الْحِمَى وَيَرْتَعُ حَوْلَهُ فَيُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ دَلَّ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ.

وَسَبَبُ الْحَرَامِ حَرَامٌ أَصْلُهُ الْخَلْوَةُ بِالْأَجْنَبِيَّةِ (وَأَمَّا) الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا حَوْلَ الْفَرْجِ لَا يَخْلُو عَنْ الْأَذَى عَادَةً فَكَانَ الِاسْتِمْتَاعُ بِهِ اسْتِعْمَالَ الْأَذَى وَقَوْلُ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ لَهُ مَا سِوَى ذَلِكَ أَيْ مَعَ الْإِزَارِ فَحُمِلَ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ صِيَانَةً لَهَا عَنْ التَّنَاقُضِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ إلَى زَوْجِهَا وَاللَّمْسِ مِنْ فَرْقِهِ إلَى قَدَمِهِ لِأَنَّهُ حَلَّ لَهَا مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ التَّمْكِينُ مِنْ الْوَطْءِ فَهَذَا أَوْلَى وَيَحِلُّ النَّظَرُ إلَى عَيْنِ فَرْجِ الْمَرْأَةِ الْمَنْكُوحَةِ لِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِهِ حَلَالٌ فَالنَّظَرُ إلَيْهِ أَوْلَى إلَّا أَنَّ الْأَدَبَ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ وَمَا نَظَرْت إلَى مَا مِنْهُ وَلَا نَظَرَ إلَى مَا مِنِّي وَلَا يَحِلُّ إتْيَانُ الزَّوْجَةِ فِي دُبُرهَا لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى عَزَّ شَأْنُهُ نَهَى عَنْ قُرْبَانِ الْحَائِضِ وَنَبَّهَ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ كَوْنُ الْمَحِيضِ أَذًى وَالْأَذَى فِي ذَلِكَ الْمَحَلِّ أَفْحَشُ وَأَذَمُّ فَكَانَ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِيٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَنْ أَتَى حَائِضًا أَوْ امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا أَوْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ فِيمَا يَقُولُ فَهُوَ كَافِرٌ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ » «نَهَى عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي مَحَاشِّهِنَّ» أَيْ أَدْبَارِهِنَّ.

وَعَلَى ذَلِكَ جَاءَتْ الْآثَارُ مِنْ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - أَنَّهَا سُمِّيَتْ اللُّوطِيَّةَ الصُّغْرَى وَلِأَنَّ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ فِي الدُّنْيَا لَا يَثْبُتُ لِحَقِّ قَضَاءِ الشَّهَوَاتِ خَاصَّةً لِأَنَّ لِقَضَاءِ الشَّهَوَاتِ خَاصَّةً دَارًا أُخْرَى وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِحَقِّ قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَهِيَ حَاجَةُ بَقَاءِ النَّسْلِ إلَى انْقِضَاءِ الدُّنْيَا إلَّا أَنَّهُ رُكِّبَتْ الشَّهَوَاتُ فِي الْبَشَرِ لِلْبَعْثِ عَلَى قَضَاءِ الْحَاجَاتِ وَحَاجَةُ النَّسْلِ لَا تَحْتَمِلُ الْوُقُوعَ فِي الْأَدْبَارِ فَلَوْ ثَبَتَ الْحِلُّ لَثَبَتَ لِحَقِّ قَضَاءِ الشَّهْوَةِ خَاصَّةً وَالدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَهُ.

(وَأَمَّا) النَّوْعُ الثَّانِي وَهُنَّ الْمَمْلُوكَاتُ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْمَنْكُوحَاتِ فَيَحِلُّ لِلْمَوْلَى النَّظَرُ إلَى سَائِرِ بَدَنِ جَارِيَتِهِ وَمَسُّهَا مِنْ رَأْسِهَا إلَى قَدَمِهَا لِأَنَّهُ حِلٌّ لَهُ مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٣] الْآيَةَ إلَّا أَنَّ حَالَةَ الْحَيْضِ صَارَتْ

<<  <  ج: ص:  >  >>