مَأْخُوذٌ بِهِ فِي الْآخِرَةِ.
حَامِلٌ مَاتَتْ فَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ فِي أَكْبَرِ الرَّأْيِ أَنَّهُ حَيٌّ يُشَقُّ بَطْنُهَا لِأَنَّا اُبْتُلِينَا بِبَلِيَّتَيْنِ فَنَخْتَارُ أَهْوَنَهُمَا وَشَقُّ بَطْنِ الْأُمِّ الْمَيِّتَةِ أَهْوَنُ مِنْ إهْلَاكِ الْوَلَدِ الْحَيِّ.
رَجُلٌ لَهُ وَرَثَةٌ صِغَارٌ فَأَرَادَ أَنْ يُوصِيَ نَظَرَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ تَقَعُ الْكِفَايَةُ لَهُمْ بِمَا سِوَى ثُلُثِ الْوَصِيَّةِ مِنْ الْمَتْرُوكِ فَالْوَصِيَّةُ بِالثُّلُثِ أَفْضَلُ لِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ الْجَانِبَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَا تَقَعُ الْكِفَايَةُ لَهُمْ إلَّا بِكُلِّ الْمَتْرُوكِ فَالْمَتْرُوكُ لَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ الْوَصِيَّةِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ﵁ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بِكَمْ يُوصِي الرَّجُلُ مِنْ مَالِهِ؟ فَقَالَ ﵊ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ لَأَنْ تَدَعَ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ لَك مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ» .
رَجُلٌ رَأَى رَجُلًا قَتَلَ أَبَاهُ وَادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ رِدَّةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ الِابْنُ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا وَسِعَ الِابْنُ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ لِقَوْلِهِ ﵊ «الْعَمْدُ قَوَدٌ إلَّا أَنْ يُعْفَى أَوْ يُفَادَى» وَالْقَاتِلُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَلَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَكَذَلِكَ إذَا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ فِي السِّرِّ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ قَتَلَهُ بِقِصَاصٍ أَوْ بِرِدَّةٍ كَانَ الِابْنُ فِي سَعَةٍ مِنْ قَتْلِهِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْقَتْلِ الْعَمْدِ إقْرَارٌ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَوْ لَمْ يُعَايِنْ الْقَتْلَ وَلَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ شَهِدَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْقَتْلِ أَوْ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَمْ يَسَعْهُ قَتْلُهُ حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا فَرْقًا بَيْنَ الْإِقْرَارِ وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ.
وَوَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِمَا فِيهَا مِنْ تُهْمَةِ جَرِّ النَّفْعِ فَلَا تَنْدَفِعُ التُّهْمَةُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي (فَأَمَّا) الْإِقْرَارُ فَحُجَّةٌ بِنَفْسِهِ إذْ الْإِنْسَانُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِقْرَارِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ الْفَرْقُ وَكَذَلِكَ يَحِلُّ لِمَنْ عَايَنَ الْقَتْلَ أَوْ سَمِعَ إقْرَارَهُ بِهِ أَنْ يُعِينَ الْوَلِيَّ عَلَى قَتْلِهِ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ لِصَاحِبِ الْحَقِّ عَلَى اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ ظَاهِرًا وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَ الِابْنِ اثْنَانِ بِمَا يَدَّعِيه الْقَاتِلُ مِمَّا يَحِلُّ دَمُهُ مِنْ الْقَتْلِ وَالرِّدَّةِ فَإِنْ كَانَا مِمَّنْ يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ لَا يَنْبَغِي لِلِابْنِ أَنْ يُعَجِّلَ بِالْقَتْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَتَّصِلَ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمَا فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالِامْتِنَاعُ عَنْ الْمُبَاحِ أَوْلَى مِنْ ارْتِكَابِ الْمَحْظُورِ.
وَإِنْ كَانَا مِمَّنْ لَا يَقْضِي الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِمَا لَوْ شَهِدَا عِنْدَهُ كَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَالنِّسَاءُ وَحْدُهُنَّ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَتْلِهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّهَادَةَ لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بِنَفْسِهَا بَلْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا يَتَّصِلُ بِهَا الْقَضَاءُ كَانَ وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَكِنْ مَعَ هَذَا إنْ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِاحْتِمَالِ اتِّصَالِ الْقَضَاءِ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ أَوْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صِدْقًا حَقِيقَةً عِنْدَ اللَّهِ ﷿ وَلَوْ شَهِدَ عِنْدَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ غَيْرُ مَحْدُودٍ فِي الْقَذْفِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَوَقَّفَ فِي الْقَتْلِ لِجَوَازِ أَنْ يَنْضَمَّ إلَيْهِ شَاهِدٌ آخَرُ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي لَتَوَقَّفَ أَيْضًا فَكَانَ الِانْتِظَارُ أَفْضَلَ وَلَوْ لَمْ يَنْتَظِرْ وَاسْتَعْجَلَ فِي قَتْلِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ أَحَدُ شَطْرَيْ الشَّهَادَةِ وَأَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ بِدُونِ الشَّطْرِ الْآخَرِ.
وَلَوْ عَايَنَ الْوَارِثُ رَجُلًا أَخَذَ مَالًا مِنْ أَبِيهِ أَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ أَخَذَ مَالًا مِنْ أَبِيهِ وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَ أَبِيهِ أَوْ كَانَ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ اقْتَضَاهُ مِنْهُ وَسِعَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمَّا عَايَنَ أَخْذَ الْمَالِ مِنْهُ فَقَدْ عَايَنَ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَخْذُ لِأَنَّ الْأَخْذَ فِي الْأَصْلِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ ضَمَانِ الْمَأْخُوذِ وَهُوَ رَدُّ عَيْنِهِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَرَدُّ بَدَلِهِ إنْ كَانَ هَالِكًا لِقَوْلِهِ ﵊ «عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَّى تَرُدَّهُ» وَدَعْوَى الْإِيدَاعِ وَالدَّيْنِ أَمْرٌ عَارِضٌ فَلَا يُسْمَعُ إلَّا بِحُجَّةٍ وَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْ الدَّفْعِ يُقَاتِلُهُ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «قَاتِلْ دُونَ مَالِكَ» وَكَذَا إذَا أَقَرَّ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ يَسَعُ لِمَنْ عَايَنَ ذَلِكَ أَوْ سَمِعَ إقْرَارَهُ أَنْ يُعِينَهُ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ لِكَوْنِهِ إعَانَةً عَلَى اسْتِيفَاءِ الْحَقِّ ظَاهِرًا وَلَوْ لَمْ يُعَايِن ذَلِكَ وَلَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ وَلَكِنْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَدْلَانِ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الشَّيْءَ الَّذِي فِي يَدِ فُلَانٍ مِلْكُ وَرَثَتِهِ عَنْ أَبِيك لَا يَسَعُهُ أَخْذُهُ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ وَقَدْ مَرَّ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي فَصْلِ الْقَتْلِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) .
الَّذِي ثَبَتَ حُرْمَتُهُ فِي حَقِّ الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فَثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ مِنْهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتُ مِنْ الدِّيبَاجِ وَالْقَزِّ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ وَبِإِحْدَى يَدَيْهِ حَرِيرٌ وَبِالْأُخْرَى ذَهَبٌ فَقَالَ هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» وَرُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَعْطَى سَيِّدَنَا عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حُلَّةً فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَسَوْتَنِي حُلَّةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute