حُدُوثِ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَهُمْ قَالَ النَّبِيُّ ﵊: «لَا يَتَسَرَّى الْعَبْدُ، وَلَا يُسَرِّيهِ مَوْلَاهُ، وَلَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ، وَلَا الْمُكَاتَبُ شَيْئًا إلَّا الطَّلَاقَ» .
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مِنْ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ يَنْظُرُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَصْلًا أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا إذَا كَانَتْ حَاضَتْ عِنْدَ الْعَبْدِ، وَيَجْتَزِئ بِتِلْكَ الْحَيْضَةِ؛ لِأَنَّ كَسْبَ الْمَأْذُونِ الَّذِي لَا دَيْنَ عَلَيْهِ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ غَيْرُ مُسْتَغْرِقٍ مِلْكَ الْمَوْلَى فَقَدْ حَاضَتْ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ فَيَجْتَزِئُ بِهَا عَنْ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ رَقَبَتَهُ، وَكَسْبَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى لَا يَمْلِكُ كَسْبَ عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ الْمَدْيُونِ دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَمْلِكُهُ.
وَلَوْ تَبَايَعَا بَيْعًا صَحِيحًا ثُمَّ تَقَايَلَا فَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ، وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يَجِبُ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ (وَجْهُ) الْقِيَاسِ أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّهِ، وَهُوَ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِحُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ حَقِيقَةً، وَإِنْكَارُ الْحَقَائِقِ مُكَابَرَةٌ.
(وَجْهُ) الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْإِقَالَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ، وَالْفَسْخُ رَفْعٌ مِنْ الْأَصْلِ، وَإِعَادَةٌ إلَى قَدِيمِ الْمِلْكِ كَأَنَّهُ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ مَعَ مَا أَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ، وَالتَّأْكِيدُ إثْبَاتٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَكَامَلْ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي فَلَمْ يَحْدُثْ مِلْكُ الْيَمِينِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَمْ يَتَكَامَلْ السَّبَبُ، وَإِنْ كَانَتْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ (أَمَّا) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلِأَنَّ الْإِقَالَةَ بَيْعٌ جَدِيدٌ فَكَانَتْ اسْتِحْدَاثًا لِلْمِلْكِ مُطْلَقًا (وَأَمَّا) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَإِنْ كَانَتْ فَسْخًا لَكِنْ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَأَمَّا فِي حَقِّ ثَالِثٍ فَبَيْعٌ جَدِيدٌ، وَالِاسْتِبْرَاءُ يَجِبُ حَقًّا لِلشَّرْعِ فَاعْتُبِرَ حَقُّ الشَّرْعِ ثَالِثًا فِي حَقِّ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ احْتِيَاطًا.
وَلَوْ رَدَّ الْجَارِيَةَ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارِ رُؤْيَةٍ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَهُوَ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِحُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، وَخِيَارَ الْعَيْبِ لَا يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي (وَأَمَّا) الرَّدُّ بِخِيَارِ الشَّرْطِ فَيُنْظَرُ فِيهِ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَلَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ لَا يَمْنَعُ زَوَالَ السِّلْعَةِ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِحُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي لَا يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْبَائِعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ سَوَاءٌ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ بَعْدَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ دُخُولَ السِّلْعَةِ فِي مِلْكِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَإِذَا لَمْ تَدْخُلْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ فَلِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ، وَبَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْوُجُوبِ.
(وَأَمَّا) عِنْدَهُمَا فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْقِيَاسُ أَنْ يَجِبَ؛ لِأَنَّهَا زَالَتْ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ، وَدَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَإِذَا رُدَّتْ عَلَيْهِ فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ الْبَائِعِ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ: لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الرَّدَّ قَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخٌ مَحْضٌ، وَرَفْعٌ لِلْعَقْدِ مِنْ الْأَصْلِ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْقَبْضِ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ قِيَاسًا، وَاسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي.
وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ فَاسِدًا فَفُسِخَ، وَرُدَّتْ الْجَارِيَةُ إلَى الْبَائِعِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى مِلْكِهِ فَلَمْ يَحْدُثْ لَهُ الْحِلُّ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ فَعَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ بِالْإِجْمَاعِ لِوُجُودِ السَّبَبِ.
أَسَرَ الْعَدُوُّ الْجَارِيَةَ ثُمَّ عَادَتْ إلَى الْمَالِكِ فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْحَرْبِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمَالِكِ؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ، وَهُوَ حُدُوثُ الْحِلِّ بِحُدُوثِ الْمِلْكِ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ، وَجَبَ لِوُجُودِ السَّبَبِ، وَلَوْ أَبَقَتْ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ، وَأَخَذَهَا الْكُفَّارُ ثُمَّ عَادَتْ إلَى صَاحِبِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهَا فَلَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ، وَعِنْدَهُمَا عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا لِوُجُودِ السَّبَبِ.
وَلَوْ اشْتَرَى جَارِيَةً مَعَ غَيْرِهِ فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِمَا؛ لِانْعِدَامِ السَّبَبِ، وَهُوَ حُدُوثُ الْحِلِّ إذْ لَا تَحِلُّ لِأَحَدِهِمَا.
اشْتَرَى جَارِيَةً، وَلَهَا زَوْجٌ فَقَبَضَهَا، وَطَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ، وَهُوَ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِحُدُوثِ مِلْكِ الْيَمِينِ وَقْتَ الشِّرَاءِ لِقِيَامِ فِرَاشِ الزَّوْجِ، وَبَعْدَ زَوَالِ الْفِرَاشِ لَمْ يَحْدُثْ سَبَبُ حُدُوثِ الْحِلِّ، وَهُوَ مِلْكُ الْيَمِينِ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ ﵀ أَنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِنْ هَذَا اسْتَخْرَجُوا لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ حِيلَةً، وَهِيَ أَنْ يُزَوِّجَ الْبَائِعُ الْجَارِيَةَ مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا، وَلَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الشَّرَائِطِ ثُمَّ يَبِيعُهَا، وَيُسَلِّمُهَا إلَى