للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

سَدِيدٍ لِأَنَّ التَّزَيُّنَ بِهَذِهِ الْجِهَاتِ دُونَ التَّزَيُّنِ بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِيهِ إهَانَةُ الْمُسْتَعْمِلِ بِخِلَافِ اللُّبْسِ فَيَبْطُلُ الِاسْتِدْلَال بِهِ.

(وَأَمَّا) الْمَرْأَةُ فَيَحِلُّ لَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ الْمُصْمَتِ وَالدِّيبَاجُ وَالْقَزُّ لِأَنَّ النَّبِيَّ أَحَلَّ هَذَا لِلْإِنَاثِ بِقَوْلِهِ «حَلَّ لَإِنَاثِهَا» .

(وَمِنْهَا) الذَّهَبُ لِأَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَبَيْنَ الْحَرِيرِ فِي التَّحْرِيمِ عَلَى الذُّكُورِ بِقَوْلِهِ «هَذَانِ حَرَامَانِ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي» فَيُكْرَهُ لِلرَّجُلِ التَّزَيُّنُ بِالذَّهَبِ كَالتَّخَتُّمِ وَنَحْوِهِ وَلَا يُكْرَهُ لِلْمَرْأَةِ لِقَوْلِهِ «حِلٌّ لِإِنَاثِهَا» وَرُوِيَ عَنْ «النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ اتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فَدَخَلْت عَلَى سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ مَالَك اتَّخَذْت حُلِيَّ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلَهَا؟ فَرَمَيْت ذَلِكَ وَاِتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَقَالَ مَالَك اتَّخَذَتْ حُلِيَّ أَهْلِ النَّارِ؟ فَاِتَّخَذْت خَاتَمًا مِنْ نُحَاسٍ فَدَخَلْت عَلَيْهِ فَقَالَ إنِّي أَجِدُ مِنْك رِيحَ الْأَصْنَامِ فَقُلْت كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ اتَّخِذْهُ مِنْ الْوَرِقِ وَلَا تَزِدْ عَلَى الْمِثْقَالِ» .

وَالْأَصْلُ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى التَّزَيُّنِ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ دُونَ الْمَرْأَةِ لِمَا قُلْنَا وَاسْتِعْمَالُهُ فِيمَا تَرْجِعُ مَنْفَعَتُهُ إلَى الْبَدَنِ مَكْرُوهٌ فِي حَقِّ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا حَتَّى يُكْرَهَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَالْأَدْهَانُ وَالتَّطَيُّبُ مِنْ مَجَامِرِ الذَّهَبِ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ «إنَّ الَّذِي يَشْرَبُ مِنْ آنِيَةِ الْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» وَمَعْلُومٌ أَنَّ الذَّهَبَ أَشَدُّ حُرْمَةً مِنْ الْفِضَّةِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ رَخَّصَ التَّخَتُّمَ بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ وَلَا رُخْصَةَ فِي الذَّهَبِ أَصْلًا فَكَانَ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي الْفِضَّةِ وَارِدًا فِي الذَّهَبِ دَلَالَةً مِنْ طَرِيقِ الْأُولَى كَتَحْرِيمِ التَّأْفِيفِ مَعَ تَحْرِيمِ الضَّرْبِ وَالشَّتْمِ وَكَذَلِكَ الِاكْتِحَالُ بِمُكْحُلَةِ الذَّهَبِ أَوْ بِمِيلٍ مِنْ ذَهَبٍ مَكْرُوهٌ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ جَمِيعًا لِأَنَّ مَنْفَعَتَهُ عَائِدَةٌ إلَى الْبَدَنِ فَأَشْبَهَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ.

(وَأَمَّا) الْإِنَاءُ الْمُضَبَّبُ بِالذَّهَبِ فَلَا بَأْسَ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِيهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكْرَهُ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ اسْتِعْمَالَ الذَّهَبِ حَرَامٌ بِالنَّصِّ وَقَدْ حَصَلَ بِاسْتِعْمَالِ الْإِنَاءِ فَيُكْرَهُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ مِنْ الذَّهَبِ الَّذِي عَلَيْهِ هُوَ تَابِعٌ لَهُ وَالْعِبْرَةُ لِلْمَتْبُوعِ دُونَ التَّابِعِ كَالثَّوْبِ الْمُعَلَّمِ وَالْجُبَّةِ الْمَكْفُوفَةِ بِالْحَرِيرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْجُلُوسُ عَلَى السَّرِيرِ الْمُضَبَّبِ وَالْكُرْسِيِّ وَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالرِّكَابِ وَالثُّفْرِ الْمُضَبَّبَةِ وَكَذَا الْمُصْحَفُ الْمُضَبَّبُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَكَذَا حَلْقَةُ الْمَرْأَةِ إذَا كَانَتْ مِنْ الذَّهَبِ وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ كِتَابَةٌ بِذَهَبٍ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ.

(وَأَمَّا) السَّيْفُ الْمُضَبَّبُ وَالسِّكِّينُ فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَلِكَ الْمِنْطَقَةُ الْمُضَبَّبَةُ لِوُرُودِ الْآثَارِ بِالرُّخْصَةِ بِذَلِكَ فِي السِّلَاحِ وَلَا بَأْسَ بِشَدِّ الْفَصِّ بِمِسْمَارِ الذَّهَبِ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْفَصِّ وَالْعِبْرَةُ لِلْأَصْلِ دُونَ التَّبَعِ كَالْعَلَمِ لِلثَّوْبِ وَنَحْوِهِ.

(وَأَمَّا) شَدُّ السِّنِّ الْمُتَحَرِّكِ بِالذَّهَبِ فَقَدْ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَجُوزُ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُكْرَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَوْ شَدَّهَا بِالْفِضَّةِ لَا يُكْرَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا لَوْ جُدِعَ أَنْفُهُ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ لَا يُكْرَهُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْأَنْفَ يَنْتُنُ بِالْفِضَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اتِّخَاذِهِ مِنْ ذَهَبٍ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ حُرْمَتِهِ.

وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ عَرْفَجَةَ أُصِيبَ أَنْفُهُ يَوْمَ الْكُلَابِ فَاِتَّخَذَ أَنْفًا مِنْ وَرِقٍ فَأَنْتَنَ فَأَمَرَهُ سَيِّدُنَا رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ أَنْفًا مِنْ ذَهَبٍ» وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَحْتَجُّ مُحَمَّدٌ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْجَامِعِ لِجَوَازِ تَضْبِيبِ السِّنِّ بِالذَّهَبِ وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ أَنْ يَشُدَّهُ بِالْفِضَّةِ فَكَذَا بِالذَّهَبِ لِأَنَّهُمَا فِي حُرْمَةِ الِاسْتِعْمَالِ عَلَى السَّوَاءِ وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسِّنِّ وَالتَّبَعُ حُكْمُهُ حُكْمُ الْأَصْلِ وَهَذَا يُوَافِقُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَحُجَّةُ مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْجَامِعِ إطْلَاقُ التَّحْرِيمِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَلَا يُرَخَّصُ مُبَاشَرَةُ الْمُحَرَّمُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَهِيَ تَنْدَفِعُ بِالْأَدْنَى وَهُوَ الْفِضَّةُ فَبَقِيَ الذَّهَبُ عَلَى أَصْلِ التَّحْرِيمِ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْفِضَّةِ غَيْرُ سَدِيدٍ لِتَفَاوُتٍ بَيْنَ الْحُرْمَتَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ.

وَلَوْ سَقَطَ سِنُّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَأْخُذَ سِنَّ مَيِّتٍ فَيَشُدُّهَا مَكَانَ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يُعِيدَ تِلْكَ السِّنَّ السَّاقِطَةَ مَكَانَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَلَكِنْ يَأْخُذُ سِنَّ شَاةٍ ذَكِيَّةٍ فَيَشُدُّهَا مَكَانَهَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا بَأْسَ بِسِنِّهِ وَيُكْرَهُ سِنُّ غَيْرِهِ قَالَ وَلَا يُشْبِهُ سِنُّهُ سِنَّ مَيِّتٍ اُسْتُحْسِنَ ذَلِكَ وَبَيْنَهُمَا عِنْدِي فَصْلٌ وَلَكِنْ لَمْ يَحْضُرْنِي (وَوَجْهُ) الْفَصْلِ لَهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدِهِمَا أَنَّ سِنَّ نَفْسِهِ جُزْءٌ مُنْفَصِلٌ لِلْحَالِ عَنْهُ لَكِنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَصِيرَ مُتَّصِلًا فِي الثَّانِي بِأَنْ يَلْتَئِمَ فَيَشْتَدُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>