أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الْهَرَوِيَّ بِكَذَا فَإِذَا هُوَ مَرْوِيٌّ، أَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ عَلَى أَنَّهُ مَرْوِيٌّ فَإِذَا هُوَ هَرَوِيٌّ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مَعْدُومٌ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْإِشَارَةَ مَعَ التَّسْمِيَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا فِي بَابِ الْبَيْعِ فِيمَا يَصْلُحُ مَحَلَّ الْبَيْعِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْمُشَارُ إلَيْهِ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ الْمُسَمَّى، فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ، وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِالْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ فِي الصِّفَةِ فَإِنْ تَفَاحَشَ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا، فَالْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ أَيْضًا عِنْدَنَا، وَيُلْحَقَانِ بِمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ، وَإِنْ قَلَّ التَّفَاوُتُ فَالْعِبْرَةُ لِلْمُشَارِ إلَيْهِ، وَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِهِ، وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَنَقُولُ: الْيَاقُوتُ مَعَ الزُّجَاجِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَكَذَا الْهَرَوِيُّ مَعَ الْمَرْوِيِّ نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ؛ فَيَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ فِيهِ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ فَيَبْطُلُ وَلَا يَنْعَقِدُ.
قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَإِذَا هُوَ جَارِيَةٌ لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ﵏ وَعِنْدَ زُفَرَ ﵀ يَجُوزُ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ الْمُسَمَّى هَهُنَا مِنْ جِنْسِ الْمُشَارِ إلَيْهِ أَعْنِي الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ، وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَةِ الذُّكُورَةِ، وَالْأُنُوثَةِ، وَهَذَا لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الْعَقْدِ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ كَمَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ عَلَى أَنَّهَا نَعْجَةٌ، فَإِذَا هِيَ كَبْشٌ.
(وَلَنَا) أَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى؛ لِاخْتِلَافِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ الْمَطْلُوبَةِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا فَالْتُحِقَا بِمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ حَقِيقَةً بِخِلَافِ النَّعْجَةِ مَعَ الْكَبْشِ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا جِنْسًا ذَاتًا وَمَعْنًى أَمَّا ذَاتًا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ اسْمَ الشَّاةِ يَتَنَاوَلُهُمَا.
وَأَمَّا مَعْنًى؛ فَلِأَنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنْفَعَةُ الْأَكْلِ فَتَجَانَسَا ذَاتًا وَمَنْفَعَةً فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِالْمُشَارِ إلَيْهِ، وَهُوَ مَوْجُودٌ مَحَلٌّ لِلْبَيْعِ، فَجَازَ بَيْعُهُ، وَلَكِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَتْهُ صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خَلَلًا فِي الرِّضَا فَيَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ
وَكَذَا لَوْ بَاعَ دَارًا عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ، فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّهُمَا يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَكَانَا كَالْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، وَكَذَا لَوْ بَاعَ ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ مَصْبُوغٌ بِعُصْفُرٍ، فَإِذَا هُوَ مَصْبُوغٌ بِزَعْفَرَانٍ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْعُصْفُرَ مَعَ الزَّعْفَرَانِ يَخْتَلِفَانِ فِي اللَّوْنِ اخْتِلَافًا فَاحِشًا، وَكَذَا لَوْ بَاعَ حِنْطَةً فِي جَوْلَقٍ فَإِذَا هُوَ دَقِيقٌ أَوْ شَرَطَ الدَّقِيقَ فَإِذَا هُوَ خُبْزٌ لَا يَنْعَقِدُ؛ لِأَنَّ الْحِنْطَةَ مَعَ الدَّقِيقِ جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ وَكَذَا الدَّقِيقُ مَعَ الْخُبْزِ أَلَا تَرَى: أَنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ آخَرَ حِنْطَةً وَطَحَنَهَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمِلْكِ دَلَّ أَنَّهَا تَصِيرُ بِالطَّحْنِ شَيْئًا آخَرَ فَكَانَ بَيْعَ الْمَعْدُومِ فَلَا يَنْعَقِدُ.
وَإِنْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الشَّاةَ عَلَى أَنَّهَا مَيْتَةٌ فَإِذَا هِيَ ذَكِيَّةٌ جَازَ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ فَلَغَتْ التَّسْمِيَةُ، وَبَقِيَتْ الْإِشَارَةُ إلَى الذَّكِيَّةِ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الْقَزَّ فَإِذَا هُوَ مُلْحَمٌ يَنْظُرُ إنْ كَانَ سَدَاهُ مِنْ الْقَزِّ، وَلُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِهِ لَا يَنْعَقِدُ، وَإِنْ كَانَ لُحْمَتُهُ مِنْ الْقَزِّ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّوْبِ هُوَ اللُّحْمَةُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ ثَوْبًا بِهَا فَإِذَا كَانَتْ لُحْمَتُهُ مِنْ غَيْرِ الْقَزِّ فَقَدْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلتَّسْمِيَةِ، وَالْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَلَمْ يَنْعَقِدْ الْبَيْعُ وَإِذَا كَانَتْ مِنْ الْقَزِّ فَالْجِنْسُ لَمْ يَخْتَلِفْ فَتُعْتَبَرُ الْإِشَارَةُ، وَالْمُشَارُ إلَيْهِ مَوْجُودٌ فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ إلَّا أَنَّهُ يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ كَوْنَ السَّدَى مِنْهُ أَمْرٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ، وَقَدْ فَاتَ فَوَجَبَ الْخِيَارُ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذَا الثَّوْبَ الْخَزَّ بِكَذَا، فَإِذَا هُوَ مُلْحَمٌ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ إلَّا أَنَّ لُحْمَتَهُ إذَا كَانَتْ خَزًّا وَسَدَاهُ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ فَقَدْ قِيلَ: إنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي هَهُنَا؛ لِأَنَّ الْخَزَّ هَكَذَا يُنْسَجُ بِخِلَافِ الْقَزِّ.
وَلَوْ بَاعَ جُبَّةً عَلَى أَنَّ بِطَانَتَهَا وَظِهَارَتَهَا كَذَا، وَحَشْوَهَا كَذَا فَإِنْ كَانَتْ الظِّهَارَةُ مِنْ غَيْرِ مَا شَرَطَ لَا يَنْعَقِدُ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ وَالْحَشْوُ مِمَّا شَرَطَ، وَإِنْ كَانَتْ الظِّهَارَةُ مِمَّا شَرَطَ جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ كَانَتْ الْبِطَانَةُ، وَالْحَشْوُ مِنْ غَيْرِ مَا شَرَطَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ الظِّهَارَةُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُنْسَبُ الثَّوْبُ إلَيْهَا، وَيَخْتَلِفُ الِاسْمُ بِاخْتِلَافِهَا؟ وَإِنَّمَا الْبِطَانَةُ تَجْرِي مَجْرَى التَّابِعِ لَهَا وَكَذَا الْحَشْوُ فَكَانَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ هُوَ الظِّهَارَةَ، وَمَا سِوَاهَا جَارِيًا مَجْرَى الْوَصْفِ لَهَا فَفَوَاتُهُ لَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ، وَلَكِنَّهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ لِأَنَّهُ فَاتَ شَيْءٌ مَرْغُوبٌ فِيهِ.
وَلَوْ قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنَّ فِيهَا بِنَاءً فَإِذَا لَا بِنَاءَ فِيهَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، وَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا، وَبَيْنَ مَا إذَا قَالَ: بِعْتُكَ هَذِهِ الدَّارَ عَلَى أَنَّ بِنَاءَهَا آجُرٌّ، فَإِذَا هُوَ لَبِنٌ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْآجُرَّ مَعَ اللَّبِنِ يَتَفَاوَتَانِ فِي الْمَنْفَعَةِ تَفَاوُتًا فَاحِشًا فَالْتَحَقَا بِمُخْتَلِفَيْ الْجِنْسِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ.
(وَمِنْهَا) أَنْ يَكُونَ مَالًا لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ، فَلَا يَنْعَقِدَ بَيْعُ الْحُرِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَا بَيْعُ أُمِّ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهَا حُرَّةٌ مِنْ وَجْهٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا» وَرُوِيَ عَنْهُ ﵊ أَنَّهُ قَالَ فِي أُمِّ الْوَلَدِ: «لَا تُبَاعُ وَلَا تُوهَبُ وَهِيَ حُرَّةٌ مِنْ الثُّلُثِ» نَفَى ﵊ جَوَازَ بَيْعِهَا مُطْلَقًا وَسَمَّاهَا حُرَّةً فَلَا تَكُونُ مَالًا عَلَى الْإِطْلَاقِ خُصُوصًا عَلَى أَصْلِ