للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُطْلَقًا، فَيُرَاعَى فِي الصَّرْفِ شَرَائِطُهُ، وَإِذَا فَسَدَ بِفَوَاتِ شَرْطٍ مِنْهُ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَمَيُّزُهُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لَا يُمْكِنُ تَمْيِيزُهُ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا بِضَرَرٍ فَاسِدٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَلَوْ بِيعَتْ هَذِهِ الدَّرَاهِمُ بِذَهَبٍ جَازَ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ هُوَ الرِّبَا، وَاخْتِلَافُ الْجِنْسِ يَمْنَعُ تَحْقِيقَ الرِّبَا، لَكِنْ يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ، وَإِذَا فَاتَ شَرْطٌ مِنْهُ حَتَّى فَسَدَ يَفْسُدُ الْبَيْعُ فِي الصُّفْرِ أَيْضًا لِمَا قُلْنَا وَلَوْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مِنْ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ جَازَ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا، نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ.

وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، كَمَا لَوْ بَاعَ فِضَّةً مُنْفَصِلَةً وَصُفْرًا مُنْفَصِلًا بِفِضَّةٍ وَصُفْرٍ مُنْفَصِلَيْنِ، وَقَالُوا فِي السَّتُّوقَةِ إذَا بِيعَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا: إنَّهُ يَجُوزُ، وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، وَمَشَايِخُنَا لَمْ يُفْتُوا فِي ذَلِكَ إلَّا بِالتَّحْرِيمِ احْتِرَازًا عَنْ فَتْحِ بَابِ الرِّبَا، وَقَالُوا فِي الدَّرَاهِمِ الْقَطْرُ يُفْنِيهِ يَجُوزُ بَيْعُ وَاحِدٍ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ أَوْ خَمْسَةٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا فِيهَا مِنْ الْفِضَّةِ يَكُونُ بِمِثْلِ وَزْنِهَا مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، وَزِيَادَةُ الْفِضَّةِ تَكُونُ بِمُقَابَلَةِ الصُّفْرِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ سِتَّةٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ فِضَّةٍ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَ الَّذِي فِيهَا يَبْقَى فَضْلًا خَالِيًا عَنْ الْعِوَضِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ فَيَكُونُ رِبًا، وَكَانَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ لَا يُفْتِي بِجَوَازِ هَذَا.

وَإِنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ وَالْغِشُّ فِيهَا سَوَاءً فَلَمْ يَقْطَعْ مُحَمَّدٌ الْجَوَابَ فِيهِ فِي الْجَامِعِ، لَكِنَّهُ بَنَاهُ عَلَى قَوْلِ الصَّيَارِفَةِ، وَحَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: إنَّ الْفِضَّةَ وَالصُّفْرَ إذَا خُلِطَا لَا تَتَمَيَّزُ الْفِضَّةُ مِنْ الصُّفْرِ حَتَّى يَحْتَرِقَ الصُّفْرُ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَتَمَيَّزَانِ إلَّا بِذَهَابِ أَحَدِهِمَا، وَالصُّفْرُ أَسْرَعُهُمَا ذَهَابًا، فَقَالَ فِي هَذِهِ الدَّرَاهِمِ: إنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ هِيَ الْغَالِبَةُ، أَيْ: عَلَى مَا يَقُولُهُ الصَّيَارِفَةُ أَنَّ الصُّفْرَ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الِاحْتِرَاقُ عِنْدَ الْإِذَابَةِ وَالسَّبْكِ - فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ، وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ كَبَيْعِ الزُّيُوفِ بِالْجِيَادِ؛ لِأَنَّ الصُّفْرَ إذَا كَانَ يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الِاحْتِرَاقُ كَانَ مَغْلُوبًا مُسْتَهْلَكًا فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَبَقِيَا عَلَى السَّوَاءِ - يُعْتَبَرْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ كَأَنَّهُمَا مُنْفَصِلَانِ، وَيُرَاعَى فِي بَيْعِهِمَا بِالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ طَرِيقُ الِاعْتِبَارِ كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ، وَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَسَاوِيًا وَمُتَفَاضِلًا، وَيُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَمَا فِي النَّوْعِ الْأَوَّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَلْ يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ عَدَدًا؟ .

(أَمَّا) النَّوْعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا كَانَتْ فِضَّتُهُ غَالِبَةً عَلَى غِشِّهِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ إلَّا وَزْنًا؛ لِأَنَّ الْغِشَّ إذَا كَانَ مَغْلُوبًا فِيهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّرَاهِمِ الزَّائِفَةِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ عَدَدًا؛ لِأَنَّهَا وَزْنِيَّةٌ فَلَمْ يُعْتَبَرْ الْعَدَدُ فِيهَا، فَكَانَ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً فَلَمْ يَجُزْ فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةٌ حَقِيقَةً، أَوْ فِيهَا شُبْهَةُ الْمُبَادَلَةِ فَيَجِبُ صِيَانَتُهَا عَنْ الرِّبَا وَعَنْ شُبْهَةِ الرِّبَا، وَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ اسْتِقْرَاضُ الْكَيْلِيِّ وَزْنًا لِمَا أَنَّ الْوَزْنَ فِي الْكَيْلِيِّ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ، فَكَانَ إقْرَاضُهُ مُبَادَلَةَ الشَّيْءِ بِمِثْلِهِ مُجَازَفَةً، أَوْ شُبْهَةَ الْمُبَادَلَةِ فَلَمْ يَجُزْ، كَذَا هَذَا وَكَذَلِكَ النَّوْعُ الثَّالِثُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَ نِصْفُهُ فِضَّةً وَنِصْفُهُ صُفْرًا؛ لِأَنَّ الْغَلَبَةَ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ عَلَى اعْتِبَارِ بَقَائِهَا وَذَهَابِ الصُّفْرِ فِي الْمَآلِ - عَلَى مَا يَقُولُهُ أَهْلُ الصَّنْعَةِ - كَانَ مُلْحَقًا بِالدَّرَاهِمِ الزُّيُوفِ، فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا.

وَإِنْ كَانَ لَا يَغْلِبُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ، وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ السَّبْكِ عَلَى حَالِهِمَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلًا بِنَفْسِهِ، فَيُعْتَبَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِيَالِهِ، فَكَانَ اسْتِقْرَاضُ الْفِضَّةِ وَالصُّفْرِ جُمْلَةً عَدَدًا وَهَذَا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ اعْتِبَارَ الصُّفْرَانِ كَانَ يُوجِبُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ الْفَلْسَ عَدَدِيٌّ، فَاعْتِبَارُ الْفِضَّةِ يَمْنَعُ الْجَوَازَ؛ لِأَنَّ الْفِضَّةَ وَزْنِيَّةٌ، فَالْحُكْمُ بِالْفَسَادِ عِنْدَ تَعَارُضِ جِهَتَيْ الْجَوَازِ، وَالْفَسَادُ أَحْوَطُ وَأَمَّا النَّوْعُ الثَّانِي مَا كَانَ الْغِشُّ فِيهِ غَالِبًا وَالْفِضَّةُ مَغْلُوبَةً فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ النَّاسُ يَتَعَامَلُونَ بِهِ وَزْنًا لَا عَدَدًا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ فِي الْمَوْزُونِ بَاطِلٌ فَكَانَ اسْتِقْرَاضُهُ مُبَادَلَةَ الْمَوْزُونِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً، أَوْ شُبْهَةَ الْمُبَادَلَةِ - وَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ.

وَإِنْ كَانُوا يَتَعَامَلُونَ بِهِ عَدَدًا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا؛ لِأَنَّهُمْ إذَا تَعَامَلُوا بِهِ عَدَدًا فَقَدْ أَلْحَقُوهُ بِالْفُلُوسِ، وَجَعَلُوا الْفِضَّةَ الَّتِي فِيهِ تَبَعًا لِلصُّفْرِ، وَإِنَّهُ مُمْكِنٌ؛ لِأَنَّهَا قَلِيلَةٌ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْفُلُوسِ فِي الْجُمْلَةِ قَلِيلُ فِضَّةٍ فَثَبَتَتْ التَّبَعِيَّةُ بِدَلَالَةِ التَّعَامُلِ، وَمِثْلُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ لَمْ تُوجَدْ فِيمَا إذَا تَعَامَلُوا بِهَا وَزْنًا لَا عَدَدًا، فَبَقِيَتْ وَزْنِيَّةً، فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهُ عَدَدًا، وَإِنْ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا عَدَدًا؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْفِضَّةِ تَبَعًا لِلْغِشِّ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ، وَالْكَثِيرُ لَا يَكُونُ تَبَعًا لِلْقَلِيلِ، وَمِثْلُ هَذَا الشَّيْءِ لَا يَكُونُ تَبَعًا أَيْضًا، فَبَقِيَتْ عَلَى الصِّفَةِ الْأَصْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ لَهَا شَرْعًا، وَهِيَ كَوْنُهَا وَزْنِيَّةً، فَلَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا مُجَازَفَةً، كَمَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُجَازَفَةً وَكَذَا الشِّرَاءُ بِالدَّرَاهِمِ الْمَغْشُوشَةِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ عَدَدًا حُكْمُهُ حُكْمُ الِاسْتِقْرَاضِ سَوَاءٌ،

<<  <  ج: ص:  >  >>