للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

مَخْصُوصَةً فَلَا يَقْرَبُهَا فِي حَالَةِ الْحَيْضِ وَلَا يَأْتِي فِي دُبُرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلَائِلِ وَفِي الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ عَلَى الِاخْتِلَافِ وَكَذَا إذَا مَلَكهَا بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْمِلْكِ لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْرَبَهَا قَبْلَ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ «قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَلِأَنَّ فِيهِ خَوْفَ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِيَنَّ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» وَكَذَا فِيهِ وَهُمْ ظُهُورُ الْحَبَلِ بِهَا فَيَدَّعِيه وَيَسْتَحِقُّهَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ يَسْتَمْتِعُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ.

(وَأَمَّا) الدَّوَاعِي مِنْ الْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ فَلَا يَحِلُّ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ إلَّا فِي الْمَسْبِيَّةِ وَقَالَ مَكْحُولٌ يَحِلُّ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَصْلِ مُطْلِقٌ التَّصَرُّفَ وَلِهَذَا لَمْ تَحْرُمْ الدَّوَاعِي فِي الْمَسْبِيَّةِ وَلَا عَلَى الصَّائِمِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْرُمَ الْقُرْبَانُ أَيْضًا إلَّا أَنَّ الْحُرْمَةَ عَرَفْنَاهَا بِالنَّصِّ فَتَقْتَصِرُ الْحُرْمَةُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ عَلَى أَنَّ النَّصَّ إنْ كَانَ مَعْلُولًا بِخَوْفِ اخْتِلَاطِ الْمِيَاهِ فَهَذَا مَعْنَى لَا يَحْتَمِلُ التَّعْدِيَةَ إلَى الدَّوَاعِي فَلَا يَتَعَدَّى إلَيْهَا.

(وَجْهُ) قَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ حُرْمَةَ الْقُرْبَانِ إنَّمَا تَثْبُتُ خَوْفًا عَنْ تَوَهُّمِ الْعُلُوقِ وَظُهُورِ الْحَبَلِ وَعِنْدَ الدَّعْوَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ يَظْهَرُ أَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ صَادَفَ مِلْكَ الْغَيْرِ وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ فِي الدَّوَاعِي مِنْ الْمُسْتَبْرَأَةِ وَنَحْوِهَا فَيَتَعَدَّى إلَيْهَا وَلَا يَتَعَدَّى فِي الْمَسْبِيَّةِ فَيَقْتَصِرُ الْحُكْمُ فِيهَا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَلِأَنَّ الِاسْتِمْتَاعَ بِالدَّوَاعِي وَسِيلَةٌ إلَى الْقُرْبَانِ وَالْوَسِيلَةُ إلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ أَصْلُهُ الْخَلْوَةُ وَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّ الْخَلْوَةَ فِي التَّوَسُّلِ إلَى الْحَرَامِ دُونَ الْمَسِّ فَكَانَ تَحْرِيمُهَا تَحْرِيمًا لِلْمَسِّ بِطَرِيقِ الْأُولَى كَمَا فِي تَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مِنْ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَمَنْ اعْتَمَدَ عَلَى هَذِهِ النُّكْتَةِ مَنَعَ فَضْلَ الْمَسْبِيَّةِ وَزَعَمَ أَنْ لَا نَصَّ فِيهَا عَنْ أَصْحَابِنَا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ حِلَّ الدَّوَاعِي مِنْ الْمَسْبِيَّةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ فَلَا يَسْتَقِيمُ الْمَنْعُ فَكَانَ الصَّحِيحُ هُوَ الْعِلَّةَ الْأُولَى وَحُرْمَةُ الدَّوَاعِي فِي بَابِ الظِّهَارِ وَالْإِحْرَامُ ثَبَتَ لِمَعْنًى آخَرَ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَالظِّهَارِ.

(وَأَمَّا) النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ ذَاتُ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَيَحِلُّ لِلرَّجُلِ النَّظَرُ مِنْ ذَوَاتِ مَحَارِمِهِ إلَى رَأْسِهَا وَشَعْرِهَا وَأُذُنَيْهَا وَصَدْرِهَا وَعَضُدِهَا وَثَدْيِهَا وَسَاقِهَا وَقَدَمِهَا لِقَوْلِهِ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] الْآيَةَ نَهَاهُنَّ عَنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ مُطْلَقًا وَاسْتَثْنَى سُبْحَانَهُ إبْدَاءَهَا لِلْمَذْكُورِينَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْهُمْ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ فِي الظَّاهِرِ وَالزِّينَةُ نَوْعَانِ ظَاهِرَةٌ وَهُوَ الْكُحْلُ فِي الْعَيْنِ وَالْخَاتَمُ فِي الْأُصْبُعِ وَالْفَتْخَةُ لِلرَّجُلِ وَبَاطِنَةٌ وَهُوَ الْعِصَابَةُ لِلرَّأْسِ وَالْعِقَاصُ لِلشَّعْرِ وَالْقُرْطُ لِلْأُذُنِ وَالْحَمَائِلُ لِلصَّدْرِ وَالدُّمْلُوجُ لِلْعَضُدِ وَالْخَلْخَالُ لِلسَّاقِ وَالْمُرَادُ مِنْ الزِّينَةِ مَوَاضِعُهَا لَا نَفْسُهَا لِأَنَّ إبْدَاءَ نَفْسِ الزِّينَةِ لَيْسَ بِمَنْهِيٍّ.

وَقَدْ ذَكَرَ الزِّينَةَ مُطْلَقَةً فَيَتَنَاوَلُ النَّوْعَيْنِ جَمِيعًا فَيَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهَا بِظَاهِرِ النَّصِّ وَلِأَنَّ الْمُخَالَطَةَ بَيْنَ الْمَحَارِمِ لِلزِّيَارَةِ وَغَيْرِهَا ثَابِتَةٌ عَادَةً فَلَا يُمْكِنُ صِيَانَةُ مَوَاضِعِ الزِّينَةِ عَنْ الْكَشْفِ إلَّا بِحَرَجٍ وَأَنَّهُ مَدْفُوعٌ شَرْعًا وَكُلُّ مَا جَازَ النَّظَرُ إلَيْهِ مِنْهُنَّ مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ جَازَ مَسُّهُ لِأَنَّ الْمَحْرَمَ يَحْتَاجُ إلَى إرْكَابِهَا وَإِنْزَالِهَا فِي الْمُسَافَرَةِ مَعَهَا وَتَتَعَذَّرُ صِيَانَةُ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَنْ الِانْكِشَافِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمَحْرَمِ الصِّيَانَةُ عَنْ مَسَّ الْمَكْشُوفِ وَلِأَنَّ حُرْمَةَ النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَمَسِّهَا مِنْ الْأَجْنَبِيَّاتِ إنَّمَا ثَبَتَ خَوْفًا عَنْ حُصُولِ الشَّهْوَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى الْجِمَاعِ وَالنَّظَرُ إلَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ وَمَسُّهَا فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَا يُورِثُ الشَّهْوَةَ لِأَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ لِلشَّهْوَةِ عَادَةً بَلْ لِلشَّفَقَةِ وَلِهَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ بِتَقْبِيلِ أُمَّهَاتِهِمْ وَبَنَاتِهِمْ.

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ إذَا قَدِمَ مِنْ الْغَزْوِ قَبَّلَ رَأْسَ السَّيِّدَةِ فَاطِمَةَ » وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ النَّظَرُ وَالْمَسُّ عَنْ شَهْوَةٍ وَلَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَا يَشْتَهِي فَأَمَّا إذَا كَانَ يَشْتَهِي أَوْ كَانَ غَالِبُ ظَنِّهِ وَأَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ أَوْ مَسَّ اشْتَهَى لَمْ يَجُزْ لَهُ النَّظَرُ وَالْمَسُّ لِأَنَّهُ يَكُونُ سَبَبًا لِلْوُقُوعِ فِي الْحَرَام فَيَكُونُ حَرَامًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَافِرَ بِهَا إذَا أَمِنَ الشَّهْوَةَ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ ثَلَاثًا فَمَا فَوْقَهَا إلَّا وَمَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا» وَلِأَنَّ الَّذِي يَحْتَاجُ الْمَحْرَمُ إلَيْهِ فِي السَّفَرِ مَسَّهَا فِي الْحَمْلِ وَالْإِنْزَالِ وَيَحِلُّ لَهُ مَسُّهَا فَتَحِلُّ الْمُسَافَرَةُ مَعَهَا وَكَذَا لَا بَأْسَ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَمَّا حَلَّ الْمَسُّ فَالْخَلْوَةُ أَوْلَى فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَفْعَلْ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>