الْبَائِعِ فَحَصَلَ التَّخَلِّي بِتَسْلِيمِ الشَّجَرِ فَكَانَ قَبْضًا بِخِلَافِ بَيْعِ الْقُطْنِ فِي الْفِرَاشِ، وَالْحِنْطَةِ فِي السُّنْبُلِ، وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ أُجْرَةَ الْجِذَاذِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَأُجْرَةَ الْفَتْقِ، وَالدَّقِّ عَلَى الْبَائِعِ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي لَا يُمْكِنُهُ الْقَبْضُ إلَّا بِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ قَابِضًا لِلثَّمَنِ بِتَسْلِيمِ الشَّجَرِ فَكَانَ الْجَاذُّ عَامِلًا لِلْمُشْتَرِي فَكَانَتْ الْأُجْرَةُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَحْصُلْ الْقَبْضُ بِتَسْلِيمِ الْفِرَاشِ، وَالسُّنْبُلِ فَكَانَ الْفَتْقُ، وَالدَّقُّ عَلَى الْبَائِعِ مِمَّا يَتَحَقَّقُ بِهِ التَّسْلِيمُ فَكَانَتْ أُجْرَتُهُ عَلَيْهِ هَذَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَقْتَ الْبَيْعِ.
فَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فَهَلْ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْبَيْعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ أَمْ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ فَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْمَوْجُودَ وَقْتَ الْعَقْدِ إنْ كَانَ مِثْلَ الْمُسْتَحَقِّ بِالْعَقْدِ يَنُوبُ مَنَابَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ فَإِنْ كَانَ أَقْوَى مِنْ الْمُسْتَحَقِّ نَابَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَا يَنُوبُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مِثْلَهُ أَمْكَنَ تَحْقِيقُ التَّنَاوُبِ؛ لِأَنَّ الْمُتَمَاثِلَيْنِ غَيْرَانِ يَنُوبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَ صَاحِبِهِ، وَيَسُدُّ مَسَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ أَقْوَى مِنْهُ يُوجَدُ فِيهِ الْمُسْتَحَقُّ، وَزِيَادَةٌ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَا يُوجَدُ فِيهِ إلَّا بَعْضُ الْمُسْتَحَقِّ فَلَا يَنُوبُ عَنْ كُلِّهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلَ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهَا أَنَّ يَدَ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ إمَّا أَنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ يَدَ أَمَانَةٍ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ فَإِمَّا أَنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِنَفْسِهِ، وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِغَيْرِهِ فَإِنْ كَانَتْ يَدَ ضَمَانٍ بِنَفْسِهِ كَيَدِ الْغَاصِبِ يَصِيرُ الْمُشْتَرِي قَابِضًا لِلْمَبِيعِ بِنَفْسِ الْعَقْدِ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَجْدِيدِ الْقَبْضِ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّ الْمَغْصُوبَ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ، وَالْمَبِيعُ بَعْدَ الْقَبْضِ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ فَتَجَانَسَ الْقَبْضَانُ فَنَابَ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ التَّجَانُسَ يَقْتَضِي التَّشَابُهَ، وَالْمُتَشَابِهَانِ يَنُوبُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَنَابَ صَاحِبِهِ، وَيَسُدُّ مَسَدَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعُ حَاضِرًا، أَوْ غَائِبًا؛ لِأَنَّ يَدَ الْغَاصِبِ فِي الْحَالَيْنِ يَدُ ضَمَانٍ.
وَإِنْ كَانَتْ يَدُهُ يَدَ ضَمَانٍ لِغَيْرِهِ كَيَدِ الرَّهْنِ بِأَنْ بَاعَ الرَّاهِنُ الْمَرْهُونَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ قَابِضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ حَاضِرًا، أَوْ يَذْهَبَ إلَى حَيْثُ الرَّهْنِ، وَيَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِنَفْسِهِ بَلْ بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الدَّيْنُ، وَالْمَبِيعُ مَضْمُونٌ بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَتَجَانَسْ الْقَبْضَانُ فَلَمْ يَتَشَابَهَا فَلَا يَنُوبُ أَحَدُهُمَا عَنْ الْآخَرِ، وَلِأَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَانَ قَبْضُهُ قَبْضَ أَمَانَةٍ، وَإِنَّمَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِمَعْنًى آخَرَ لَا لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَى مَا عُرِفَ، وَإِذَا كَانَ أَمَانَةً فَقَبْضُ الْأَمَانَةِ لَا يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الضَّمَانِ كَقَبْضِ الْعَارِيَّةِ، الْوَدِيعَةِ، وَإِنْ كَانَتْ يَدُ الْمُشْتَرِي يَدَ أَمَانَةٍ كَيَدِ الْوَدِيعَةِ، وَالْعَارِيَّةِ لَا يَصِيرُ قَابِضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ بِحَضْرَتِهِ، أَوْ يَذْهَبُ إلَى حَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ بِالتَّخَلِّي؛ لِأَنَّ يَدَ الْأَمَانَةِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ يَدِ الضَّمَانِ فَلَا يَتَنَاوَبَانِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَ الْبَائِعُ، وَالْمُشْتَرِي فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ فَقَالَ الْبَائِعُ: قَبَضْتَهُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي: لَمْ أَقْبِضْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وُجُودَ الْقَبْضِ، وَتَقَرُّرَ الثَّمَنِ، وَهُوَ يُنْكِرُ، وَلِأَنَّ عَدَمَ الْقَبْضِ أَصْلٌ وَالْوُجُودُ عَارِضٌ فَكَانَ الْمُشْتَرِي مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ، وَالْبَائِعُ يَدَّعِي أَمْرًا عَارِضًا فَكَانَ الظَّاهِرُ شَاهِدًا لِلْمُشْتَرِي فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَكَذَا إذَا قَبَضَ بَعْضَهُ، وَاخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَقْبُوضِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي لِمَا قُلْنَا.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَبْضِ الثَّمَنِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ لِمَا قُلْنَا فِي قَبْضِ الْمَبِيعِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: قَطَعْتَ يَدَهُ فَصِرْتَ قَابِضًا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: أَنْتَ قَطَعْتَ يَدَهُ، وَانْفَسَخَ الْبَيْعُ فِيهِ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّ يَدَهُ ذَهَبَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِتَعَارُضِ الدَّعْوَتَيْنِ، وَانْعِدَامِ دَلِيلِ التَّرْجِيحِ لِأَحَدِهِمَا فَلَا يَكُونُ قَوْلُ أَحَدِهِمَا بِالْقَبُولِ عَلَى صَاحِبِهِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْآخَرِ فَلَا يُقْبَلُ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهَا ذَهَبَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِتَغَيُّرِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَإِنْ اخْتَارَ الْأَخْذَ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيَأْخُذُ كَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ﵀ فِي شَرْحِهِ أَمَّا تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ إذَا حَلَفَ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ فَكَانَ تَحْلِيفُهُ مُفِيدًا (وَأَمَّا) تَحْلِيفُ الْمُشْتَرِي فَمُشْكِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ يَأْخُذُهُ بَعْدَ الْحَلِفِ بِكُلِّ الثَّمَنِ، وَهَذَا فِيمَا إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْلِفُ الْبَائِعُ بَلْ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي، وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ تَحْلِيفَ الْبَائِعِ لَا يُفِيدُهُ شَيْئًا حَيْثُ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْمَبِيعُ مِمَّا يُكَالُ، أَوْ يُوزَنُ فَذَهَبَ بَعْضُهُ فَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي: أَنْتَ أَكَلْت، وَقَالَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ: مِثْلَ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ قَوْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ ذَهَبَ بَعْضُهُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لِمَا قُلْنَا، وَيُخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِتَفَرُّقِ الصَّفْقَةِ إلَّا أَنَّ هُنَاكَ إنْ اخْتَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute