للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَخْذَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْقَدْرَ فِي الْمَكِيلِ، وَالْمَوْزُونِ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ فَكَانَ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْأَطْرَافُ مِنْ الْحَيَوَانِ جَارِيَةٌ مَجْرَى الْأَوْصَافِ فَلَا يُقَابِلُهَا الثَّمَنُ إلَّا إذَا صَارَتْ مَقْصُودَةً بِالْقَبْضِ أَوْ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ هَهُنَا أَيْضًا أَنَّهُ يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ، وَيَأْخُذُ، وَلَا إشْكَالَ هَهُنَا فِي تَحْلِيفِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ مُفِيدٌ فِي حَقِّهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَيْهِ كُلَّ الثَّمَنِ، وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَنْدَفِعُ عَنْهُ لُزُومُ كُلِّ الثَّمَنِ بِالْحَلِفِ فَكَانَ مُفِيدًا.

(وَأَمَّا) تَحْلِيفُ الْبَائِعِ فَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ سُقُوطَ بَعْضِ الثَّمَنِ، وَذَا حَاصِلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَحْلِيفِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَحْلِيفُهُ مُفِيدًا فِي حَقِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْلِفَ، وَإِنْ اخْتَارَ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ حَلَفَ الْمُشْتَرِي وَحْدَهُ دُونَ الْبَائِعِ لِمَا قُلْنَا فَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى أَمْرٍ جَائِزِ الْوُجُودِ، وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا مُثْبِتَةٌ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تُوجِبُ دُخُولَ السِّلْعَةِ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، وَتُقَرِّرُ الثَّمَنَ عَلَيْهِ، وَبَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي نَافِيَةٌ فَالْمُثْبِتَةُ أَوْلَى، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) ثُبُوتُ حَقِّ الْحَبْسِ لِلْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ، وَهَذَا عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي قَوْلٍ: يُسَلَّمَانِ مَعًا، وَفِي قَوْلٍ: يُسَلَّمُ الْمَبِيعُ أَوَّلًا ثُمَّ يُسَلَّمُ الثَّمَنُ أَمَّا قَوْلُهُ الْأَوَّلُ فَبِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ الَّذِي ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ أَنَّ الثَّمَنَ، وَالْمَبِيعَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَرَادِفَةِ عِنْدَهُ، وَيَتَعَيَّنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالتَّعْيِينِ فَكَانَ كُلُّ ثَمَنٍ مَبِيعًا، وَكُلُّ مَبِيعٍ ثَمَنًا (وَأَمَّا) قَوْلُهُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ فِي تَقْدِيمِ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ صِيَانَةَ الْعَقْدِ عَنْ الِانْفِسَاخِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي تَقْدِيمِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ، وَإِنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَكَانَ تَقْدِيمُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ أَوْلَى صِيَانَةً لِلْعَقْدِ عَنْ الِانْفِسَاخِ مَا أَمْكَنَ.

(وَلَنَا) قَوْلُهُ «الدَّيْنُ مَقْضِيٌّ» ، وَصَفَ الدَّيْنَ بِكَوْنِهِ مَقْضِيًّا عَامًّا أَوْ مُطْلَقًا فَلَوْ تَأَخَّرَ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ عَنْ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ لَمْ يَكُنْ هَذَا الدَّيْنُ مَقْضِيًّا، وَهَذَا خِلَافُ النَّصِّ.

وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «ثَلَاثٌ لَا يُؤَخَّرْنَ: الْجِنَازَةُ إذَا حَضَرَتْ، وَالْأَيِّمُ إذَا وَجَدَتْ لَهَا كُفْئًا، وَالدَّيْنُ إذَا وَجَدْتَ مَا يَقْضِيهِ» ، وَتَقْدِيمُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ تَأْخِيرُ الدَّيْنِ، وَأَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِظَاهِرِ النَّصِّ، وَلِأَنَّ الْمُعَاوَضَاتِ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ عَادَةً، وَحَقِيقَةً، وَلَا تَتَحَقَّقُ الْمُسَاوَاةُ إلَّا بِتَقْدِيمِ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ مُتَعَيِّنٌ قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَالثَّمَنَ لَا يَتَعَيَّنُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ عَلَى أَصْلِنَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَسْلِيمِهِ أَوَّلًا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ، وَقَوْلُهُ فِيمَا قُلْتَهُ صِيَانَةٌ لِلْعَقْدِ عَنْ الِانْفِسَاخِ بِهَلَاكِ الْمَبِيعِ قُلْنَا هَلَاكُهُ قَبْلَ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ نَادِرٌ، وَالنَّادِرُ مُلْحَقٌ بِالْعَدَمِ فَيَلْزَمُ اعْتِبَارُ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ.

ثُمَّ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْحُكْمِ فِي مَوْضِعَيْنِ:.

أَحَدُهُمَا فِي بَيَانِ شَرْطِ ثُبُوتِ هَذَا الْحُكْمِ، وَالثَّانِي فِي بَيَانِ مَا يَبْطُلُ بِهِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ أَمَّا شَرْطُ ثُبُوتِهِ فَشَيْئَانِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ عَيْنًا، وَالْآخَرُ دَيْنًا فَإِنْ كَانَا عَيْنَيْنِ، أَوْ دَيْنَيْنِ فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ بَلْ يُسَلَّمَانِ مَعًا لِمَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ حَالًّا فَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا لَا يَثْبُتُ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْحَبْسِ تَثْبُتُ حَقًّا لِلْبَائِعِ لِطَلَبِهِ الْمُسَاوَاةَ عَادَةً لِمَا بَيَّنَّا، وَلَمَّا بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ فَبَطَلَتْ الْوِلَايَةُ وَلَوْ كَانَ الثَّمَنُ مُؤَجَّلًا فِي الْعَقْدِ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ فَلَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الْحَبْسِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ بِالتَّأْجِيلِ، وَالسَّاقِطُ مُتَلَاشٍ فَلَا يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ، وَكَذَلِكَ لَوْ طَرَأَ الْأَجَلُ عَلَى الْعَقْدِ بِأَنْ أُخِّرَ الثَّمَنُ بَعْدَ الْعَقْدِ فَلَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ لَهُ أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ، وَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ حَبْسَهُ لِمَا قُلْنَا، وَلَوْ بَاعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ فَلَمْ يَقْبِضْ الْمُشْتَرِي حَتَّى حَلَّ الْأَجَلُ هَلْ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؟ يُنْظَرُ إنْ ذَكَرَا أَجَلًا مُطْلَقًا بِأَنْ ذَكَرَا سَنَةً مُطْلَقَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ فَلَهُ أَجَلٌ آخَرُ هُوَ سَنَةٌ أُخْرَى مِنْ حِينِ يَقْبِضُ الْمَبِيعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ الثَّمَنُ حَالٌ، وَلَيْسَ لَهُ أَجَلٌ آخَرُ، وَإِنْ ذَكَرَا أَجَلًا بِعَيْنِهِ بِأَنْ بَاعَهُ إلَى رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُشْتَرِي حَتَّى مَضَى رَمَضَانُ صَارَ الثَّمَنُ حَالًا بِالْإِجْمَاعِ

(وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ السَّنَةَ الْمُطْلَقَةَ تَنْصَرِفُ إلَى سَنَةٍ تَعْقُبُ الْعَقْدَ بِلَا فَصْلٍ فَإِذَا مَضَتْ انْتَهَى الْأَجَلُ كَمَا لَوْ عُيِّنَ الْأَجَلُ نَصًّا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ : أَنَّ الْأَصْلَ فِي الثَّمَنِ شُرِعَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي لِيَنْتَفِعَ بِالْمَبِيعِ فِي الْحَالِ مَعَ تَأْخِيرِ الْمُطَالَبَةِ بِالثَّمَنِ، وَلَنْ يَحْصُلَ هَذَا الْغَرَضُ لَهُ إلَّا وَأَنْ يَكُونَ اعْتِبَارُ الْأَجَلِ مِنْ، وَقْتِ قَبْضِ الْمَبِيعِ فَكَانَ هَذَا تَأْجِيلًا مِنْ هَذَا الْوَقْتِ دَلَالَةً بِخِلَافِ مَا إذَا عَيَّنَ الْأَجَلَ؛ لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَى تَعَيُّنِهِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ إذْ لَا دَلَالَةَ مَعَ النَّصِّ بِخِلَافِهَا، وَلَوْ كَانَ فِي الْبَيْعِ خِيَارُ الشَّرْطِ لَهُمَا، أَوْ لِأَحَدِهِمَا، وَالْأَجَلُ مُطْلَقٌ فَابْتِدَاءُ الْأَجَلِ مِنْ حِينِ وُجُوبِ الْعَقْدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>