مَجْهُولُ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّهُ مُتَفَاوِتٌ: مِنْهُ قَفِيزٌ يَخْلُصُ مِنْهُ خَمْسَةٌ، وَمِنْهُ قَفِيزٌ يَخْلُصُ مِنْهُ عَشَرَةٌ، فَكَانَ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ، بِخِلَافِ بَيْعِ الْقَفِيزِ مِنْ صُبْرَةٍ؛ لِأَنَّ قُفْزَانَ الصُّبْرَةِ الْوَاحِدَةِ مُتَمَاثِلَةٌ فَلَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ مَجْهُولًا جَهَالَةً مُفْضِيَةً إلَى الْمُنَازَعَةِ.
وَلَوْ بَاعَ نِصْفَ جُمْلَةِ التُّرَابِ، أَوْ ثُلُثَهَا، أَوْ رُبُعَهَا شَائِعًا بِذَهَبٍ أَوْ عَرَضٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْجِنْسَ مُخْتَلِفٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا إلَّا إذَا لَمْ يَخْلُصْ مِنْهُ شَيْءٌ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ خَلَصَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ مَا خَلَصَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهَا، وَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ وَلَوْ اسْتَقْرَضَ تُرَابَ الْمَعْدِنِ جَازَ، وَعَلَى الْمُسْتَقْرِضِ مِثْلُ مَا خَلَصَ مِنْهُ وَقَبَضَ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ وَقَعَ عَلَى مَا يَخْلُصُ مِنْهُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَابِضِ فِي قَدْرِ مَا قَبَضَ وَخَلُصَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ هَذَا التُّرَابِ أَوْ بِثُلُثِهِ أَوْ بِرُبُعِهِ - يَجُوزُ إنْ خَلَصَ مِنْهُ شَيْءٌ، كَمَا يَجُوزُ لَوْ بِيعَ مِنْهُ شَيْءٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا لِمَا قُلْنَا، وَإِنْ خَلَصَ مِنْهُ شَيْءٌ فَيَكُونُ أَجْرُهُ مِمَّا خَلَصَ وَلَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا بِتُرَابِ الْمَعْدِنِ بِعَيْنِهِ جَازَتْ الْإِجَارَةُ إنْ خَلَصَ مِنْهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِمَالِ، وَالْأَجِيرِ بِالْخِيَارِ؛ لِأَنَّهُ آجَرَ نَفْسَهُ بِمَا لَمْ يَرَهُ، فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ وَرَجَعَ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ بِأَجْرِ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِقَفِيزٍ مِنْ تُرَابٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَا تَجُوزُ الْإِجَارَةُ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ مَا فِي التُّرَابِ مِنْ الْفِضَّةِ، وَإِنَّهُ مَجْهُولُ الْقَدْرِ، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا وَلَهُ الْخِيَارُ، وَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ لَا يَجُوزُ وَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ وَعَلَى هَذَا حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الذَّهَبِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا وَاَللَّهُ ﷾ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) تُرَابُ الصَّاغَةِ فَإِنْ كَانَ فِيهِ فِضَّةٌ خَالِصَةٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الْفِضَّةِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ خَالِصٌ فَحُكْمُهُ حُكْمُ تُرَابِ مَعْدِنِ الذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ، فَإِنْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لَمْ يَجُزْ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَا فِيهِ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ مِثْلَهُ - فَيَتَحَقَّقُ الرِّبَا وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ جَازَ؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى ذَهَبًا وَفِضَّةً بِذَهَبٍ وَفِضَّةٍ فَيَجُوزُ، وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، وَيُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الصَّرْفِ وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ جَازَ؛ لِانْعِدَامِ احْتِمَالِ الرِّبَا، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا خَلَصَ مِنْهُ شَيْءٌ، فَإِنْ لَمْ يَخْلُصْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ كَانَ فَاسِدًا، وَعَلَى هَذَا الْأَصْلِ يَخْرُجُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ الَّتِي الْغِشُّ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ.
وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ الدَّرَاهِمَ الْمَضْرُوبَةَ أَقْسَامٌ ثَلَاثَةٌ: إمَّا أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ فِيهَا هِيَ الْغَالِبَةُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْغِشُّ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ فِيهَا عَلَى السَّوَاءِ: فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ فِيهَا هِيَ الْغَالِبَةُ بِأَنْ كَانَ ثُلُثَاهَا فِضَّةً وَثُلُثُهَا صُفْرًا، أَوْ كَانَتْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فِضَّةً وَرُبُعُهَا صُفْرًا، وَنَحْوَ ذَلِكَ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، لَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَكَذَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْغَالِبِ وَإِلْحَاقُ الْمَغْلُوبِ بِالْعَدَمِ هُوَ الْأَصْلُ فِي أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَلِأَنَّ الدَّرَاهِمَ الْجِيَادَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ لَا تَنْطَبِعُ بِدُونِهِ عَلَى مَا قِيلَ، فَكَانَ قَلِيلُ الْغِشِّ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ، فَكَانَتْ الْعِبْرَةُ لِلْغَلَبَةِ وَإِنْ كَانَ الْغِشُّ فِيهَا هُوَ الْغَالِبُ فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ لَا تَخْلُصُ بِالذَّوْبِ وَالسَّبْكِ بَلْ تَحْتَرِقُ وَيَبْقَى النُّحَاسُ - فَحُكْمُهَا حُكْمُ النُّحَاسِ الْخَالِصِ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ فِيهَا إذَا كَانَتْ مُسْتَهْلَكَةً كَانَتْ مُلْحَقَةً بِالْعَدَمِ، فَيُعْتَبَرُ كُلُّهُ نُحَاسًا لَا يُبَاعُ بِالنُّحَاسِ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ، يَدًا بِيَدٍ.
وَإِنْ كَانَتْ تَخْلُصُ مِنْ النُّحَاسِ وَلَا تَحْتَرِقُ، وَيَبْقَى النُّحَاسُ عَلَى حَالِهِ أَيْضًا - فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حَالِهِ، وَلَا يُجْعَلُ أَحَدُهُمَا تَبَعًا لِلْآخَرِ، كَأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ، مُمْتَازَانِ أَحَدُهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ تَخْلِيصُ أَحَدِهِمَا مِنْ صَاحِبِهِ عَلَى وَجْهٍ يَبْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَعْدَ الذَّوْبِ وَالسَّبْكِ - لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مُسْتَهْلَكًا - فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ إلَّا عَلَى طَرِيقِ الِاعْتِبَارِ، وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِنْ الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ، يُصْرَفُ إلَى الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ مِثْلُهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، وَالزِّيَادَةُ إلَى الْغِشِّ، كَمَا لَوْ بَاعَ فِضَّةً وَصُفْرًا مُمْتَازَيْنِ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ، فَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَقَلَّ مِنْ الْمَخْلُوطَةِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْفِضَّةِ الْمَخْلُوطَةِ مَعَ الصُّفْرِ يَكُونُ فَضْلًا خَالِيًا مِنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ، فَيَكُونُ رِبًا، وَكَذَا إذَا كَانَتْ مِثْلَهَا، لِأَنَّ الصُّفْرَ يَكُونُ فَضْلًا لَا يُقَابِلُهُ عِوَضٌ، وَكَذَا إذَا كَانَ لَا يُدْرَى قَدْرُ الْفِضَّتَيْنِ أَيُّهُمَا أَكْثَرُ، أَوْ هُمَا سَوَاءٌ - لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ زُفَرَ يَجُوزُ، وَقَدْ ذَكَرْنَا الْحُجَجَ فِيمَا قَبْلُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ إذَا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ ثُلُثَاهَا صُفْرًا وَثُلُثهَا فِضَّةٌ، وَلَا يُقْدَرُ أَنْ يُخَلَّصَ الْفِضَّةُ مِنْ الصُّفْرِ، وَلَا يُدْرَى إذَا خُلِّصَتْ أَيَبْقَى الصُّفْرُ أَمْ يَحْتَرِقُ، أَنَّهُ يُرَاعَى فِي بَيْعِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ بِفِضَّةٍ خَالِصَةٍ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ، ثُمَّ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ حَتَّى جَازَ الْبَيْعُ - يَكُونُ هَذَا صَرْفًا وَبَيْعًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute