للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ مُنْتَفَعٌ بِهِ حَقِيقَةً مُبَاحٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ مَالًا.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْحَيَّةِ، وَالْعَقْرَبِ، وَجَمِيعِ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْوَزَغَةِ، وَالضَّبِّ، وَالسُّلَحْفَاةِ، وَالْقُنْفُذِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا مُحَرَّمَةٌ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا؛ لِكَوْنِهَا مِنْ الْخَبَائِثِ فَلَمْ تَكُنْ أَمْوَالًا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهَا، وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْحَيَّةِ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا لِلْأَدْوِيَةِ، وَهَذَا غَيْرُ سَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْمُحَرَّمَ شَرْعًا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ لِلتَّدَاوِي كَالْخَمْرِ، وَالْخِنْزِيرِ وَقَالَ النَّبِيُّ : «لَمْ يُجْعَلْ شِفَاؤُكُمْ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ» فَلَا تَقَعُ الْحَاجَةُ إلَى شَرْعِ الْبَيْعِ.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّا يَكُونُ فِي الْبَحْرِ كَالضِّفْدَعِ، وَالسَّرَطَانِ إلَّا السَّمَكَ، وَمَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ، أَوْ عَظْمِهِ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِجِلْدِهِ، وَلَا بِهِ، وَلَا بِعَظْمِهِ لَا يَكُونُ مَالًا فَلَا يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ «سُئِلَ عَنْ الضِّفْدَعِ يُجْعَلُ فِي دَوَاءٍ فَنَهَى عَنْهُ، وَقَالَ: خَبِيثَةٌ مِنْ الْخَبَائِثِ» ، وَذَكَرَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافِيُّ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ، وَذُكِرَ فِي الْفَتَاوَى: أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَنْتَفِعُونَ بِهِ.

وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ النَّحْلِ إلَّا إذَا كَانَ فِي كُوَّارَتِهِ عَسَلٌ فَبَاعَ الْكُوَّارَةَ بِمَا فِيهَا مِنْ الْعَسَلِ، وَالنَّحْلِ، وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُنْفَرِدًا مِنْ غَيْرِ كُوَّارَتِهِ إذَا كَانَ مَجْمُوعًا، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ النَّحْلَ حَيَوَانٌ مُنْتَفَعٌ بِهِ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ.

(وَلَنَا) : أَنَّهُ لَيْسَ بِمُنْتَفَعٍ بِهِ فَلَمْ يَكُنْ مَالًا بِنَفْسِهِ بَلْ بِمَا يَحْدُثُ مِنْهُ، وَهُوَ مَعْدُومٌ حَتَّى لَوْ بَاعَهُ مَعَ الْكُوَّارَةِ، وَفِيهَا عَسَلٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ تَبَعًا لِلْعَسَلِ، وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَكُونَ الشَّيْءُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ بِنَفْسِهِ مُفْرَدًا، وَيَكُونَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ مَعَ غَيْرِهِ كَالشُّرْبِ، وَأَنْكَرَ الْكَرْخِيُّ هَذَا فَقَالَ: إنَّمَا يَدْخُلُ فِيهِ تَبَعًا إذَا كَانَ مِنْ حُقُوقِهِ كَمَا فِي الشُّرْبِ مَعَ الْأَرْضِ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ حُقُوقِهِ، وَعَلَى هَذَا بَيْعُ دُودِ الْقَزِّ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا إذَا كَانَ مَعَهُ قَزٌّ، وَرَوَى مُحَمَّدٌ أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ مُفْرَدًا، وَالْحُجَجُ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي النَّحْلِ، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ بَذْرِ الدُّودِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الدُّودِ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

(وَوَجْهُ) الْكَلَامِ فِيهِ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي بَيْعِ النَّحْلِ، وَالدُّودِ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ السِّرْقِينِ، وَالْبَعْرِ؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ الِانْتِفَاعُ بِهِ شَرْعًا عَلَى الْإِطْلَاقِ فَكَانَ مَالًا، وَلَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ الْعَذِرَةِ الْخَالِصَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُبَاحُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِحَالٍ، فَلَا تَكُونُ مَالًا إلَّا إذَا كَانَ مَخْلُوطًا بِالتُّرَابِ، وَالتُّرَابُ غَالِبٌ فَيَجُوزُ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: " كُلُّ شَيْءٍ أَفْسَدَهُ الْحَرَامُ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَلَالُ فَلَا بَأْسَ بِبَيْعِهِ " وَنُبَيِّنُ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْحَرَامَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَلَا هِبَتُهُ كَالْفَأْرَةِ إذَا وَقَعَتْ فِي الْعَجِينِ، وَالسَّمْنِ الْمَائِعِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الزَّيْتِ إذَا وَقَعَ فِيهِ وَدَكُ الْمَيْتَةِ: " إنَّهُ إنْ كَانَ الزَّيْتُ غَالِبًا يَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَانَ الْوَدَكُ غَالِبًا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ " لِأَنَّ الْحَلَالَ إذَا كَانَ هُوَ الْغَالِبَ يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ اسْتِصْحَابًا، وَدَبْغًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي.

(كِتَابِ الطَّهَارَاتِ) فَكَانَ مَالًا فَيَجُوزُ بَيْعُهُ، وَإِذَا كَانَ الْحَرَامُ هُوَ الْغَالِبَ لَمْ يَجُزْ الِانْتِفَاعُ بِهِ بِوَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ.

وَيَجُوزُ بَيْعُ آلَاتِ الْمَلَاهِي مِنْ الْبَرْبَطِ، وَالطَّبْلِ، وَالْمِزْمَارِ، وَالدُّفِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: لَا يَنْعَقِدُ بَيْعُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؛ لِأَنَّهَا آلَاتٌ مُعَدَّةٌ لِلتَّلَهِّي بِهَا مَوْضُوعَةٌ لِلْفِسْقِ، وَالْفَسَادِ فَلَا تَكُونُ أَمْوَالًا فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا شَرْعًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى بِأَنْ تُجْعَلَ ظُرُوفًا لِأَشْيَاءَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمَصَالِحِ فَلَا تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا أَمْوَالًا، وَقَوْلُهُمَا: إنَّهَا آلَاتُ التَّلَهِّي، وَالْفِسْقِ بِهَا قُلْنَا نَعَمْ لَكِنَّ هَذَا لَا يُوجِبُ سُقُوطَ مَالِيَّتِهَا كَالْمُغَنِّيَاتِ، وَالْقِيَانِ، وَبَدَنِ الْفَاسِقِ، وَحَيَاتِهِ، وَمَالِهِ، وَهَذَا؛ لِأَنَّهَا كَمَا تَصْلُحُ لِلتَّلَهِّي تَصْلُحُ لِغَيْرِهِ عَلَى مَالِيَّتِهَا بِجِهَةِ إطْلَاقِ الِانْتِفَاعِ بِهَا لَا بِجِهَةِ الْحُرْمَةِ، وَلَوْ كَسَرَهَا إنْسَانٌ ضَمِنَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْعُ النَّرْدِ، وَالشِّطْرَنْجِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُنْتَفَعٌ بِهِ شَرْعًا مِنْ، وَجْهٍ آخَرَ بِأَنْ يُجْعَلَ صَنَجَاتِ الْمِيزَانِ فَكَانَ مَالًا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ فَكَانَ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ

وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا سِوَى الْخَمْرِ مِنْ الْأَشْرِبَةِ الْمُحَرَّمَةِ كَالسُّكَّرِ، وَنَقِيعِ الزَّبِيبِ، وَالْمُنَصَّفِ، وَنَحْوِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَرُمَ شُرْبُهَا لَمْ تَكُنْ مَالًا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالْخَمْرِ، وَلِأَنَّ مَا حَرُمَ شُرْبُهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الشُّحُومُ فَجَمَّلُوهَا، وَبَاعُوهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إذَا حَرَّمَ شَيْئًا حَرَّمَ بَيْعَهُ، وَأَكْلَ ثَمَنِهِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ مَا ثَبَتَتْ بِدَلِيلٍ مُتَيَقَّنٍ مَقْطُوعٍ بِهِ لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الِاجْتِهَادِ

<<  <  ج: ص:  >  >>