يَقْبِضَهُ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَصْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ تَمَامَ الْقَبْضِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ الَّذِي بِيعَ مُكَايَلَةً، وَمُوَازَنَةً مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ أَنَّ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كِيلَ فَازْدَادَ لَا تَطِيبُ لَهُ الزِّيَادَةُ بَلْ تُرَدُّ، أَوْ يُفْرَضُ لَهَا ثَمَنٌ؟ ، وَلَوْ نَقَصَ يُطْرَحُ بِحِصَّتِهِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يُعْرَفُ الْقَدْرُ فِيهِمَا إلَّا بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ، وَالنُّقْصَانِ، فَلَا يَتَحَقَّقُ قَبْضُ قَدْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ إلَّا بِالْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ فَكَانَ الْكَيْلُ، وَالْوَزْنُ فِيهِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِتَمَامِهِ كَمَا لَا يَجُوزُ قَبْلَ قَبْضِهِ أَصْلًا وَرَأْسًا بِخِلَافِ الْمَذْرُوعَاتِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ فِيهَا لَيْسَ مَعْقُودًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ جَارٍ مَجْرَى الْوَصْفِ، وَالْأَوْصَافُ لَا تَكُونُ مَعْقُودًا عَلَيْهَا، وَلِهَذَا سَلِمَتْ الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي بِلَا ثَمَنٍ، وَفِي النُّقْصَانِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَتْ التَّخْلِيَةُ فِيهَا قَبْضًا تَامًّا فَيُكْتَفَى بِهَا فِي جَوَازِ التَّصَرُّفِ قَبْلَ الذَّرْعِ بِخِلَافِ الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ عَلَى مَا بَيَّنَّا إلَّا أَنَّهُ يَخْرُجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ بِالتَّخْلِيَةِ نَفْسِهَا لِوُجُودِ الْقَبْضِ بِأَصْلِهِ، وَالْخُرُوجُ عَنْ ضَمَانِ الْبَائِعِ يَتَعَلَّقُ بِأَصْلِ الْقَبْضِ لَا بِوَصْفِ الْكَمَالِ، فَأَمَّا جَوَازُ التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَسْتَدْعِي قَبْضًا كَامِلًا لِوُرُودِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَالْقَبْضُ الْمُطْلَقُ هُوَ الْقَبْضُ الْكَامِلُ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) الْمَعْدُودَاتُ الْمُتَقَارِبَةُ إذَا بِيعَتْ عَدَدًا لَا جُزَافًا فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَكِيلَاتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُهَا إلَّا بَعْدَ الْعَدِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ حُكْمُهَا حُكْمُ الْمَذْرُوعَاتِ، فَيَجُوزُ بَيْعُهَا قَبْلَ الْعَدِّ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا: أَنَّ الْعَدَدِيَّ لَيْسَ مِنْ أَمْوَالِ الرِّبَا كَالذَّرْعِ، وَلِهَذَا لَمْ تَكُنْ الْمُسَاوَاةُ فِيهَا شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ كَمَا لَا تُشْتَرَطُ فِي الْمَذْرُوعَاتِ فَكَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ الْمَذْرُوعِ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّ الْقَدْرَ فِي الْمَعْدُودِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ كَالْقَدْرِ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ أَلَا تَرَى: أَنَّهُ لَوْ عَدَّهُ فَوَجَدَهُ زَائِدًا لَا تَطِيبُ الزِّيَادَةُ لَهُ بِلَا ثَمَنٍ بَلْ يَرُدُّهَا أَوْ يَأْخُذُهَا بِثَمَنِهَا؟ .
وَلَوْ وَجَدَهُ نَاقِصًا يَرْجِعُ بِقَدْرِ النُّقْصَانِ كَمَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ دَلَّ أَنَّ الْقَدْرَ فِيهِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ، وَاحْتِمَالُ الزِّيَادَةِ، وَالنُّقْصَانِ فِي عَدَدِ الْمَبِيعِ ثَابِتٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ قَدْرِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، وَامْتِيَازِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يُعْرَفُ قَدْرُهُ إلَّا بِالْعَدِّ فَأَشْبَهَ الْمَكِيلَ، وَالْمَوْزُونَ، وَلِهَذَا كَانَ الْعَدُّ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ فِي ضَمَانِ الْعَدِّ، وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الرِّبَا؛ لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَ وَاحِدٍ، وَوَاحِدٍ فِي الْعَدِّ ثَبَتَتْ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ، وَإِهْدَارِهِمْ التَّفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي الصِّغَرِ، وَالْكِبَرِ لَكِنْ مَا ثَبَتَ بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ جَازَ أَنْ يَبْطُلَ بِاصْطِلَاحِهِمْ، وَلَمَّا تَبَايَعَا وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ فَقَدْ أَهْدَرَا اصْطِلَاحَ الْإِهْدَارِ وَاعْتَبَرَا الْكِبَرَ؛ لِأَنَّهُمَا قَصَدَا الْبَيْعَ الصَّحِيحَ، وَلَا صِحَّةَ إلَّا بِاعْتِبَارِ الْكِبَرِ، وَسُقُوطِ الْعَدِّ فَكَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ بِمُقَابَلَةِ الْكَبِيرِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا أَمَّا هَهُنَا فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الْعَدِّ إذَا بِيعَ عَدَدًا، وَإِذَا اُعْتُبِرَ الْعَدُّ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَمَا فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ بِخِلَافِ الْمَذْرُوعِ فَإِنَّ الْقَدْرَ فِيهِ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فَكَانَتْ التَّخْلِيَةُ فِيهِ قَبْضًا تَامًّا فَكَانَ تَصَرُّفًا فِي الْمَبِيعِ الْمَنْقُولِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَأَنَّهُ جَائِزٌ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَالَهُ الْبَائِعُ، أَوْ وَزَنَهُ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْكَيْلِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ بِكَيْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي، وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ «نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ صَاعَانِ صَاعُ الْبَائِعِ، وَصَاعُ الْمُشْتَرِي» مَحْمُولٌ عَلَى مَوْضِعٍ مَخْصُوصٍ، وَهُوَ مَا إذَا اشْتَرَى مَكِيلًا مُكَايَلَةً فَاكْتَالَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ مُكَايَلَةً لَمْ يَجُزْ لِهَذَا الْمُشْتَرِي التَّصَرُّفُ فِيهِ حَتَّى يَكِيلَهُ، وَإِنْ كَانَ هُوَ حَاضِرًا عِنْدَ اكْتِيَالِ بَائِعِهِ فَلَا يُكْتَفَى بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إذَا أَسْلَمَ إلَى رَجُلٍ فِي حِنْطَةٍ فَلَمَّا حَلَّ الْأَجَلُ اشْتَرَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَدْرَ الْمُسْلَمِ فِيهِ مِنْ رَجُلٍ مُكَايَلَةً، وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِاقْتِضَائِهِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا لَمْ يَكِلْهُ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ، وَمَرَّةً لِنَفْسِهِ بِالنَّصِّ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ السَّلَمِ قَرْضٌ بِأَنْ اسْتَقْرَضَ الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا مِنْ إنْسَانٍ، وَأَمَرَ الْمُقْرِضَ بِقَبْضِ الْكُرِّ فَإِنَّهُ يُكْتَفَى فِيهِ بِكَيْلٍ، وَاحِدٍ لِلْمُشْتَرِي، وَالْمُسْتَقْرِضِ.
(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْكَيْلَ، وَالْوَزْنَ فِيمَا عُقِدَ بِشَرْطِ الْكَيْلِ، وَالْوَزْنِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ شَرْطُ جَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَالسَّلَمُ عَقْدٌ بِشَرْطِ الْكَيْلِ، وَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ اشْتَرَى بِشَرْطِ الْكَيْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَكِيلَ رَبُّ السَّلَمِ أَوَّلًا لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِيَصِيرَ قَابِضًا لَهُ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ قَبَضَهُ بِنَفْسِهِ مِنْ الْبَائِعِ ثُمَّ يَكِيلُ لِنَفْسِهِ لِيَصِيرَ قَابِضًا لِنَفْسِهِ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَأَمَّا قَبْضُ بَدَلِ الْقَرْضِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِجَوَازِ التَّصَرُّفِ فِيهِ؛ لِأَنَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute