للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرِّضَا طَبْعًا فَتَأَخَّرَ الْمِلْكُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الْقَبْضِ، أَمَّا هَهُنَا فَلَمْ يُوجَدْ الرِّضَا بِمُبَاشَرَةِ السَّبَبِ فِي الْجَانِبَيْنِ أَصْلًا؛ فَلَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فَتَوَقَّفَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، هَذَا إذَا كَانَتْ التَّلْجِئَةُ فِي إنْشَاءِ الْبَيْعِ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي الْإِقْرَارِ بِهِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يُقِرَّا بِبَيْعٍ لَمْ يَكُنْ فَأَقَرَّا بِذَلِكَ ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ بِإِجَازَتِهِمَا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ، وَصِحَّةُ الْإِخْبَارِ بِثُبُوتِ الْمُخْبَرِ بِهِ حَالَ وُجُودِ الْإِخْبَارِ، فَإِنْ كَانَ ثَابِتًا كَانَ الْإِخْبَارُ صِدْقًا وَإِلَّا فَيَكُونُ كَذِبًا، وَالْمُخْبَرُ بِهِ هَهُنَا وَهُوَ الْبَيْعُ لَيْسَ بِثَابِتٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْإِجَازَةَ؛ لِأَنَّهَا تَلْحَقُ الْمَوْجُودَ لَا الْمَعْدُومَ، هَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَتْ التَّلْجِئَةُ فِي نَفْسِ الْبَيْعِ إنْشَاءً كَانَ، أَوْ إقْرَارًا.

فَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي الثَّمَنِ فَهَذَا أَيْضًا لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا إنْ كَانَتْ فِي قَدْرِ الثَّمَنِ، وَإِمَّا إنْ كَانَتْ فِي جِنْسِهِ فَإِنْ كَانَتْ فِي قَدْرِهِ بِأَنْ تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ وَالْبَاطِنِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ أَلْفًا وَيَتَبَايَعَانِ فِي الظَّاهِرِ بِأَلْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَقُولَا عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ أَلْفٌ مِنْهُمَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ اسْمٌ لِلْمَذْكُورِ عِنْدَ الْعَقْدِ، وَالْمَذْكُورُ عِنْدَ الْعَقْدِ أَلْفَانِ، فَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَنَّ أَحَدَهُمَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ صَحَّتْ تَسْمِيَةُ الْأَلْفَيْنِ، وَإِنْ قَالَا عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ أَلْفٌ مِنْهُمَا رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالثَّمَنُ ثَمَنُ السِّرِّ، وَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الثَّمَنَ ثَمَنُ الْعَلَانِيَةِ، وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ الثَّمَنَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ، وَالْأَلْفَانِ مَذْكُورَانِ فِي الْعَقْدِ وَمَا ذَكَرَا فِي الْمُوَاضَعَةِ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ فَلَا يُعْتَبَرُ.

(وَجْهُ) ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ: أَنَّ مَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ فِي السِّرِّ هُوَ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ فِي الْعَلَانِيَةِ إلَّا أَنَّهُمَا زَادَا عَلَيْهِ أَلْفًا أُخْرَى، وَالْمُوَاضَعَةُ السَّابِقَةُ أَبْطَلَتْ الزِّيَادَةَ؛ لِأَنَّهُمَا فِي هُزْلَانِهَا حَيْثُ لَمْ يَقْصِدَاهَا فَلَمْ يَصِحَّ ذِكْرُ الزِّيَادَةِ فِي الْبَيْعِ؛ فَيَبْقَى الْبَيْعُ بِمَا تَوَاضَعَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَلْفُ، وَإِنْ كَانَتْ فِي جِنْسِهِ بِأَنْ اتَّفَقَا فِي السِّرِّ عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ أَلْفُ دِرْهَمٍ لَكِنَّهُمَا يُظْهِرَا أَنَّ الْبَيْعَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا فِي الْمُوَاضَعَةِ: إنَّ ثَمَنَ الْعَلَانِيَةِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ فَالثَّمَنُ مَا تَعَاقَدَا عَلَيْهِ؛ لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ قَالَا ذَلِكَ فَالْقِيَاسُ: أَنْ يَبْطُلَ الْعَقْدُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِحُّ بِمِائَةِ دِينَارٍ.

(وَجْهُ) الْقِيَاسِ: أَنَّ ثَمَنَ السِّرِّ لَمْ يَذْكُرَاهُ فِي الْعَقْدِ، وَثَمَنَ الْعَلَانِيَةِ لَمْ يَقْصِدَاهُ فَقَدْ هَزِلَا بِهِ فَسَقَطَ، وَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَلَا يَصِحُّ.

(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّهُمَا لَمْ يَقْصِدَا بَيْعًا بَاطِلًا، بَلْ بَيْعًا صَحِيحًا فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ مَا أَمْكَنَ، وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصِّحَّةِ إلَّا بِثَمَنِ الْعَلَانِيَةِ فَكَأَنَّهُمَا انْصَرَفَا عَمَّا شَرَطَاهُ فِي الْبَاطِنِ؛ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالظَّاهِرِ كَمَا لَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَبِيعَاهُ بَيْعَ تَلْجِئَةٍ فَتَوَاهَبَا بِخِلَافِ الْأَلْفِ، وَالْأَلْفَيْنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَذْكُورَ الْمَشْرُوطَ فِي السِّرِّ مَذْكُورٌ فِي الْعَقْدِ، وَزِيَادَةٌ فَتَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِهِ هَذَا إذَا تَوَاضَعَا فِي السِّرِّ، وَلَمْ يَتَعَاقَدَا فِي السِّرِّ فَأَمَّا إذَا تَعَاقَدَا فِي السِّرِّ بِثَمَنٍ ثُمَّ تَوَاضَعَا عَلَى أَنْ يُظْهِرَا الْعَقْدَ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ بِجِنْسٍ آخَرَ، فَإِنْ لَمْ يَقُولَا: إنَّ الْعَقْدَ الثَّانِيَ رِيَاءٌ، وَسُمْعَةٌ فَالْعَقْدُ الثَّانِي يَرْفَعُ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ، وَالثَّمَنُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ وَالْإِقَالَةَ فَشُرُوعُهُمَا فِي الْعَقْدِ الثَّانِي إبْطَالٌ لِلْأَوَّلِ فَبَطَلَ الْأَوَّلُ، وَانْعَقَدَ الثَّانِي بِمَا سُمِّي عِنْدَهُ، وَإِنْ قَالَا: رِيَاءٌ، وَسُمْعَةٌ فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْ جِنْسٍ آخَرَ فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُمَا لَمْ يَذْكُرَا الرِّيَاءَ، وَالسُّمْعَةَ فَقَدْ أَبْطَلَا الْمُسَمَّى فِي الْعَقْدِ الثَّانِي فَلَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ الثَّانِي فَبَقِيَ الْعَقْدُ الْأَوَّلُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَوَّلِ فَالْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَكَانَ الْعَقْدُ هُوَ الْعَقْدُ الثَّانِي، لَكِنْ بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ وَالزِّيَادَةُ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا أَبْطَلَاهَا حَيْثُ هَزِلَا بِهَا هَذَا إذَا تَوَاضَعَا، وَاتَّفَقَا فِي التَّلْجِئَةِ فِي الْبَيْعِ فَتَبَايَعَا وَهُمَا مُتَّفِقَانِ عَلَى مَا تَوَاضَعَا، فَأَمَّا إذَا اخْتَلَفَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا التَّلْجِئَةَ، وَأَنْكَرَ الْآخَرُ، وَزَعَمَ أَنَّ الْبَيْعَ بَيْعُ رَغْبَةٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُنْكِرِ التَّلْجِئَةِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنْ التَّلْجِئَةِ إذَا طَلَبَ الثَّمَنَ، وَإِنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ عَلَى التَّلْجِئَةِ تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرْطَ بِالْبَيِّنَةِ فَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ كَمَا لَوْ أَثْبَتَ الْخِيَارَ بِالْبَيِّنَةِ، ثُمَّ هَذَا التَّفْرِيعُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْمُوَاضَعَةَ السَّابِقَةَ، فَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ فَلَا يَجِيءُ هَذَا التَّفْرِيعُ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ الْعَقْدَ الظَّاهِرَ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى هَذِهِ الدَّعْوَى؛ لِأَنَّهَا - وَإِنْ صَحَّتْ - لَا تُؤَثِّرُ فِي الْبَيْعِ الظَّاهِرِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الْخِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَيْهِ فَقَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي جَوَازَ الْبَيْعِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ يَدَّعِي التَّلْجِئَةَ، وَالْعَقْدُ فَاسِدٌ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى التَّلْجِئَةِ ثُمَّ قَالَا عِنْدَ الْبَيْعِ: كُلُّ شَرْطٍ كَانَ بَيْنَنَا فَهُوَ بَاطِلٌ تَبْطُلُ التَّلْجِئَةُ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ زَائِدٌ فَاحْتَمَلَ السُّقُوطَ بِالْإِسْقَاطِ، وَمَتَى سَقَطَ صَارَ الْعَقْدُ جَائِزًا، إلَّا إذَا اتَّفَقَا عِنْدَ الْمُوَاضَعَةِ، وَقَالَا: إنَّ مَا نَقُولُهُ عِنْدَ الْبَيْعِ أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>