للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاحِدٍ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ حَقُّ الْفَسْخَ، (وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ انْعَقَدَ بِوَصْفِ الْفَسَادِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ فَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَنْقَلِبَ جَائِزًا؛ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ، وَلِهَذَا لَمْ يَنْقَلِبْ إلَى الْجَوَازِ إذَا دَخَلَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ، أَوْ وَقْتُ الْحَصَادِ، وَالدِّيَاسِ.

(وَلَنَا) طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا الْعَقْدَ مَوْقُوفٌ لِلْحَالِ لَا يُوصَفُ بِالْفَسَادِ، وَلَا بِالصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَذْكُورَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا حَقِيقَةً، وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ، فَإِذَا سَقَطَ قَبْلَ دُخُولِ أَوَانِ الْحَصَادِ، وَالْيَوْمِ الرَّابِعِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُفْسِدٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَا شَرَطَ الْأَجَلَ، وَالْخِيَارَ إلَّا إلَى هَذَا الْوَقْتِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ صَحِيحًا مُفِيدًا لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ مِنْ حِينِ وُجُودِهِ كَمَا لَوْ أَسْقَطَ الْأَجَلَ الصَّحِيحَ، وَالْخِيَارَ الصَّحِيحَ، وَهُوَ خِيَارُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ مُضِيِّ يَوْمٍ، وَإِنْ لَمْ يُسْقِطْ حَتَّى مَضَتْ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ، وَدَخَلَ الْحَصَادُ تَبَيَّنَ أَنَّ الشَّرْطَ كَانَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، وَأَنَّهُ شَرْطٌ مُفْسِدٌ، وَالثَّانِي أَنَّ الْعَقْدَ فِي نَفْسِهِ مَشْرُوعٌ، لَا يَحْتَمِلُ الْفَسَادَ عَلَى مَا عُرِفَ، وَكَذَا أَصْلُ الْأَجَلِ، وَالْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ، وَأَنَّهُ يُوصَفُ الْعَقْدُ بِالْفَسَادِ لِلْحَالِ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِمَعْنًى مُجَاوِرٍ لَهُ زَائِدٍ عَلَيْهِ، وَعَلَى أَصْلِ الْأَجَلِ، وَالْخِيَارِ، وَهُوَ الْجَهَالَةُ، وَزِيَادَةُ الْخِيَارِ عَلَى الْمُدَّةِ الْمَشْرُوعَةِ فَإِنْ سَقَطَ قَبْلَ دُخُولِ، وَقْتِ الْحَصَادِ أَوْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَقَدْ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَزَالَ الْفَسَادُ؛ فَبَقِيَ الْعَقْدُ مَشْرُوعًا كَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِ، وَصْفِ الْفَسَادِ، وَإِذَا دَخَلَ الْوَقْتُ فَقَدْ تَقَرَّرَ الْمُفْسِدُ، فَتَقَرَّرَ الْفَسَادُ، وَالْفَسَادُ بَعْدَ تَقَرُّرِهِ لَا يَحْتَمِلُ الزَّوَالَ وَقَوْلُهُ: الْعَقْدُ مَا وَقَعَ فَاسِدًا مِنْ حِينِ وُجُودِهِ قُلْنَا عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ: مَمْنُوعٌ بَلْ هُوَ مَوْقُوفٌ، وَعَلَى الطَّرِيقِ الثَّانِي: مُسَلَّمٌ لَكِنْ لَا لِعَيْنِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الشَّرْطُ الْمُجَاوِرُ الْمُفْسِدُ، وَقَدْ أَسْقَطَ الْمُفْسِدَ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ فَزَالَ الْفَسَادُ الثَّابِتُ؛ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَبَقِيَ مَشْرُوعًا، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ -.

وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ، ثُمَّ أَخَّرَ إلَى الْآجَالِ الْمُتَقَارِبَةِ جَازَ التَّأْخِيرُ، وَلَوْ أَخَّرَ إلَى الْآجَالِ الْمُتَفَاحِشَةِ لَمْ يَجُزْ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ حَالٌّ فَرَّقَ بَيْنَ التَّأْجِيلِ، وَالتَّأْخِيرِ، وَلَمْ يُجَوِّزْ التَّأْجِيلَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ أَصْلًا، وَجَوَّزَ التَّأْخِيرَ إلَى الْمُتَقَارِبِ مِنْهَا، وَوَجْهُ الْفَرْقِ: أَنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْعَقْدِ جَعْلُ الْأَجَلِ شَرْطًا فِي الْعَقْدِ، وَجَهَالَةُ الْأَجَلِ الْمَشْرُوطِ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، فَأَمَّا التَّأْخِيرُ إلَى الْآجَالِ الْمَجْهُولَةِ مُتَقَارِبَةً فَلَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يُؤَخِّرُونَ الدُّيُونَ إلَى هَذِهِ الْآجَالِ عَادَةً، وَمَبْنَى التَّأْخِيرِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُسَامِحُونَ، وَلَا يُنَازِعُونَ، وَمَا جَرَتْ الْعَادَةُ مِنْهُمْ بِالتَّأْخِيرِ إلَى آجَالٍ تَفْحُشُ جَهَالَتُهَا بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ؛ لِأَنَّ مَا جُعِلَ شَرْطًا فِي الْبَيْعِ مَبْنَاهُ عَلَى الْمُضَايَقَةِ، فَالْجَهَالَةُ فِيهَا وَإِنْ قَلَّتْ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ؛ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ إلَى الْآجَالِ الْمُتَقَارِبَةِ، وَجَازَتْ الْكَفَالَةُ إلَيْهَا؛ لِأَنَّ مَبْنَى الْكَفَالَةِ عَلَى الْمُسَامَحَةِ، فَإِنَّ الْمَكْفُولَ لَهُ لَا يُضَيِّقُ الْأَمْرَ عَلَى الْكَفِيلِ عَادَةً؛ لِأَنَّ لَهُ سَبِيلَ الْوُصُولِ إلَى الدَّيْنِ مِنْ جِهَةِ الْأَصِيلِ فَالتَّأْجِيلُ إلَيْهَا لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْجَهَالَةَ فِي بَابِ الْبَيْعِ مُفْضِيَةٌ إلَى الْمُنَازَعَةِ فَكَانَتْ مُفْسِدَةً لِلْبَيْعِ.

وَلَوْ اشْتَرَى عَيْنًا بِثَمَنِ دَيْنٍ عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ مِمَّا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ، وَعَلَى كُلِّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ ضَرَبَ لَهُ الْأَجَلَ أَوْ لَمْ يَضْرِبْ فَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ لَهُ الْأَجَلَ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ سَوَاءٌ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْرِبْ لَهُ الْأَجَلَ كَانَ شَرْطُ التَّسْلِيمِ فِي مَوْضِعٍ عَلَى سَبِيلِ التَّأْجِيلِ، وَأَنَّهُ أَجَلٌ مَجْهُولٌ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الثَّمَنَ إذَا كَانَ لَا حَمْلَ لَهُ، وَلَا مُؤْنَةَ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّأْجِيلِ فِي مَكَان آخَرَ لَيْسَ بِتَأْجِيلٍ حَقِيقَةً، بَلْ هُوَ تَخْصِيصُ التَّسْلِيمِ بِمَكَانٍ آخَرَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ طَالَبَهُ، وَإِنْ ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا عَلَى أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ الثَّمَنَ بَعْدَ مَحَلِّ الْأَجَلِ فِي مِصْرٍ آخَرَ فَإِنْ كَانَ الْأَجَلُ مِقْدَارَ مَا لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ فِي قَدْرِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ صَارَ كَأَنْ لَمْ يَضْرِبْ، وَإِنْ كَانَ ضَرَبَ أَجَلًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ إلَى الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَالتَّأْجِيلُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا ضَرَبَ لَهُ أَجَلًا يُمْكِنُ الْوُصُولُ فِيهِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ عُلِمَ أَنَّ شَرْطَ التَّسْلِيمِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ التَّأْجِيلِ، بَلْ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْمَكَانِ بِالتَّسْلِيمِ فِيهِ.

فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ وَطَالَبَهُ الْبَائِعُ بِالثَّمَنِ فِي غَيْرِ الْمَكَانِ الْمَشْرُوطِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّمَنُ مِمَّا لَيْسَ لَهُ حَمْلٌ، وَلَا مُؤْنَةٌ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ طَالَبَهُ الْبَائِعُ بَعْدَ حِلِّ الْأَجَلِ، وَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ لَهُ حَمْلٌ، وَمُؤْنَةٌ لَا يُجْبَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ إلَّا فِي الْمَوْضِعِ الْمَشْرُوطِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يُسَلِّمَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>