للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ يَدْخُلُ عَلَى نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ذَاتَ يَوْمٍ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً فَقَالَ لَا أَرَى هَذَا يَعْلَمُ مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلْ عَلَيْكُنَّ فَحَجَبُوهُ» وَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَعِنْدَهَا مُخَنَّثٌ فَأَقْبَلَ عَلَى أَخِي أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ غَدًا الطَّائِفَ دَلَلْتُك عَلَى بِنْتِ غِيلَانَ فَإِنَّهَا تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ لَا أَرَى يَعْرِفُ هَذَا مَا هَهُنَا لَا يَدْخُلْنَ عَلَيْكُمْ» هَذَا إذَا بَلَغَ الْأَجْنَبِيُّ مَبْلَغَ الرِّجَالِ فَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لَمْ يَظْهَرْ عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَعْرِفُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ فَلَا بَأْسَ لَهُنَّ مِنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ لَهُمْ لِقَوْلِهِ جَلَّ وَعَلَا ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ [النور: ٣١] مُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ [النور: ٣١] إلَّا لِمَنْ ذُكِرَ وَالطِّفْلُ فِي اللُّغَةِ الصَّبِيُّ مَا بَيْنَ أَنْ يُولَدَ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ وَأَمَّا الَّذِي يَعْرِفُ التَّمْيِيزَ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا وَقَرُبَ مِنْ الْحُلُمِ فَلَا يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُبْدِي زِينَتَهَا لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا الصَّبِيِّ أُمِرَ بِالِاسْتِئْذَانِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ بِقَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ﴾ [النور: ٥٨] إلَّا إذَا لَمْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الشَّهْوَةِ بِأَنْ كَانَا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ لِعَدَمِ احْتِمَالِ حُدُوثِ الشَّهْوَةِ فِيهِمَا وَرُوِيَ «أَنَّ أَعْمَيَيْنِ دَخَلَا عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ وَعِنْدَهُ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ سَيِّدَتُنَا عَائِشَةُ وَأُخْرَى فَقَالَ لَهُمَا قُومَا فَقَالَتَا إنَّهُمَا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ أَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا» هَذَا حُكْمُ النَّظَرِ إلَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَأَمَّا حُكْمُ مَسِّ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ فَلَا يَحِلُّ مَسُّهُمَا لِأَنَّ حِلَّ النَّظَرِ لِلضَّرُورَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلَا ضَرُورَةَ إلَى الْمَسِّ مَعَ مَا أَنَّ الْمَسَّ فِي بَعْثِ الشَّهْوَةِ وَتَحْرِيكِهَا فَوْقَ النَّظَرِ وَإِبَاحَةُ أَدْنَى الْفِعْلَيْنِ لَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ أَعْلَاهُمَا هَذَا إذَا كَانَ شَابَّيْنِ فَإِنْ كَانَا شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِالْمُصَافَحَةِ لِخُرُوجِ الْمُصَافَحَةِ مِنْهُمَا مِنْ أَنْ تَكُونَ مُورِثَةً لِلشَّهْوَةِ لِانْعِدَامِ الشَّهْوَةِ وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ كَانَ يُصَافِحُ الْعَجَائِزَ» ثُمَّ إنَّمَا يَحْرُمُ النَّظَرُ مِنْ الْأَجْنَبِيَّةِ إلَى سَائِرِ أَعْضَائِهَا سِوَى الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ أَوْ الْقَدَمَيْنِ أَيْضًا عَلَى اخْتِلَافِ الرِّوَايَتَيْنِ إذَا كَانَتْ مَكْشُوفَةً فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مَسْتُورَةً بِالثَّوْبِ فَإِنْ كَانَ ثَوْبُهَا صَفِيقًا لَا يَلْتَزِقُ بِبَدَنِهَا فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَأَمَّلَهَا وَيَتَأَمَّلَ جَسَدَهَا لِأَنَّ الْمَنْظُورَ إلَيْهِ الثَّوْبُ دُونَ الْبَدَنِ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهَا رَقِيقًا يَصِفُ مَا تَحْتَهُ وَيَشِفُّ أَوْ كَانَ صَفِيقًا لَكِنَّهُ يَلْتَزِقُ بِبَدَنِهَا حَتَّى يَسْتَبِينَ لَهُ جَسَدُهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَبَانَ جَسَدَهَا كَانَتْ كَاسِيَةً صُورَةً عَارِيَّةً حَقِيقَة وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ «لَعَنَ اللَّهُ الْكَاسِيَاتِ الْعَارِيَّاتِ» وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ دَخَلْت عَلَيَّ أُخْتِي السَّيِّدَةُ أَسْمَاءُ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ شَامِيَّةٌ رِقَاقٌ وَهِيَ الْيَوْمَ عِنْدَكُمْ صِفَاقٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ «هَذِهِ ثِيَابٌ تَمُجُّهَا سُورَةُ النُّورِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَارَتْنِي أُخْتِي فَقُلْت لَهَا مَا قُلْت فَقَالَ يَا عَائِشَةُ إنَّ الْمَرْأَةَ إذَا حَاضَتْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُرَى مِنْهَا إلَّا وَجْهُهَا وَكَفَّاهَا» فَإِنْ ثَبَتَ هَذَا مِنْ النَّبِيِّ كَانَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: ٣١] فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الْحُرَّةَ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ مِنْهَا إلَّا إلَى وَجْهِهَا وَكَفَّيْهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) النَّوْعُ السَّابِعُ وَهُوَ ذَوَاتُ الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ فَحُكْمُهُنَّ حُكْمُ الْأَجْنَبِيَّاتِ الْحَرَائِرِ لِعُمُومِ الْأَمْرِ بِغَضِّ الْبَصَرِ وَالنَّهْيِ عَنْ إبْدَاءِ زِينَتِهِنَّ إلَّا لِلْمَذْكُورِينَ فِي مَحَلِّ الِاسْتِثْنَاءِ وَذُو الرَّحِمِ بِلَا مَحْرَمٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْمُسْتَثْنَى فَبَقِيَتْ مَنْهِيَّةً عَنْ إبْدَاءِ الزِّينَةِ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَأَمَّا) الثَّانِي وَهُوَ مَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ لِلرَّجُلِ مِنْ الرَّجُلِ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ مِنْ الرَّجُلِ الْأَجْنَبِيِّ إلَى سَائِرِ جَسَدِهِ إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ إلَى مَوْضِعِ الْخِتَانِ لِيَخْتِنَهُ وَيُدَاوِيَهُ بَعْدَ الْخَتْنِ وَكَذَا إذَا كَانَ بِمَوْضِعِ الْعَوْرَةِ مِنْ الرَّجُلِ قُرْحٌ أَوْ جُرْحٌ أَوْ وَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى مُدَاوَاةِ الرَّجُلِ وَلَا يَنْظُرُ إلَى الرُّكْبَةِ وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إلَى السُّرَّةِ فَالرُّكْبَةُ عَوْرَةٌ وَالسُّرَّةُ لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ ذَلِكَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «مَا تَحْتَ السُّرَّةِ عَوْرَةٌ» وَالرُّكْبَةُ مَا تَحْتَهَا فَكَانَتْ عَوْرَةً إلَّا أَنَّ مَا تَحْتَ الرُّكْبَةِ صَارَ مَخْصُوصًا فَبَقِيَتْ الرُّكْبَةُ تَحْتَ الْعُمُومِ وَلِأَنَّ الرُّكْبَةَ عُضْوٌ مُرَكَّبٌ مِنْ عَظْمِ السَّاقِ وَالْفَخِذِ عَلَى وَجْهٍ يَتَعَذَّرُ تَمْيِيزُهُ وَالْفَخِذُ مِنْ الْعَوْرَةِ وَالسَّاقُ لَيْسَ مِنْ الْعَوْرَةِ فَعِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِالِاحْتِيَاطِ وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا بِخِلَافِ السُّرَّةِ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِمَوْضِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>