للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الثَّالِثُ فَإِنْ شَاءُوا أَذِنُوا وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا» فَإِذَا اسْتَأْذَنَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ وَلَا يَقْعُدَ عَلَى الْبَابِ لِيَنْتَظِرَ لِأَنَّ لِلنَّاسِ حَاجَاتٍ وَأَشْغَالًا فِي الْمَنَازِلِ فَلَوْ قَعَدَ عَلَى الْبَابِ وَانْتَظَرَ لَضَاقَ ذَرْعُهُمْ وَشَغَلَ قُلُوبَهُمْ وَلَعَلَّ لَا تَلْتَئِمُ حَاجَاتُهُمْ فَكَانَ الرُّجُوعُ خَيْرًا لَهُ مِنْ الْقُعُودِ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿هُوَ أَزْكَى لَكُمْ﴾ [النور: ٢٨] هَذَا إذَا كَانَ الدُّخُولُ لِلزِّيَارَةِ وَنَحْوِهَا فَأَمَّا إذَا كَانَ الدُّخُولُ لِتَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ بِأَنْ سَمِعَ فِي دَارٍ صَوْتَ الْمَزَامِيرِ وَالْمَعَازِفِ فَلْيَدْخُلْ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ لِأَنَّ تَغْيِيرَ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ فَلَوْ شُرِطَ الْإِذْنُ لَتَعَذَّرَ التَّغْيِيرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ مَحَارِمِهِ فَلَا يَدْخُلُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ إلَى مَوَاضِعِ الزِّينَةِ الظَّاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ لِعُمُومِ النَّصِّ الَّذِي تَلَوْنَا وَلَوْ دَخَلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ فَرُبَّمَا كَانَتْ مَكْشُوفَةَ الْعَوْرَةِ فَيَقَعُ بَصَرُهُ عَلَيْهَا فَيَكْرَهَانِ ذَلِكَ وَهَكَذَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ النَّبِيَّ وَقَالَ أَنَا أَخْدُمُ أُمِّي وَأُفْرِشُهَا أَلَا أَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ نَعَمْ فَسَأَلَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ يَسُرُّك أَنْ تَرَاهَا عُرْيَانَةً؟ فَقَالَ لَا قَالَ اسْتَأْذِنْ عَلَيْهَا» وَكَذَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَهُ فَقَالَ أَسْتَأْذِنُ عَلَى أُخْتِي؟ فَقَالَ إنْ لَمْ تَسْتَأْذِنْ رَأَيْتَ مَا يَسُوءُكَ إلَّا أَنَّ الْأَمْرَ فِي الِاسْتِئْذَانِ عَلَى الْمَحَارِمِ أَيْسَرُ وَأَسْهَلُ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ مُطْلَقُ النَّظَرِ إلَى مَوْضِعِ الزِّينَةِ مِنْهَا شَرْعًا هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الْأَحْرَارِ الْبَالِغِينَ.

(وَأَمَّا) حُكْمُ الْمَمَالِيكِ وَالصِّبْيَانِ أَمَّا الْمَمْلُوكُ فَيَدْخُلُ فِي بَيْتِ سَيِّدِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ إلَّا فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ؛ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَعِنْدَ الظُّهْرِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ﴾ [النور: ٥٨] إلَى قَوْله تَعَالَى ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾ [النور: ٥٨] وَلِأَنَّ هَذِهِ أَوْقَاتُ التَّجَرُّدِ وَظُهُورِ الْعَوْرَةِ فِي الْعَادَةِ (أَمَّا) قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَوَقْتُ الْخُرُوجِ مِنْ ثِيَابِ النَّوْمِ وَوَقْتُ الظَّهِيرَةِ وَقْتُ وَضْعِ الثِّيَابِ لِلْقَيْلُولَةِ وَأَمَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَوَقْتُ وَضْعِ ثِيَابِ النَّهَارِ لِلنَّوْمِ وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْعَوْرَاتِ بَعْدَهَا تَكُونُ مَسْتُورَةً عَادَةً.

وَالْعَبْدُ وَالْأَمَةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَسَوَاءً كَانَ الْمَمْلُوكُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ يَعْرِفُ الْعَوْرَةَ مِنْ غَيْرِ الْعَوْرَةِ لِأَنَّ هَذِهِ أَوْقَاتِ غُرَّةٍ وَسَاعَاتِ غَفْلَةٍ فَرُبَّمَا يَكُونُ عَلَى حَالَةٍ يَكْرَهُ أَنْ يَرَاهُ أَحَدٌ عَلَيْهَا وَهَذَا الْمَعْنَى يَسْتَوِي فِيهِ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ وَيَكُونُ الْخِطَابُ فِي الصِّغَارِ لِلسَّادَاتِ بِالتَّعْلِيمِ وَالتَّأْدِيبِ كَمَا فِي الْآبَاءِ مَعَ الْأَبْنَاءِ الصِّغَارِ (وَأَمَّا) الصِّبْيَانُ فَإِنْ كَانَ الصَّغِيرُ مِمَّنْ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَ الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا فَيَدْخُلُ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّمْيِيزِ بِأَنْ قَرُبَ مِنْ الْبُلُوغِ يَمْنَعُهُ الْأَبُ مِنْ الدُّخُولِ فِي الْأَوْقَاتِ الثَّلَاثَةِ تَأْدِيبًا وَتَعْلِيمًا لِأُمُورِ الدِّينِ كَالْأَمْرِ بِالصَّلَاةِ إذَا بَلَغَ سَبْعًا وَضَرَبَهُ عَلَيْهَا إذَا بَلَغَ عَشْرًا وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ مَسْكُونًا بِأَنْ كَانَ لَهُ سَاكِنٌ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَالْخَانَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ الَّتِي تَكُونُ لِلْمَارَّةِ وَالْخَرِبَاتِ الَّتِي تُقْضَى فِيهَا حَاجَةُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْخُلَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ لِقَوْلِهِ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] أَيْ مَنْفَعَةٌ لَكُمْ وَهِيَ مَنْفَعَةُ دَفْعِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الْخَانَاتِ وَالرِّبَاطَاتِ وَمَنْفَعَةُ قَضَاءِ الْحَاجَةِ مِنْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ فِي الْخَرِبَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ «لَمَّا نَزَلَتْ آيَةُ الِاسْتِئْذَانِ قَالَ سَيِّدُنَا أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ بِالْبُيُوتِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ لَيْسَ فِيهَا سَاكِنٌ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى ﷿ قَوْلَهُ ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ﴾ [النور: ٢٩] » وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا حُكْمُ الدُّخُولِ.

(وَأَمَّا) حُكْمُ مَا بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ الْخَلْوَةُ فَإِنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ امْرَأَةٌ أَجْنَبِيَّةٌ أَوْ ذَاتُ رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْلُوَ بِهَا لِأَنَّ فِيهِ خَوْفَ الْفِتْنَةِ وَالْوُقُوعَ فِي الْحَرَامِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ فَإِنَّ ثَالِثُهُمَا الشَّيْطَانَ» وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَلَا بَأْسَ بِالْخَلْوَةِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَفْعَلَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ مَا خَلَوْت بِامْرَأَةٍ قَطُّ مَخَافَةَ أَنْ أَدْخُلَ فِي نَهْيِ النَّبِيِّ .

وَيُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ شَعْرَ غَيْرِهَا مِنْ بَنِي آدَمَ بِشَعْرِهَا لِقَوْلِهِ «لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ» وَلِأَنَّ الْآدَمِيَّ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مُكَرَّمٌ وَالِانْتِفَاعُ بِالْجُزْءِ الْمُنْفَصِلِ مِنْهُ إهَانَةٌ لَهُ وَلِهَذَا كُرِهَ بَيْعُهُ وَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ مِنْ شَعْرِ الْبَهِيمَةِ وَصُوفِهَا لِأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>