للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

: لَا يَجُوزُ ثُمَّ عِنْدَنَا: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ، وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَيَجُوزَ بَيْعُهُ كَيْفَ مَا كَانَ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْكَلْبِ الْعَقُورِ، وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ الْمُكْرَمِ أَنَّهُ قَالَ: «وَمِنْ السُّحْتِ مَهْرُ الْبَغِيِّ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ» وَلَوْ جَازَ بَيْعُهُ لَمَا كَانَ ثَمَنُهُ سُحْتًا، وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَالْخِنْزِيرِ إلَّا أَنَّهُ رُخِّصَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِجِهَةِ الْحِرَاسَةِ، وَالِاصْطِيَادِ لِلْحَاجَةِ، وَالضَّرُورَةِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْبَيْعِ كَمَا فِي شَعْرِ الْخِنْزِيرِ.

(وَلَنَا) : أَنَّ الْكَلْبَ مَالٌ، فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالصَّقْرِ، وَالْبَازِي، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مَالٌ أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ مَالًا، وَلَا شَكَّ أَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِهِ بِجِهَةِ الْحِرَاسَةِ، وَالِاصْطِيَادِ مُطْلَقٌ شَرْعًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إذَا صَادَفَ مَحَلًّا مُنْتَفَعًا بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحَ الِانْتِفَاعُ بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِهِ؛ لِأَنَّ شَرْعَهُ يَقَعُ سَبَبًا، وَوَسِيلَةً لِلِاخْتِصَاصِ الْقَاطِعِ لِلْمُنَازَعَةِ إذْ الْحَاجَةُ إلَى قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فِيمَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ لَا فِيمَا يَجُوزُ.

(وَأَمَّا) الْحَدِيثُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَلِفُوا اقْتِنَاءَ الْكِلَابِ فَأَمَرَ بِقَتْلِهَا، وَنَهَى عَنْ بَيْعِهَا مُبَالَغَةً فِي الزَّجْرِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى هَذَا تَوْفِيقًا بَيْنَ الدَّلَائِلِ قَوْلُهُ: أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ، قُلْنَا: هَذَا مَمْنُوعٌ فَإِنَّهُ يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ اصْطِيَادًا، وَحِرَاسَةً.

وَنَجِسُ الْعَيْنِ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا إلَّا فِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ كَالْخِنْزِيرِ.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْخِنْزِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ بَعْضِ مَشَايِخِنَا فَلِأَنَّهُ مُبَاحٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا لَهُمْ كَالْخَلِّ، وَكَالشَّاةِ لَنَا فَكَانَ مَالًا فِي حَقِّهِمْ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَرُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَتَبَ إلَى عُشَّارِهِ بِالشَّامِ أَنْ وَلُّوهُمْ بَيْعَهَا، وَخُذُوا الْعُشْرَ مِنْ أَثْمَانِهَا، وَلَوْ لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْخَمْرِ مِنْهُمْ لَمَا أَمَرَهُمْ بِتَوْلِيَتِهِمْ الْبَيْعَ، وَعَنْ بَعْضِ مَشَايِخِنَا: حُرْمَةُ الْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ ثَابِتَةٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ، وَالْكَافِرِ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِشَرَائِعَ هِيَ حُرُمَاتٌ هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا فَكَانَتْ الْحُرْمَةُ ثَابِتَةً فِي حَقِّهِمْ لَكِنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ عَنْ بَيْعِهَا؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَ حُرْمَتَهَا، ويتمولونها.

وَنَحْنُ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ، وَمَا يَدِينُونَ، وَلَوْ بَاعَ ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ خَمْرًا، أَوْ خِنْزِيرًا ثُمَّ أَسْلَمَا أَوْ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَبْضِ يُفْسَخُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِسْلَامِ حَرُمَ الْبَيْعُ، وَالشِّرَاءُ، فَيَحْرُمُ الْقَبْضُ، وَالتَّسْلِيمُ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْإِنْشَاءَ أَوْ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُلْحَقُ بِهِ فِي بَابِ الْحُرُمَاتِ احْتِيَاطًا، وَأَصْلُهُ قَوْله تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [البقرة: ٢٧٨] وَالْأَمْرُ بِتَرْكِ مَا بَقِيَ مِنْ الرِّبَا هُوَ النَّهْيُ عَنْ قَبْضَتِهِ يُؤَيِّدُهُ قَوْله تَعَالَى فِي آخِرِ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ: ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [البقرة: ٢٧٩] وَإِذَا حَرُمَ الْقَبْضُ، وَالتَّسْلِيمُ لَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْعَقْدِ فَائِدَةٌ، فَيُبْطِلَهُ الْقَاضِي كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَأَبَقَ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَوْ كَانَ إسْلَامُهُمَا أَوْ إسْلَامُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَبْضِ مَضَى الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ قَدْ ثَبَتَ عَلَى الْكَمَالِ بِالْعَقْدِ، وَالْقَبْضِ فِي حَالَةِ الْكُفْرِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ دَوَامُ الْمِلْكِ.

وَالْإِسْلَامُ لَا يُنَافِي ذَلِكَ فَإِنَّ مَنْ تَخَمَّرَ عَصِيرُهُ لَا يُؤْمَرُ بِإِبْطَالِ مِلْكِهِ فِيهَا، وَلَوْ أَقْرَضَ الذِّمِّيُّ ذِمِّيًّا خَمْرًا ثُمَّ أَسْلَمَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَسْلَمَ الْمُقْرِضُ سَقَطَتْ الْخَمْرُ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْخَمْرِ عَلَى الْمُسْتَقْرِضِ أَمَّا سُقُوطُ قِيمَةِ الْخَمْرِ، فَلِأَنَّ الْعَجْزَ عَنْ قَبْضِ الْمِثْلِ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ الْمُسْتَقْرِضُ.

رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ تَسْقُطُ الْخَمْرُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخَمْرِ أَيْضًا كَمَا لَوْ أَسْلَمَ الْمُقْرِضُ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ، وَزُفَرُ، وَعَافِيَةُ بْنُ زِيَادٍ الْقَاضِي عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْخَمْرِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ .

(وَجْهُ) هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ امْتِنَاعَ التَّسْلِيمِ مِنْ الْمُسْتَقْرِضِ إنَّمَا جَاءَ لِمَعْنًى مِنْ قِبَلِهِ، وَهُوَ إسْلَامُهُ فَكَأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ عَلَيْهِ خَمْرَهُ، وَالْمُسْلِمُ إذَا اسْتَهْلَكَ خَمْرَ الذِّمِّيِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا سَبِيلَ إلَى تَسْلِيمِ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ، وَلَا إلَى الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ مِلْكَ الْمُسْتَقْرِضِ، وَالْإِسْلَامُ يَمْنَعُ مِنْهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَأَمَّا الْقِرْدُ.

فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ عَدَمِ الْجَوَازِ أَنَّهُ غَيْرُ مُنْتَفَعٍ بِهِ شَرْعًا فَلَا يَكُونَ مَالًا كَالْخِنْزِيرِ.

(وَجْهُ) رِوَايَةِ الْجَوَازِ: أَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُنْتَفَعًا بِهِ بِذَاتِهِ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ، وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَى لِلِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ عَادَةً بَلْ لِلَّهْوِ بِهِ، وَهُوَ حَرَامٌ فَكَانَ هَذَا بَيْعَ الْحَرَامِ لِلْحَرَامِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ الْفِيلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>