لَا الصِّفَةَ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ تَبَعًا عَلَى مَا بَيَّنَّا وَمِنْ حَيْثُ إنَّهَا أَصْلٌ لَا يُسَلَّمُ لَهُ إلَّا بِزِيَادَةِ ثَمَنٍ اعْتِبَارًا لِلْجِهَتَيْنِ جَمِيعًا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي أَخْذِ الزِّيَادَةِ وَتَرْكِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَزِمَهُ الْأَخْذُ، لَا مَحَالَةَ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ ثَمَنٍ؛ لَمْ يَكُنْ لُزُومُهَا ظَاهِرًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَاخْتَلَّ رِضَاهُ فَوَجَبَ الْخِيَارُ وَفِي النُّقْصَانِ إنْ شَاءَ طَرَحَ قَدْرَ النُّقْصَانِ وَأَخَذَ الْبَاقِيَ اعْتِبَارًا لِجِهَةِ الْأَصَالَةِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ تَفَرَّقَتْ عَلَيْهِ وَأَوْجَبَ خَلَلًا فِي الرِّضَا وَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ هَذَا إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ ذِرَاعًا تَامًّا فَأَمَّا إذَا كَانَتْ دُونَ ذِرَاعٍ لَمْ يُذْكَرْ هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَاتِ وَذُكِرَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ اخْتِلَافُ أَقَاوِيلِ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ فِي كَيْفِيَّةِ الْخِيَارِ فِيهِ: فَأَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فَرَّقَا بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ جَعَلَ زِيَادَةَ نِصْفِ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ زِيَادَةِ ذِرَاعٍ كَامِلٍ فَقَالَ: إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِأَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ نِصْفِ ذِرَاعٍ كَلَا نُقْصَانَ لَكِنْ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَقَالَ: إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَا يَطْرَحُ مِنْ الثَّمَنِ شَيْئًا لِأَجْلِ النُّقْصَانِ وَمُحَمَّدٌ جَعَلَ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ فَجَعَلَ زِيَادَةَ نِصْفِ ذِرَاعٍ كَلَا زِيَادَةَ فَقَالَ: يَأْخُذُ الْمُشْتَرِي بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَلَا خِيَارَ لَهُ، وَجَعَلَ نُقْصَانَ نِصْفِ ذِرَاعٍ كَنُقْصَانِ ذِرَاعٍ كَامِلٍ وَقَالَ: إنْ شَاءَ أَخَذَ بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ.
(وَأَمَّا) أَبُو يُوسُفَ ﵀ فَسَوَّى بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَقَالَ فِي زِيَادَةِ نِصْفِ ذِرَاعٍ: يُزَادُ عَلَى الثَّمَنِ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ الْخِيَارُ: إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَقَالَ فِي نُقْصَانِ نِصْفِ ذِرَاعٍ: يَنْقُصُ مِنْ الثَّمَنِ نِصْفَ دِرْهَمٍ وَلَهُ الْخِيَارُ: إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ وَنِصْفٍ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَالْقِيَاسُ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ وَهُوَ اعْتِبَارُ الْجُزْءِ بِالْكُلِّ إلَّا أَنَّهُمَا كَأَنَّهُمَا اسْتَحْسَنَا لِتَعَامُلِ النَّاسِ؛ فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ زِيَادَةَ نِصْفِ ذِرَاعٍ بِمَنْزِلَةِ ذِرَاعٍ تَامٍّ وَنُقْصَانَ نِصْفِ ذِرَاعٍ كَلَا نُقْصَانَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْعَادَاتِ فِي بِيَاعَاتِهِمْ وَأَشْرِيَتِهِمْ لَا يَعُدُّونَ نُقْصَانَ نِصْفِ ذِرَاعٍ نُقْصَانًا بَلْ يَحْسِبُونَهُ ذِرَاعًا تَامًّا، فَبَنَى الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى تَعَامُلِ النَّاسِ وَجَعَلَ مُحَمَّدٌ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا أَنَّ الْبَاعَةَ يُسَامِحُونَ فِي زِيَادَةِ نِصْفٍ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسَمَّى فِي الْبَيْعِ عَادَةً وَلَا يَعُدُّونَهُ زِيَادَةً؛ فَكَانَتْ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ عَادَةً كَأَنَّهُ لَمْ يَزِدْ وَكَذَا يُسَامِحُونَ فَيَعُدُّونَ نُقْصَانَ نِصْفِ ذِرَاعٍ فِي الْعَادَاتِ نُقْصَانَ ذِرَاعٍ كَامِلٍ؛ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِتَعَامُلِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اخْتِلَافُ جَوَابِهِمَا لِاخْتِلَافِ عَادَاتِ النَّاسِ وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ الْمَذْرُوعَاتِ مِنْ الْأَرْضِ وَالْخَشَبِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُ إنْ لَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ الْأَرْضَ عَلَى أَنَّهَا أَلْفُ ذِرَاعٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِمَا قُلْنَا ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا مِثْلَ مَا سَمَّى فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَيَلْزَمْهُ الْأَرْضُ كُلُّ ذِرَاعٍ بِدِرْهَمٍ وَإِنْ وَجَدَهَا أَزْيَدَ فَالزِّيَادَةُ سَالِمَةٌ لَهُ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ وَجَدَهَا أَنْقَصَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهَا بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ زِيَادَةَ الذَّرْعِ فِي الذَّرْعِيَّاتِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الصِّفَاتِ وَالثَّمَنُ يُقَابِلُ الْأَصْلَ دُونَ الصِّفَةِ وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ ذِرَاعٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ بِأَنْ قَالَ: كُلُّ ذِرَاعٍ بِكَذَا؛ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ لِمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنْ وَجَدَهَا مِثْلَ مَا سَمَّى فَالْأَمْرُ مَاضٍ، وَإِنْ وَجَدَهَا أَزْيَدَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ: إنْ شَاءَ أَخَذَ الزِّيَادَةَ بِثَمَنِهَا، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ زِيَادَةُ ثَمَنٍ لَمْ يَلْتَزِمْهُ لِذَا الْعَقْدِ وَإِنْ وَجَدَهُ أَنْقَصَ تَسْقُطْ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَلَهُ الْخِيَارُ لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي الثَّوْبِ وَعَلَى هَذَا الْخَشَبُ وَغَيْرُهُ مِنْ الذَّرْعِيَّاتِ وَعَلَى هَذَا الْمَوْزُونَاتُ الَّتِي فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرٌ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ هَذِهِ السَّبِيكَةَ مِنْ الذَّهَبِ عَلَى أَنَّهَا مِثْقَالَانِ بِكَذَا فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ثُمَّ إنْ وُجِدَ عَلَى مَا سَمَّى فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَإِنْ وَجَدَهُ أَزْيَدَ أَوْ أَنْقَصَ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِي الذَّرْعِيَّاتِ وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ مَصُوغًا مِنْ نُحَاسٍ أَوْ صُفْرٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا مَنًّا بِكَذَا دِرْهَمًا فَوَجَدَهُ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ فَهُوَ عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ الْوَزْنَ فِي مِثْلِهِ يَكُونُ مُلْحَقًا بِالصِّفَةِ بِمَنْزِلَةِ الذَّرْعِ فِي الذَّرْعِيَّاتِ؛ لِأَنَّ تَبْعِيضَهُ يُوجِبُ تَعْيِيبَ الْبَاقِي وَهَذَا حَدُّ الصِّفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ وَلَوْ بَاعَ مَصُوغًا مِنْ الْفِضَّةِ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يُسَمِّ لِكُلِّ عَشَرَةٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ بِأَنْ قَالَ: بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَمْ يَقُلْ: كُلُّ وَزْنِ عَشَرَةٍ بِدِينَارٍ وَتَقَابَضَا وَافْتَرَقَا؛ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ ثُمَّ إنْ وَجَدَهُ عَلَى مَا سَمَّى؛ فَالْأَمْرُ مَاضٍ وَلَا خِيَارَ وَإِنْ وَجَدَهُ أَزْيَدَ بِأَنْ كَانَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَالْكُلُّ لِلْمُشْتَرِي بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ وَلَا يُزَادُ فِي الثَّمَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الصِّفَةِ وَالصِّفَاتُ الْمَحْضَةُ لَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ، وَإِنْ وَجَدَهُ تِسْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ فَهُوَ بِالْخِيَارِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ سَمَّى لِكُلِّ عَشَرَةٍ ثَمَنًا عَلَى حِدَةٍ بِأَنْ قَالَ: بِعْتُ مِنْكَ عَلَى أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةٌ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ، كُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute