للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْمَالِيَّةِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا تُضْمَنَ بِالْغَصْبِ، وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالْإِعْتَاقِ، وَإِنَّمَا تُضْمَنُ بِالْقَتْلِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْقَتْلِ ضَمَانُ الدَّمِ لَا ضَمَانُ الْمَالِ وَالْمَسْأَلَةُ تَأْتِي فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

وَلَا بَيْعُ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ - عِنْدَنَا - وَقَالَ الشَّافِعِيُّ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ -: " بَيْعُ الْمُدَبَّرِ جَائِزٌ " وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ أَجَازَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَعَنْ سَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ أَنَّهَا دَبَّرَتْ مَمْلُوكَةً لَهَا فَغَضِبَتْ عَلَيْهَا فَبَاعَتْهَا؛ وَلِأَنَّ التَّدْبِيرَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ عَدَمٌ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ، فَلَمْ يَكُنْ الْعِتْقُ ثَابِتًا أَصْلًا قَبْلَ الْمَوْتِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ كَمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِدُخُولِ الدَّارِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ الدَّارَ، وَكَمَا فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ.

(وَلَنَا) مَا رَوَى أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ» وَمُطْلَقُ النَّهْيِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّحْرِيمِ وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ابْنِ سَيِّدِنَا عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «الْمُدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلَا يُوهَبُ وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ» .

وَهَذَا نَصٌّ فِي الْبَابِ؛ وَلِأَنَّهُ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ وَجْهٍ: الِاسْتِدْلَال بِضَرُورَةِ الْإِجْمَاعِ، وَهُوَ أَنَّهُ يَعْتِقُ بَعْدَ الْمَوْتِ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْحُرِّيَّةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ سَبَبٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا الْكَلَامُ السَّابِقُ، وَلَيْسَ هُوَ بِتَحْرِيرٍ بَعْدَ الْمَوْتِ؛ لِأَنَّ التَّحْرِيرَ فِعْلٌ اخْتِيَارِيٌّ، وَأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْ الْمَيِّتِ فَكَانَ تَحْرِيرًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَثْبُتَ بِهِ الْحُرِّيَّةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِلْحَالِ إلَّا أَنَّهَا تَأَخَّرَتْ مِنْ وَجْهٍ إلَى آخَرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى التَّأْخِيرِ مِنْ وَجْهٍ فَبَقِيَتْ الْحُرِّيَّةُ مِنْ وَجْهٍ ثَابِتَةً لِلْحَالِ فَلَا يَكُونُ مَالًا مُطْلَقًا، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَحَدِيثُ جَابِرٍ وَسَيِّدَتِنَا عَائِشَةَ حِكَايَةُ فِعْلٍ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ - أَجَازَ بَيْعَ مُدٍّ مُقَيَّدًا أَوْ بَاعَ مُدَبَّرًا مُقَيَّدًا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْإِجَارَةَ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تُسَمَّى بَيْعًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ حِينَ كَانَ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مَشْرُوعًا ثُمَّ نُسِخَ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ.

(وَأَمَّا) الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ فَهُنَاكَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ الْكَلَامُ السَّابِقُ إيجَابًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ؛ لِأَنَّهُ عُلِّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتٍ مَوْصُوفٍ بِصِفَةٍ، وَاحْتُمِلَ أَنْ يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَالسَّفَرِ أَوْ لَا، فَكَانَ الْخَطَرُ قَائِمًا فَكَانَ تَعْلِيقًا، فَلَمْ يَكُنْ إيجَابًا مَا دَامَ الْخَطَرُ قَائِمًا وَمَتَى اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ يَظْهَرُ أَنَّهُ كَانَ تَحْرِيرًا مِنْ وَجْهٍ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ لَكِنْ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حُكْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا بَيْعُ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا فَلَا تَثْبُتُ يَدُ تَصَرُّفِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ وَلَا بَيْعُ مُعْتَقِ الْبَعْضِ مُوسِرًا كَانَ الْمُعْتِقُ أَوْ مُعْسِرًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا هُوَ حُرٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ.

(وَأَمَّا) عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَإِنْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا فَلِشَرِيكِهِ السَّاكِتِ أَنْ يَبِيعَ نَصِيبَهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْمُعْتِقَ إنْ كَانَ مُعْسِرًا فَالْإِعْتَاقُ مُنْجَزٌ فَبَقِيَ نَصِيبُ شَرِيكِهِ عَلَى مِلْكِهِ، فَيَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ، وَكُلُّ جَوَابٍ عَرَفْتَهُ فِي هَؤُلَاءِ فَهُوَ الْجَوَابُ فِي الْأَوْلَادِ مِنْ هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَحْدُثُ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ، وَلِهَذَا كَانَ وَلَدُ الْحُرَّةِ حُرًّا، وَوَلَدُ الْأَمَةِ رَقِيقًا وَكَمَا لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ، وَوَلَدِهِ الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ وَلَدِهِ الْمُشْتَرَى فِي الْكِتَابَةِ، وَوَالِدَتِهِ؛ لِأَنَّهُمْ تَكَاتَبُوا بِالشِّرَاءِ.

(وَأَمَّا) مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ إذَا اشْتَرَاهُمْ يَجُوزُ بَيْعُهُمْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَكَاتَبُوا بِالشِّرَاءِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُمْ تَكَاتَبُوا وَهِيَ مَسْأَلَةُ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَكَذَلِكَ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَالْمُرْتَدِّ، وَالْمُشْرِكِ؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ، وَكَذَا مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا - عِنْدَنَا - خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَهِيَ مَسْأَلَةُ.

(كِتَابِ الذَّبَائِحِ) وَكَذَا ذَبِيحَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ؛ لِأَنَّهَا فِي مَعْنَى الْمَيْتَةِ، وَكَذَا مَا ذُبِحَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ مُحْرِمًا كَانَ الذَّابِحُ، أَوْ حَلَالًا، وَمَا ذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ مِنْ الصَّيْدِ سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مَيْتَةٌ.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ صَيْدِ الْحَرَمِ مُحْرِمًا كَانَ الْبَائِعُ أَوْ حَلَالًا؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا، فَلَمْ يَكُنْ مَالًا، وَلَا بَيْعُ صَيْدِ الْمُحْرِمِ سَوَاءٌ كَانَ صَيْدَ الْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ؛ لِأَنَّهُ حَرَامٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي حَقِّهِ، فَلَا يَكُونُ مَالًا فِي حَقِّهِ، وَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا بِبَيْعِ صَيْدٍ فَبَاعَهُ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: بَاطِلٌ، وَهُوَ عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُسْلِمٍ وَكَّلَ ذِمِّيًّا بِبَيْعِ خَمْرٍ فَبَاعَهَا.

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَائِعَ هُوَ الْمُوَكِّلُ مَعْنًى؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْبَيْعِ يَقَعُ لَهُ، وَالْمُحْرِمُ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمْلِيكِ الصَّيْدِ، وَتَمَلُّكِهِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْبَائِعَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَكِيلُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ كَلَامُهُ الْقَائِمُ بِهِ حَقِيقَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>