للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ذَلِكَ عَادَةً إلَّا بِكَشْفِ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ فَيَحِلُّ لَهَا الْكَشْفُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى الْقَدَمَيْنِ أَيْضًا.

(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - فِي قَوْلِهِ ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] الْقَلْبُ وَالْفَتْخَةُ وَهِيَ خَاتَمُ أُصْبُعِ الرَّجُلِ فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ النَّظَرِ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَهَى عَنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ وَاسْتَثْنَى مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَالْقَدَمَانِ ظَاهِرَتَانِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَظْهَرَانِ عِنْدَ الْمَشْيِ؟ فَكَانَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُسْتَثْنَى مِنْ الْحَظْرِ فَيُبَاحُ إبْدَاؤُهُمَا (وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] أَنَّهُ الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ قَالَ الْكَفُّ وَالْوَجْهُ فَيَبْقَى مَا وَرَاءَ الْمُسْتَثْنَى عَلَى ظَاهِرِ النَّهْيِ وَلِأَنَّ إبَاحَةَ النَّظَرِ إلَى وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَفَّيْهَا لِلْحَاجَةِ إلَى كَشْفِهَا فِي الْأَخْذِ وَالْعَطَاءِ وَلَا حَاجَةَ إلَى كَشْفِ الْقَدَمَيْنِ فَلَا يُبَاحُ النَّظَرُ إلَيْهِمَا ثُمَّ إنَّمَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا مِنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ فَأَمَّا عَنْ شَهْوَةٍ فَلَا يَحِلُّ لِقَوْلِهِ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ» وَلَيْسَ زِنَا الْعَيْنَيْنِ إلَّا النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ وَلِأَنَّ النَّظَرَ عَنْ شَهْوَةٍ سَبَبُ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ فَيَكُونُ حَرَامًا إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ بِأَنْ دُعِيَ إلَى شَهَادَةٍ أَوْ كَانَ حَاكِمًا فَأَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا لِيُجِيزَ إقْرَارَهَا عَلَيْهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا.

وَإِنْ كَانَ لَوْ نَظَرَ إلَيْهَا لَاشْتَهَى أَوْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ ذَلِكَ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قَدْ يَسْقُطُ اعْتِبَارُهَا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ خَصَّ النَّظَرَ إلَى عَيْنِ الْفَرْجِ لِمَنْ قَصَدَ إقَامَةَ حِسْبَةِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا؟ وَمَعْلُومٌ أَنَّ النَّظَرَ إلَى الْفَرْجِ فِي الْحُرْمَةِ فَوْقَ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَمَعَ ذَلِكَ سَقَطَتْ حُرْمَتُهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ فَهَذَا أَوْلَى وَكَذَا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى وَجْهِهَا وَإِنْ كَانَ عَنْ شَهْوَةٍ لِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ تَقْدِيمِ النَّظَرِ أَدَلُّ عَلَى الْأُلْفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ الدَّاعِيَةِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَقَاصِدِ عَلَى مَا قَالَ النَّبِيُّ «لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ حِينَ أَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةً اذْهَبْ فَانْظُرْ إلَيْهَا فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» دَعَاهُ إلَى النَّظَرِ مُطْلَقًا وَعَلَّلَ بِكَوْنِهِ وَسِيلَةً إلَى الْأُلْفَةِ وَالْمُوَافَقَةِ.

(وَأَمَّا) الْمَرْأَةُ فَلَا يَحِلُّ لَهَا النَّظَرُ مِنْ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ إلَى الرُّكْبَةِ وَلَا بَأْسَ أَنْ تَنْظُرَ إلَى مَا سِوَى ذَلِكَ إذَا كَانَتْ تَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهَا وَالْأَفْضَلُ لِلشَّابِّ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْ وَجْهِ الْأَجْنَبِيَّةِ وَكَذَا الشَّابَّةُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَوْفِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ وَالْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ يُؤَيِّدُهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] أَنَّهُ الرِّدَاءُ وَالثِّيَابُ فَكَانَ غَضُّ الْبَصَرِ وَتَرْكُ النَّظَرِ أَزْكَى وَأَطْهَرَ وَذَلِكَ قَوْلُهُ ﷿ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ﴾ [النور: ٣٠] وَرُوِيَ «أَنَّ أَعْمَيَيْنِ دَخَلَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - وَأُخْرَى فَقَالَ لَهُمَا قُومَا فَقَالَتَا إنَّهُمَا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهُمَا أَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا» إلَّا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ بِأَنْ كَانَا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ فِيهِمَا.

وَالْعَبْدُ فِيمَا يَنْظُرُ إلَى مَوْلَاتِهِ كَالْحُرِّ الَّذِي لَا قَرَابَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا سَوَاءٌ وَكَذَا الْفَحْلُ وَالْخَصِيُّ وَالْعِنِّينُ وَالْمُخَنَّثُ إذَا بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ سَوَاءُ لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ [النور: ٣٠] وَإِطْلَاقُ قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] وَلِأَنَّ الرِّقَّ وَالْخِصَاءَ لَا يُعْدِمَانِ الشَّهْوَةَ وَكَذَا الْعُنَّةُ وَالْخُنُوثَةُ (أَمَّا) الرِّقُّ فَظَاهِرٌ (وَأَمَّا) الْخِصَاءُ فَإِنَّ الْخَصِيَّ رَجُلٌ إلَّا أَنَّهُ مُثِّلَ بِهِ إلَى هَذَا أَشَارَتْ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ فَقَالَتْ إنَّهُ رَجُلٌ مُثِّلَ بِهِ أَفَتُحِلُّ لَهُ الْمُثْلَةُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَى غَيْرِهِ.

(وَأَمَّا) الْعُنَّةُ وَالْخُنُوثَةُ فَالْعِنِّينُ وَالْمُخَنَّثُ رَجُلَانِ فَإِنْ قِيلَ أَلَيْسَ أَنَّ الْمَمْلُوكَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِلْمَرْأَةِ مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ﴾ [النور: ٣١] إلَى قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ.

وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ الْحَظْرِ إبَاحَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] يَنْصَرِفُ إلَى الْإِمَاءِ لِأَنَّ حُكْمَ الْعَبِيدِ صَارَ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ﴾ [النور: ٣١] إذْ الْعَبْدُ مِنْ جُمْلَةِ التَّابِعِينَ مِنْ الرِّجَالِ فَكَانَ قَوْلُهُ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] مَصْرُوفًا إلَى الْإِمَاءِ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى التَّكْرَارِ فَإِنْ قِيلَ حُكْمُ الْإِمَاءِ صَارَ مَعْلُومًا بِقَوْلِهِ ﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ [النور: ٣١] فَالصَّرْفُ إلَيْهِنَّ يُؤَدِّي إلَى التَّكْرَارِ أَيْضًا فَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالنِّسَاءِ الْحَرَائِرِ فَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَعْرِيفِ حُكْمِ الْإِمَاءِ فَأَبَانَ بِقَوْلِهِ جَلَّ شَأْنُهُ ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ [النور: ٣١] أَنَّ حُكْمَ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ فِيهِ سَوَاءٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>