مَعْلُومٍ لَا اشْتِبَاهَ فِيهِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ ﵁ أَنَّهُ كَانَ إذَا اتَّزَرَ أَبْدَى سُرَّتَهُ وَلَوْ كَانَتْ عَوْرَةً لَمَا اُحْتُمِلَ مِنْهُ كَشْفُهَا هَذَا حُكْمُ النَّظَرِ.
(وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَسِّ فَلَا خِلَافَ فِي أَنَّ الْمُصَافَحَةَ حَلَالٌ لِقَوْلِهِ ﵊ «تَصَافَحُوا تَحَابُّوا» وَرُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ «إذَا لَقِيَ الْمُؤْمِنُ أَخَاهُ فَصَافَحَهُ تَنَاثَرَتْ ذُنُوبُهُ» وَلِأَنَّ النَّاسَ يَتَصَافَحُونَ فِي سَائِرِ الْأَعْصَارِ فِي الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ فَكَانَتْ سُنَّةً مُتَوَارَثَةً وَاخْتُلِفَ فِي الْقُبْلَةِ وَالْمُعَانَقَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵁ وَمُحَمَّدٌ ﵀ يُكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُقَبِّلَ فَمَ الرَّجُلِ أَوْ يَدَهُ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ يُعَانِقَهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ (وَوَجْهُهُ) مَا رُوِيَ أَنَّهُ «لَمَا قَدِمَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ﵁ مِنْ الْحَبَشَةِ عَانَقَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَبَّلَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ» وَأَدْنَى دَرَجَاتِ فِعْلِ النَّبِيِّ الْحِلُّ وَكَذَا رَوَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانُوا إذَا رَجَعُوا مِنْ أَسْفَارِهِمْ كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُعَانِقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَاحْتَجَّا بِمَا رُوِيَ أَنَّهُ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقِيلَ «أَيُقَبِّلُ بَعْضُنَا بَعْضًا فَقَالَ لَا فَقِيلَ أَيُعَانِقُ بَعْضُنَا بَعْضًا فَقَالَ ﵊ لَا فَقِيلَ أَيُصَافِحُ بَعْضُنَا بَعْضًا فَقَالَ ﵊ نَعَمْ» وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُورٍ ﵀ أَنَّ الْمُعَانَقَةَ إنَّمَا تُكْرَهُ إذَا كَانَتْ شَبِيهَةً بِمَا وُضِعَتْ لِلشَّهْوَةِ فِي حَالَةِ التَّجَرُّدِ فَأَمَّا إذَا قُصِدَ بِهَا الْمَبَرَّةُ وَالْإِكْرَامُ فَلَا تُكْرَهُ وَكَذَا التَّقْبِيلُ الْمَوْضُوعُ لِقَضَاءِ الْوَطَرِ وَالشَّهْوَةِ هُوَ الْمُحَرَّمُ فَإِذَا زَالَ عَنْ تِلْكَ الْحَالَةِ أُبِيحَ وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ يُحْمَلُ الْحَدِيثُ الَّذِي احْتَجَّ بِهِ أَبُو يُوسُفَ ﵀ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(وَأَمَّا) الثَّالِثُ وَهُوَ بَيَانُ مَا يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ وَمَا يَحْرُمُ لِلْمَرْأَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ فَكُلُّ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الرَّجُلِ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَكُلُّ مَا لَا يَحِلُّ لَهُ، لَا يَحِلُّ لَهَا، فَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْمَرْأَةِ إلَى سَائِرِ جَسَدِهَا إلَّا مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَظَرِ الْمَرْأَةِ إلَى الْمَرْأَةِ خَوْفُ الشَّهْوَةِ وَالْوُقُوعِ فِي الْفِتْنَةِ كَمَا لَيْسَ ذَلِكَ فِي نَظَرِ الرَّجُلِ إلَى الرَّجُلِ حَتَّى لَوْ خَافَتْ ذَلِكَ تَجْتَنِبُ عَنْ النَّظَرِ كَمَا فِي الرَّجُلِ وَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا إلَى الرُّكْبَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ بِأَنْ كَانَتْ قَابِلَةً فَلَا بَأْسَ لَهَا أَنْ تَنْظُرَ إلَى الْفَرْجِ عِنْدَ الْوِلَادَةِ.
وَكَذَا لَا بَأْسَ أَنْ تَنْظُرَ إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ الْبَكَارَةِ فِي امْرَأَةِ الْعِنِّينِ وَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَاةِ عَلَى شَرْطِ الْبَكَارَةِ إذَا اخْتَصَمَا وَكَذَا إذَا كَانَ بِهَا جُرْحٌ أَوْ قُرْحٌ فِي مَوْضِعٍ لَا يَحِلُّ لِلرِّجَالِ النَّظَرُ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ تُدَاوِيَهَا إذَا عَلِمَتْ الْمُدَاوَاةَ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ تَتَعَلَّمْ ثُمَّ تُدَاوِيهَا فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ امْرَأَةٌ تَعْلَمُ الْمُدَاوَاةَ وَلَا امْرَأَةٌ تَتَعَلَّمُ وَخِيفَ عَلَيْهَا الْهَلَاكُ أَوْ بَلَاءٌ أَوْ وَجَعٌ لَا تَحْتَمِلُهُ يُدَاوِيهَا الرَّجُلُ لَكِنْ لَا يَكْشِفُ مِنْهَا إلَّا مَوْضِعَ الْجُرْحِ وَيَغُضُّ بَصَرَهُ مَا اسْتَطَاعَ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ الشَّرْعِيَّةَ جَازَ أَنْ يَسْقُطَ اعْتِبَارُهَا شَرْعًا لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ كَحُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ حَالَةَ الْمَخْمَصَةِ وَالْإِكْرَاهِ لَكِنَّ الثَّابِتَ بِالضَّرُورَةِ لَا يَعْدُو مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ لِأَنَّ عِلَّةَ ثُبُوتِهَا الضَّرُورَةُ وَالْحُكْمُ لَا يَزِيدُ عَلَى قَدْرِ الْعِلَّةِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ النَّظَرِ وَالْمَسِّ.
(وَأَمَّا) حُكْمُ الدُّخُولِ فِي بَيْتِ الْغَيْرِ فَالدَّاخِلُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ أَجْنَبِيًّا أَوْ مِنْ مَحَارِمِهِ فَإِنْ كَانَ أَجْنَبِيًّا فَلَا يَحِلُّ لَهُ الدُّخُولُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِقَوْلِهِ ﵎ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ [النور: ٢٧] قِيلَ تَسْتَأْنِسُوا أَيْ تَسْتَأْذِنُوا وَقِيلَ تُسْتَعْلَمُوا وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ لِأَنَّ الِاسْتِئْذَانَ طَلَبُ الْإِذْنِ وَالِاسْتِعْلَامَ طَلَبُ الْعِلْمِ وَالْإِذْنُ إعْلَامٌ وَسَوَاءً كَانَ السَّكَنُ فِي الْبَيْتِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٨] .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِئْذَانَ لَيْسَ لِلسُّكَّانِ أَنْفُسِهِمْ خَاصَّةً بَلْ لِأَنْفُسِهِمْ وَلِأَمْوَالِهِمْ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا يَتَّخِذُ الْبَيْتَ سِتْرًا لِنَفْسِهِ يَتَّخِذُهُ سِتْرًا لِأَمْوَالِهِ وَكَمَا يَكْرَهُ اطِّلَاعَ الْغَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ يَكْرَهُ اطِّلَاعَهُ عَلَى أَمْوَالِهِ وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ أَنَّ «مَنْ دَخَلَ بَيْتًا بِغَيْرِ إذْنٍ قَالَ لَهُ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ عَصَيْتَ وَآذَيْتَ فَيَسْمَعُ صَوْتَهُ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ إلَّا الثَّقَلَيْنِ فَيَصْعَدُ صَوْتُهُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَتَقُولُ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ أُفٍّ لِفُلَانٍ عَصَى رَبَّهُ وَأَذَى» وَإِذَا اسْتَأْذَنَ فَأُذُنَ لَهُ حَلَّ لَهُ الدُّخُولُ يَدْخُلُ ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُقَدِّمُ التَّسْلِيمَ عَلَى الدُّخُولِ كَمَا قَالَ بَعْضُ النَّاسِ لِقَوْلِهِ ﷾ ﴿فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً﴾ [النور: ٦١] وَلِأَنَّهُ لَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِذَا دَخَلَ يَحْتَاجُ إلَى التَّسْلِيمِ ثَانِيًا وَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ بِالدُّخُولِ وَقِيلَ لَهُ ارْجِعْ فَلْيَرْجِعْ وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى الْبَابِ لِقَوْلِهِ ﷿ ﴿وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا﴾ [النور: ٢٨] وَفِي بَعْضِ الْأَخْبَارِ «الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِنَّ فَلْيَرْجِعْ أَمَّا الْأَوَّلُ فَيَسْمَعُ الْحَيُّ وَأَمَّا الثَّانِي فَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَمَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute