كُلَّ شَرْطٍ بَيْنَنَا فَهُوَ بَاطِلٌ فَذَلِكَ الْقَوْلُ مِنَّا بَاطِلٌ، فَإِذَا قَالَا ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ مَا يُبْطِلَانِهِ مِنْ الشَّرْطِ عَنْدَ الْعَقْدِ بَاطِلٌ إلَّا إذَا حَكَيَا فِي الْعَلَانِيَةِ مَا قَالَا فِي السِّرِّ فَقَالَا: إنَّا شَرَطْنَا كَذَا، وَكَذَا، وَقَدْ أَبْطَلْنَا ذَلِكَ ثُمَّ تَبَايَعَا فَيَجُوزُ الْبَيْعُ، ثُمَّ كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ التَّلْجِئَةِ لَا يَجُوزُ الْإِقْرَارُ بِالتَّلْجِئَةِ بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ: إنِّي أُقِرُّ لَكَ فِي الْعَلَانِيَةِ بِمَالِي، أَوْ بِدَارِي، وَتَوَاضَعَا عَلَى فَسَادِ الْإِقْرَارِ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَهُ الْمُقَرُّ لَهُ، وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الَّذِي يَخُصُّ بَعْضَ الْبِيَاعَاتِ دُونَ بَعْضٍ فَأَنْوَاعٌ أَيْضًا: (مِنْهَا) أَنْ يَكُونَ الْأَجَلُ مَعْلُومًا فِي بَيْعٍ فِيهِ أَجَلٌ فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا يَفْسُدُ الْبَيْعُ سَوَاءٌ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً: كَهُبُوبِ الرِّيحِ، وَمَطَرِ السَّمَاءِ، وَقُدُومِ فُلَانٍ، وَمَوْتِهِ، وَالْمَيْسَرَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، أَوْ مُتَقَارِبَةً: كَالْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ، وَالنَّيْرُوزِ، وَالْمِهْرَجَانِ، وَقُدُومِ الْحَاجِّ، وَخُرُوجِهِمْ، وَالْجُذَاذِ، وَالْجِزَارِ، وَالْقِطَافِ، وَالْمِيلَادِ، وَصَوْمِ النَّصَارَى، وَفِطْرِهِمْ قَبْلَ دُخُولِهِمْ فِي صَوْمِهِمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ فِيهِ غَرَرُ الْوُجُودِ، وَالْعَدَمِ، وَالنَّوْعُ الثَّانِي مِمَّا يَتَقَدَّمُ، وَيَتَأَخَّرُ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَلَوْ بَاعَ الْعَيْنَ بِثَمَنِ دَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ جَهَالَةً مُتَقَارِبَةً، ثُمَّ أَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ قَبْلَ مَحَلِّهِ، وَقَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ جَازَ الْعَقْدُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ لَمْ يَبْطُلْ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ، وَأَخَذَ النَّاسُ فِي الْحَصَادِ، ثُمَّ أَبْطَلَ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَهَالَةُ مُتَفَاحِشَةً فَأَبْطَلَ الْمُشْتَرِي الْأَجَلَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، وَنَقَدَ الثَّمَنَ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى هَذَا إذَا بَاعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَلَمْ يُوَقِّتْ لِلْخِيَارِ وَقْتًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: أَبَدًا، أَوْ أَيَّامًا، أَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ حَتَّى فَسَدَ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَبْطَلَ خِيَارَهُ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ يَفْسُدَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ ﵀، وَإِنْ أَبْطَلَ بَعْدَ مُضِيِّ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ لَا يَجُوزُ الْعَقْدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَزُفَرَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ، وَإِنْ وَقَّتَ وَقْتًا مَعْلُومًا بِأَنْ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ، أَوْ شَهْرٌ فَأَبْطَلَ الْخِيَارَ قَبْلَ مُضِيِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَقَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ الْعَقْدُ بَيْنَهُمَا لِأَجْلِ الْفَسَادِ جَازَ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَعِنْدَهُمَا هَذَا الْخِيَارُ جَائِزٌ، وَلَوْ مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، ثُمَّ أَبْطَلَ صَاحِبُ الْخِيَارِ خِيَارَهُ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى هَذَا لَوْ عَقَدَا عَقْدَ السَّلَمِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ حَتَّى فَسَدَ السَّلَمُ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْخِيَارِ أَبْطَلَ خِيَارَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ جَازَ السَّلَمُ عِنْدَنَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ قَائِمًا فِي يَدِهِ، وَلَوْ افْتَرَقَا قَبْلَ الْإِبْطَالِ، ثُمَّ أَبْطَلَ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَعَلَى هَذَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبًا بِرَقْمِهِ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْمُشْتَرِي رَقْمَهُ حَتَّى فَسَدَ الْبَيْعُ، ثُمَّ عَلِمَ رَقْمَهُ.
فَإِنْ عَلِمَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَاخْتَارَ الْبَيْعَ جَازَ الْبَيْعُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ زُفَرَ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ زُفَرَ: أَنَّ الْبَيْعَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى الْفَسَادِ لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بَعْدَ ذَلِكَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ، وَالْأَصْلُ عِنْدَنَا: أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى الْفَسَادِ، فَإِنْ كَانَ قَوِيًّا بِأَنْ دَخَلَ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ وَهُوَ الْبَدَلُ، أَوْ الْمُبْدَلُ لَا يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ كَمَا قَالَ زُفَرُ: إذَا بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَرَطْلٍ مِنْ خَمْرٍ فَحَطَّ الْخَمْرَ عَنْ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَمْ يَدْخُلْ فِي صُلْبِ الْعَقْدِ بَلْ فِي شَرْطٍ جَائِزٍ يَحْتَمِلُ الْجَوَازَ بِرَفْعِ الْمُفْسِدِ كَمَا فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ خِيَارٍ لَمْ يُوَقَّتْ أَوْ وُقِّتَ إلَى وَقْتٍ مَجْهُولٍ كَالْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ، وَكَمَا فِي بَيْعِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ إلَى أَجَلٍ مَجْهُولٍ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، ثُمَّ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِي الْعِبَارَةِ عَنْ هَذَا الْعَقْدِ.
قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ: إنَّهُ انْعَقَدَ فَاسِدًا لَكِنْ فَسَادًا غَيْرَ مُتَقَرِّرٍ، فَإِنْ أَبْطَلَ الشَّرْطَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ بِأَنْ لَمْ يَدْخُلْ وَقْتُ الْحَصَادِ، أَوْ الْيَوْمُ الرَّابِعُ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ، وَإِنْ لَمْ يُبْطِلْ حَتَّى دَخَلَ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَالَ مَشَايِخُ خُرَاسَانَ، وَبَعْضُ مَشَايِخِنَا: بِمَا وَرَاءَ النَّهْرِ الْعَقْدُ مَوْقُوفٌ إنْ أَسْقَطَ الشَّرْطَ قَبْلَ وَقْتِ الْحَصَادِ، وَالْيَوْمِ الرَّابِعِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ جَائِزًا مِنْ الْأَصْلِ، وَإِنْ لَمْ يُسْقِطْ حَتَّى دَخَلَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ، أَوْ أَوَانُ الْحَصَادِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ، وَذُكِرَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ ﵀ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ.
فَإِنْ قَالَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلَاثِ أَنَا أُبْطِلُ خِيَارِي وَاسْتَوْجَبَ الْمَبِيعَ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْبَائِعُ شَيْئًا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَتَمَّ الْبَيْعُ، وَعَلَيْهِ الثَّمَنُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يُبْطِلَ الْبَيْعَ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ قَدْ أَبْطَلْت الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ يُبْطِلَ الْمُشْتَرِي خِيَارَهُ بَطَلَ الْبَيْعُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَسْتَوْجِبَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَنْ يُبْطِلَ خِيَارَهُ فَقَدْ نَصَّ عَلَى التَّوَقُّفِ، وَفَسَّرَهُ حَيْثُ جَعَلَ لِلْبَائِعِ حَقَّ الْفَسْخِ قَبْلَ إجَازَةِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا أَمَارَةُ الْبَيْعِ الْمَوْقُوفِ: أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute