للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُشْتَرِي ثُمَّ يُطَلِّقُهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا فَتَحِلُّ لِلْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ وَإِنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ قَبَضَهَا الْمُشْتَرِي لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَحِيلَةٌ أُخْرَى لِإِسْقَاطِ الِاسْتِبْرَاءِ: أَنْ يُزَوِّجَهَا الْبَائِعُ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ الشِّرَاءِ، وَالْمُشْتَرِي مِمَّنْ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ تَحْتَهُ حُرَّةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ ثُمَّ يَشْتَرِيهَا فَيَفْسُدُ النِّكَاحُ وَيَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ، وَهَذَا الْوَجْهُ الثَّانِي أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْهُ جَمِيعَ الْمَهْرِ وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ عَلَى الزَّوْجِ الْمُطَلِّقِ نِصْفُ الْمَهْرِ لِلْبَائِعِ فَيَحْتَاجُ إلَى إبْرَائِهِ عَنْهُ.

وَلَوْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ فِي عِدَّةٍ مِنْ زَوْجِهَا عِدَّةِ طَلَاقٍ أَوْ عِدَّةِ وَفَاةٍ فَاشْتَرَاهَا وَقَبَضَهَا ثُمَّ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْعِدَّةِ بِمَنْزِلَةِ قِيَامِ النِّكَاحِ، وَلَوْ كَانَتْ مَنْكُوحَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا لَمْ يَجِبْ الِاسْتِبْرَاءُ كَذَا هَذَا، وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ فَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ لَمْ يُعْتَدَّ بِذَلِكَ وَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بَعْدَ الْقَبْضِ بِحَيْضَةٍ أُخْرَى فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يُعْتَدُّ بِذَلِكَ كَمَا يُعْتَدُّ بِالْحَيْضَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ عِنْدَهُ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ عَدَمُ وُجُوبِ الِاسْتِبْرَاءِ فِي النِّكَاحِ حَتَّى إنَّ مَنْ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَلِلزَّوْجِ أَنْ يَطَأَهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِبْرَاءٍ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ لَمْ يُوجَدْ وَهُوَ حُدُوثُ حِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ وَلَسْتُ أُوجِبُهَا عَلَيْهِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَقَالَ: لَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ اسْتَبْرَأَ بِهَا الزَّوْجُ اسْتِحْسَانًا (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لَهُ وَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ مَوْجُودٌ فِي مِلْكِ النِّكَاحِ، وَهُوَ التَّعَرُّفُ عَنْ بَرَاءَةِ الرَّحِمِ فَوَجَبَ الِاسْتِبْرَاءُ فِي الْمِلْكَيْنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ جَوَازَ نِكَاحِهَا دَلِيلُ بَرَاءَةِ رَحِمِهَا شَرْعًا فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّعَرُّفِ بِالِاسْتِبْرَاءِ، وَمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ نَوْعُ احْتِيَاطٍ وَهُوَ حَسَنٌ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً فَلَمْ يَقْبِضْهَا حَتَّى حَاضَتْ فِي يَدِ الْبَائِعِ حَيْضَةً أَنَّهُ لَا يَجْتَزِئُ بِهَا فِي الِاسْتِبْرَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ قَبَضَهَا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ أُخْرَى؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ حِلُّ الِاسْتِمْتَاعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَلَا حَدَثَ لَهُ مِلْكُ الْيَمِينِ عَلَى الْإِطْلَاقِ؛ لِانْعِدَامِ الْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْمِلْكَ قَبْلَ الْقَبْضِ غَيْرُ مُتَأَكِّدٍ، وَالتَّأَكُّدُ إثْبَاتٌ مِنْ وَجْهٍ فَكَانَ لَهُ حُكْمُ الْعَدَمِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَجِبْ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: أَنَّهُ يَجْتَزِئُ بِهَا وَلَا اسْتِبْرَاءَ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَةَ قَبْلَ الْقَبْضِ تَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى فَرَاغِ رَحِمِهَا فَحَصَلَ الْمَقْصُودُ مِنْ الِاسْتِبْرَاءِ فَيُكْتَفَى بِهَا.

(وَأَمَّا) بَيَانُ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِبْرَاءُ فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: الْجَارِيَةُ فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَامَّةِ الصَّحَابَةِ وَعَنْ مُعَاوِيَةَ : أَنَّ اسْتِبْرَاءَهَا بِحَيْضَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ أُخْتُ الْعِدَّةِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ وَالصَّحِيحُ قَوْلُ الْعَامَّةِ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ «أَلَا لَا تُوطَأُ الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يُسْتَبْرَأْنَ بِحَيْضَةٍ» وَالْفَعْلَةُ لِلْمَرَّةِ، وَالتَّقْدِيرُ الشَّرْعِيُّ يَمْنَعُ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَلِأَنَّ مَا شُرِعَ لَهُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَهُوَ حُصُولُ الْعِلْمِ بِطَهَارَةِ الرَّحِمِ يَحْصُلُ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ الْعَدَدُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ أَيْضًا إلَّا أَنَّا عَرَفْنَا ذَلِكَ نَصًّا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تَحِيضُ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ لِكِبَرٍ وَإِمَّا أَنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِعِلَّةٍ وَهِيَ الْمُمْتَدُّ طُهْرُهَا.

(وَإِمَّا) أَنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِحَبَلٍ فَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِصِغَرٍ أَوْ لِكِبَرٍ فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِشَهْرٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْهُرَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْأَقْرَاءِ فِي حَقِّ الْآيِسَةِ، وَالصَّغِيرَةِ فِي الْعِدَّةِ فَكَذَا فِي بَابِ الِاسْتِبْرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِعِلَّةٍ فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - عَلَيْهِ الرَّحْمَةُ -: " لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ " وَلَمْ يُوَقِّتْ فِي ذَلِكَ وَقْتًا، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: " يَسْتَبْرِئُهَا بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، أَوْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ " وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ: فِي رِوَايَةٍ قَالَ: يَسْتَبْرِئُهَا بِشَهْرَيْنِ، وَخَمْسَةِ أَيَّامٍ عِدَّةِ الْإِمَاءِ، وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: يَسْتَبْرِئُهَا بِأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ مُدَّةِ عِدَّةِ الْحَرَائِرِ، وَقَالَ زُفَرُ: يَسْتَبْرِئُهَا بِسَنَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ الْمَوْجُودَ فِي الْبَطْنِ لَا يَبْقَى أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ، فَإِذَا مَضَتْ سَنَتَانِ، وَلَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ عَلِمَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَطَؤُهَا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهَا غَيْرُ حَامِلٍ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّحَاوِيِّ.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ تَفْسِيرًا لِقَوْلِهِ: لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَعْلَمُ فِيهَا أَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَامِلٍ؛ لِأَنَّ الْحَبَلَ يَظْهَرُ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمُدَّةِ لَوْ كَانَ لِظُهُورِ آثَارِهِ مِنْ انْتِفَاخِ الْبَطْنِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ فَيَدُلُّ عَدَمُ الظُّهُورِ عَلَى بَرَاءَةِ رَحِمِهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحِيضُ لِحَبَلٍ بِهَا فَاسْتِبْرَاؤُهَا بِوَضْعِ الْحَمْلِ بَعْدَ الْقَبْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>