الْأُخْرَى وَلَوْ بَاعَ شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ مَذْبُوحَةٍ غَيْرِ مَسْلُوخَةٍ يَجُوزُ، وَيُقَابَلُ اللَّحْمُ بِاللَّحْمِ، وَمُقَابَلَةُ اللَّحْمِ مِنْ الْمَسْلُوخَتَيْنِ بِمُقَابَلَةِ سَقَطِ الْأُخْرَى وَلَوْ بَاعَ شَاتَيْنِ مَذْبُوحَتَيْنِ غَيْرَ مَسْلُوخَتَيْنِ بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ مَسْلُوخَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ اللَّحْمِ مِنْ غَيْرِ الْمَسْلُوخَتَيْنِ مَعَ السَّقَطِ لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا وَلَوْ بَاعَ شَاتَيْنِ مَسْلُوخَتَيْنِ بِشَاةٍ مَسْلُوخَةٍ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُمَا مَالَانِ جَمَعَهُمَا الْوَزْنُ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُفَاضَلَةً وَمُجَازَفَةً، حَتَّى لَوْ كَانَا مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ يَجُوزُ يَدًا بِيَدٍ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ، وَدُهْنِ الْكَتَّانِ بِالْكَتَّانِ، وَالْعَصِيرِ بِالْعِنَبِ، وَالسَّمْنِ بِلَبَنٍ فِيهِ سَمْنٌ، وَالصُّوفِ بِشَاةٍ عَلَى ظَهْرِهَا صُوفٌ، وَاللَّبَنِ بِحَيَوَانٍ فِي ضَرْعِهِ لَبَنٌ مِنْ جِنْسِهِ، وَالتَّمْرِ بِأَرْضٍ وَنَخْلٍ عَلَيْهِ تَمْرٌ، وَالْحِنْطَةِ بِأَرْضٍ فِيهَا زَرْعٌ قَدْ أُدْرِكَ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا حَتَّى يَكُونَ الْمُفْرَدُ أَكْثَرَ مِنْ الْمَجْمُوعِ لِيَكُونَ الْمِثْلُ بِالْمِثْلِ، وَالزِّيَادَةُ بِمُقَابَلَةِ خِلَافِ الْجِنْسِ وَسَنَذْكُرُ أَجْنَاسَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي مَوَاضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا إذَا قُوبِلَ بَدَلٌ مِنْ جِنْسٍ بِبَدَلٍ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ بِبَدَلَيْنِ مِنْ جِنْسِهِ، أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ.
فَأَمَّا إذَا قُوبِلَ أَبْدَالٌ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ بِأَبْدَالٍ مِنْ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا فَلَا شَكَّ أَنَّهُ يَجُوزُ، وَتُقْسَمُ الْأَبْدَالِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِالْأَبْدَالِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قِسْمَةَ تَوْزِيعٍ وَإِشَاعَةٍ مِنْ حَيْثُ التَّقْوِيمِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا فَيَجُوزُ أَيْضًا عِنْدَ أَصْحَابِنَا الثَّلَاثَةِ، وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ فَيُقَسَّمُ قِسْمَةَ تَصْحِيحٍ لَا قِسْمَةَ إشَاعَةٍ وَتَوْزِيعٍ، وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ لَا يَجُوزُ، وَيُقْسَمُ قِسْمَةَ تَوْزِيعٍ وَإِشَاعَةٍ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ كَمَا فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ: إذَا بَاعَ كُرَّ حِنْطَةٍ وَكُرَّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ حِنْطَةٍ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ جَازَ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ، وَتُصْرَفُ الْحِنْطَةُ إلَى الشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرُ إلَى الْحِنْطَةِ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَكَذَلِكَ إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَدِينَارًا بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارَيْنِ يُصْرَفُ الدِّرْهَمُ إلَى الدِّينَارَيْنِ، وَالدِّينَارُ إلَى الدِّرْهَمَيْنِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ هَذَا بَيْعُ رِبًا فَلَا يَجُوزُ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ، وَالدِّينَارِ بِالدِّينَارَيْنِ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ مُطْلَقًا، وَمُطْلَقُ مُقَابِلَةِ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ يَقْتَضِي انْقِسَامَ كُلِّ بَدَلٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِجَمِيعِ الْأَبْدَالِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ إذَا كَانَتْ الْأَبْدَالُ مُخْتَلِفَةَ الْقِيَمِ، اسْتِدْلَالًا بِسَائِرِ الْبِيَاعَاتِ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا، فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ عَبْدًا وَجَارِيَةً بِفَرَسٍ وَثَوْبٍ وَقِيمَتُهُمَا مُخْتَلِفَةٌ يُقَسَّمُ الْعَبْدُ عَلَى قِيمَةِ الْفَرَسِ وَالثَّوْبِ، وَكَذَا الْجَارِيَةُ، حَتَّى لَوْ وُجِدَ بِوَاحِدٍ مِنْ الْجُمْلَةِ عَيْبًا يَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلَيْنِ، وَكَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ وَاحَدٌّ مِنْهُمَا يَرُدُّهُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْبَائِعِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ دَارًا فَالشَّفِيعُ يَأْخُذُهَا بِحِصَّتِهَا مِنْ الْبَدَلَيْنِ، فَكَانَ التَّقْسِيمُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا هُوَ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْبِيَاعَاتِ كُلِّهَا، وَالِانْقِسَامُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فِي أَمْوَالِ الرِّبَا يُحَقِّقُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بَائِعًا كُرَّ حِنْطَةٍ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَبِكُرِّ حِنْطَةٍ، فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا، عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ الرِّبَا فَفِيهِ احْتِمَالُ الرِّبَا، وَأَنَّهُ مُفْسِدٌ لِلْعَقْدِ كَبَيْعِ الصُّبْرَةِ بِالصُّبْرَةِ مُجَازَفَةً.
(وَلَنَا) عُمُومَاتُ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، فَمَنْ ادَّعَى التَّخْصِيصَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ، وَلِأَنَّ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَطْلَقَا مُقَابَلَةَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، وَالْمُطْلَقُ يَتَعَرَّضُ لِلذَّاتِ لَا لِلصِّفَاتِ وَالْجِهَاتِ فَلَا يَكُونُ مُقَابَلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ عَيْنًا، وَلَا مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ عَيْنًا، فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا؛ لِأَنَّهُ اسْمٌ لِفَضْلِ مَالٍ فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ عَيْنًا، وَلَمْ يُوجَدْ، أَوْ نَقُولُ: مُطْلَقُ الْمُقَابِلَةِ تَحْتَمِلُ مُقَابِلَةَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ عَلَى سَبِيلِ الشُّيُوعِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ كَمَا قُلْتُمْ، وَتُحْتَمَلُ مُقَابِلَةَ الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْجِنْسِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، إلَّا أَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الْأَوَّلِ يُفْسِدُ الْعَقْدَ، وَلَوْ حَمَلْنَاهُ عَلَى الثَّانِي لَصَحَّ، فَالْحَمْلُ عَلَى مَا فِيهِ الصِّحَّةُ أَوْلَى وَقَوْلُهُ: مُوجَبُ الْبَيْعِ الْمُطْلَقِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى أَبْدَالٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ انْقِسَامُ كُلِّ بَدَلٍ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى جَمِيعِ الْأَبْدَالِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ عَلَى الشُّيُوعِ مِنْ حَيْثُ التَّقْوِيمِ قُلْنَا: مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ هَذَا مُوجَبُ الْعَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي مَوْضِعٍ فِي مَسَائِلِ الْبِيَاعَاتِ فِي غَيْرِ أَمْوَالِ الرِّبَا مَا ثَبَتَ الِانْقِسَامُ مُوجَبًا لَهُ، بَلْ بِحُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي الْأَبْدَالِ لَأَنَّهُمَا لَمَّا أَطْلَقَا الْبَيْعَ وَهُوَ يَشْتَمِلُ عَلَى أَبْدَالٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ مُقَابِلَةِ الْبَعْضِ بِالْبَعْضِ، وَلَيْسَ الْبَعْضُ بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ فِي التَّعْيِينِ فَلَزِمَ الْقَوْلُ بِالْإِشَاعَةِ وَالتَّقْسِيمِ مِنْ حَيْثُ الْقِيمَةُ حُكْمًا لِلْمُعَاوَضَةِ وَالْمُسَاوَاةِ، وَعِنْدَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَهِيَ ضَرُورَةُ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ بِالْإِشَاعَةِ، وَالرُّجُوعِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَا يَثْبُتُ الِانْقِسَامُ عِنْدَ الْقِيمَةِ قَبْلَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute