أَنَّهُ قَالَ «لَا يَخْلُوَنَّ الرَّجُلُ بِمُغَيَّبَةٍ وَإِنَّ قِيلَ حَمُوهَا أَلَا حَمُوهَا الْمَوْتُ» وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْخَوْفِ أَوْ يَكُونُ نَهْيَ نَدْبٍ وَتَنْزِيهٍ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ وَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى بَطْنِهَا وَظَهْرِهَا وَإِلَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ مِنْهَا وَمَسُّهَا لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﵎ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] الْآيَةَ إلَّا أَنَّهُ ﷾ رَخَّصَ النَّظَرَ لِلْمَحَارِمِ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ بِقَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] الْآيَةَ فَبَقِيَ غَضُّ الْبَصَرِ عَمَّا وَرَاءَهَا مَأْمُورًا بِهِ.
وَإِذَا لَمْ يَحِلَّ النَّظَرُ فَالْمَسُّ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى وَلِأَنَّ رُخْصَةَ النَّظَرِ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ لِلْحَاجَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا حَاجَةَ إلَى النَّظَرِ إلَى مَا وَرَاءَهَا فَكَانَ النَّظَرُ إلَيْهَا بِحَقِّ الشَّهْوَةِ وَأَنَّهُ حَرَامٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ ﵎ جَعَلَ الظِّهَارَ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا وَالظِّهَارُ لَيْسَ إلَّا تَشْبِيهُ الْمَنْكُوحَةِ بِظَهْرِ الْأُمِّ فِي حَقِّ الْحُرْمَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ظَهْرُ الْأُمِّ حَرَامُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ لَمْ يَكُنْ الظِّهَارُ مُنْكَرًا مِنْ الْقَوْلِ وَزُورًا فَيُؤَدِّي إلَى الْخُلْفِ فِي خَبَرِ مِنْ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْخُلْفُ هَذَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ مَكْشُوفَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالثِّيَابِ وَاحْتَاجَ ذُو الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ إلَى إرْكَابِهَا وَإِنْزَالِهَا فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَأْخُذَ بَطْنَهَا أَوْ ظَهْرَهَا أَوْ فَخِذَهَا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ إذَا كَانَ يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَسَّ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ لَا يُورِثُ الشَّهْوَةَ عَادَةً خُصُوصًا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ حَتَّى لَوْ خَافَ الشَّهْوَةَ فِي الْمَسِّ لَا يَمَسُّهُ وَلِيَجْتَنِبْ مَا اسْتَطَاعَ وَكُلُّ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِنْهُ مِنْ النَّظَرِ وَالْمَسُّ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ ذَلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ يَحْرُمُ عَلَيْهَا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) النَّوْعُ الرَّابِعُ وَهُوَ ذَوَاتُ الْمَحْرَمِ بِلَا رَحِمٍ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُ النَّبِيِّ ﵊ «يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ» وَرُوِيَ أَنَّ أَفْلَحَ بْنَ أَبِي الْقُعَيْسِ ﵀ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ ﵂ فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ ﵊ «لِيَلِجْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّك أَرْضَعَتْك امْرَأَةُ أَخِيهِ» .
(وَأَمَّا) النَّوْعُ الْخَامِسُ وَهُوَ مَمْلُوكَاتُ الْأَغْيَارِ فَحُكْمُهُنَّ أَيْضًا فِي حِلِّ النَّظَرِ وَالْمَسِّ وَحَرَّمَتْهُمَا حُكْمُ ذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ فَيَحِلُّ النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ مِنْهُنَّ وَمَسُّهَا وَلَا يَحِلُّ مَا سِوَى ذَلِكَ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ مَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَسَّ نَاصِيَةَ أَمَةٍ وَدَعَا لَهَا بِالْبَرَكَةِ» وَرُوِيَ أَنَّ سَيِّدَنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - رَأَى أَمَةً مُتَقَنِّعَةً فَعَلَاهَا بِالدُّرَّةِ وَقَالَ أَلْقِي عَنْك الْخِمَارَ يَا دَفَارُ أَتَتَشَبَّهِينَ بِالْحَرَائِرِ فَدَلَّ عَلَى حِلِّ النَّظَرِ إلَى رَأْسِهَا وَشَعْرِهَا وَأُذُنِهَا وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ مَرَّ بِجَارِيَةٍ تُعْرَضُ عَلَى الْبَيْعِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِهَا وَقَالَ اشْتَرُوا وَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَمْ يُتَوَهَّمْ مِنْهُ ﵁ أَنْ يَمَسَّهَا وَلِأَنَّ بِالنَّاسِ حَاجَةً إلَى النَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ وَمَسِّهَا عِنْدَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ لِمَعْرِفَةِ بَشَرَتِهَا مِنْ اللِّينِ وَالْخُشُونَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِاخْتِلَافِ قِيمَتِهَا بِاخْتِلَافِ أَطْرَافِهَا فَأُلْحِقَتْ بِذَوَاتِ الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْ النَّاسِ وَلِهَذَا يَحِلُّ بِهِنَّ الْمُسَافَرَةُ بِلَا مَحْرَمٍ وَلَا حَاجَةَ إلَى الْمَسِّ وَالنَّظَرِ إلَى غَيْرِهَا لِأَنَّهَا تَصِيرُ مَعْلُومَةً بِالنَّظَرِ إلَى الْأَطْرَافِ وَمَسِّهَا وَهَذَا إذَا أَمِنَ عَلَى نَفْسِهِ الشَّهْوَةَ فَإِنْ لَمْ يَأْمَنْ وَخَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَشْتَهِيَ لَوْ نَظَرَ أَوْ مَسَّ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا وَإِنْ اشْتَهَى إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ النَّظَرِ لِمَا قُلْنَا فَيَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فَصَارَ النَّظَرُ مِنْ الْمُشْتَرِي بِمَنْزِلَةِ النَّظَرِ مِنْ الْحَاكِمِ وَالشَّاهِدِ وَالْمُتَزَوِّجِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ وَإِنْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ فَكَذَا هَذَا وَكَذَا لَا بَأْسَ لَهُ أَنْ يَمَسَّ.
وَإِنْ اشْتَهَى إذَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ يُكْرَهُ لِلشَّابِّ مَسُّ شَيْءٍ مِنْ الْأَمَةِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَحْتَاجُ إلَى الْعِلْمِ بِبَشَرَتِهَا وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ إلَّا بِاللَّمْسِ فَرُخِّصَ لِلضَّرُورَةِ وَكَذَا يَحِلُّ لِلْأَمَةِ النَّظَرُ وَالْمَسُّ مِنْ الرِّجْلِ الْأَجْنَبِيِّ مَا فَوْقَ السُّرَّةِ وَدُونَ الرُّكْبَةِ إلَّا أَنْ تَخَافَ الشَّهْوَةَ فَتَجْتَنِبُ كَالرَّجُلِ وَكُلُّ جَوَابِ عَرَفْته فِي الْقِنَّةِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْمُدَبَّرَةِ وَأُمِّ الْوَلَدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِمَا.
(وَأَمَّا) النَّوْعُ السَّادِسُ وَهُوَ الْأَجْنَبِيَّاتُ الْحَرَائِرُ فَلَا يَحِلُّ النَّظَرُ لِلْأَجْنَبِيِّ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ الْحُرَّةِ إلَى سَائِرِ بَدَنِهَا إلَّا الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] إلَّا أَنَّ النَّظَرَ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَهِيَ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ رُخِّصَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] وَالْمُرَادُ مِنْ الزِّينَةِ مَوَاضِعُهَا وَمَوَاضِعُ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ فَالْكُحْلُ زِينَةُ الْوَجْهِ وَالْخَاتَمُ زِينَةُ الْكَفِّ وَلِأَنَّهَا تَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَلَا يُمْكِنُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute