للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شَأْنُهُ ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾ [البقرة: ١٨٧] حَتَّى لَا يَجِبَ الصَّوْمُ فِي اللَّيْلِ، وَكَمَا فِي التَّأْجِيلِ إلَى غَايَةٍ، أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ الْأَجَلِ كَذَا هَذَا، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الْغَايَاتِ مُنْقَسِمَةٌ: غَايَةُ إخْرَاجٍ، وَغَايَةُ إثْبَاتٍ، فَغَايَةُ الْإِخْرَاجِ تَدْخُلُ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ [المائدة: ٦]

وَالْغَايَةُ هَهُنَا فِي مَعْنَى غَايَةِ الْإِخْرَاجِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ أَصْلًا لَاقْتَضَى ثُبُوتَ الْخِيَارِ فِي الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي مَعْنَى شَرْطِ خِيَارٍ مُؤَبَّدٍ بِخِلَافِ التَّأْجِيلِ إلَى غَايَةٍ، فَإِنَّهُ لَوْلَا ذِكْرُ الْغَايَةِ لَمْ يَثْبُتْ الْأَجَلُ أَصْلًا، فَكَانَتْ الْغَايَةُ غَايَةَ إثْبَاتٍ، فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ مَا ضُرِبَتْ لَهُ الْغَايَةُ.

وَالثَّانِي مَوْتُ الْبَائِعِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَبْطُلُ الْخِيَارُ بِمَوْتِهِ، بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِي الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ، وَلَقَبُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ هَلْ يُوَرَّثُ أَمْ لَا؟ عِنْدَنَا يُوَرَّثُ، وَعِنْدَهُ لَا يُوَرَّثُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْقَبُولِ لَا يُوَرَّثُ، وَكَذَا خِيَارُ الْإِجَازَةِ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ لَا يُوَرَّثُ بِالْإِجْمَاعِ، وَكَذَا الْأَجَلُ لَا يُوَرَّثُ بِالِاتِّفَاقِ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ، وَخِيَارَ التَّعْيِينِ يُوَرَّثُ.

(وَأَمَّا) خِيَارُ الرُّؤْيَةِ، فَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ، وَذَكَرَ فِي الْحِيَلِ أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ، وَكَذَا رَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يُوَرَّثُ احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِظَوَاهِرِ آيَاتِ الْمَوَارِيثِ حَيْثُ أَثْبَتَ اللَّهُ ﷿ الْإِرْثَ فِي الْمَتْرُوكِ مُطْلَقًا، وَالْخِيَارُ مَتْرُوكٌ، فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ، وَبِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَرَكَ مَالًا أَوْ حَقًّا فَلِوَرَثَتِهِ» وَالْخِيَارُ حَقٌّ تَرَكَهُ، فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِ؛ وَلِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ، فَيَجْرِي فِيهِ الْإِرْثُ كَالْمِلْكِ الثَّابِتِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ، كَمَا يَثْبُتُ فِي الْأَمْلَاكِ يَثْبُتُ فِي الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيْعِ؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ، وَخِيَارِ التَّعْيِينِ كَذَا هَذَا، وَلَنَا أَنَّ الْخِيَارَ لَوْ ثَبَتَ لِلْوَارِثِ لَمْ يَخْلُ مِنْ أَنْ يَثْبُتَ ابْتِدَاءً أَوْ بِطَرِيقِ الْإِرْثِ لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْوَارِثِ ابْتِدَاءً، وَإِثْبَاتُ الْخِيَارِ لَهُ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ شَرْطِ الْخِيَارِ مِنْهُ خِلَافُ الْحَقِيقَةِ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ يَعْتَمِدُ الْبَاقِي بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ، وَخِيَارُهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ مَوْتِهِ؛ لِأَنَّ خِيَارَهُ يُخَيِّرُهُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَلَا يُوَرَّثُ بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَالتَّعْيِينِ؛ لِأَنَّ الْمَوْرُوثَ هُنَاكَ مُحْتَمِلٌ لِلْإِرْثِ، وَهُوَ الْعَيْنُ الْمَمْلُوكَةُ (وَأَمَّا) الْآيَةُ، وَالْحَدِيثُ، فَنَقُولُ: بِمُوجِبِهِمَا لَكِنْ لِمَ قُلْتُمْ إنَّ الْخِيَارَ مَتْرُوكٌ؟ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمَتْرُوكَ عَيْنٌ تَبْقَى، وَالْخِيَارُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى، فَلَمْ يَكُنْ مَتْرُوكًا، فَلَا يُوَرَّثُ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَالثَّالِثُ) إجَازَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنْ تَبَايَعَا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ، فَأَجَازَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْخِيَارُ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَمْلِكَ صَاحِبُهُ الْفَسْخَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ، وَخِيَارُ الْآخَرِ عَلَى حَالِهِ، وَسَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي خِيَارِ الْعَيْبِ.

، وَلَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ فِي مُدَّةِ خِيَارِ الشَّرْطِ لِلْأَبِ أَوْ الْوَصِيِّ لِنَفْسِهِ فِي بَيْعِ مَالِ الصَّبِيِّ هَلْ يَبْطُلُ الْخِيَارُ؟ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَبْطُلُ، وَيَلْزَمُ الْعَقْدُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: تُنْقَلُ الْإِجَازَةُ إلَى الصَّبِيِّ، فَلَا يَمْلِكُ الْوَلِيُّ الْإِجَازَةَ لَكِنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ (وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْوَلِيَّ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ عَنْهُ شَرْعًا لِعَجْزِهِ عَنْ التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ، وَقَدْ زَالَ الْعَجْزُ بِالْبُلُوغِ، فَتَنْتَقِلُ الْإِجَازَةُ إلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ؛ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ دَفْعِ الْحَقِّ، فَيَمْلِكُهُ كَالْفُضُولِيِّ فِي الْبَيْعِ إنَّهُ يَمْلِكُ الْفَسْخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ، وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ الْإِجَازَةَ (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْخِيَارَ يَثْبُتُ لِلْوَلِيِّ، وَهُوَ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةُ، وَقَدْ بَطَلَ بِالْبُلُوغِ، فَلَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى الصَّبِيِّ؛ وَلِهَذَا لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى الْوَارِثِ بِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ.

وَلَوْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ فِي مُدَّةِ خِيَارِ شَرْطِهِ لِنَفْسِهِ فِي الْبَيْعِ بَطَلَ الْخِيَارُ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا عَجَزَ، وَرُدَّ إلَى الرِّقِّ لَمْ يَبْقَ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، فَيَسْقُطُ الْخِيَارُ ضَرُورَةً كَمَا يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَكَذَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ إذَا حَجَرَ عَلَيْهِ الْمَوْلَى فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ بَطَلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مُحَمَّدٍ لِمَا قُلْنَا.

وَلَوْ اشْتَرَى الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ شَيْئًا بِدَيْنٍ فِي الذِّمَّةِ، وَشَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ بَلَغَ الصَّبِيُّ؛ جَازَ الْعَقْدُ عَلَيْهِمَا، وَالصَّبِيُّ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَجَازَ الْبَيْعَ، وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ (أَمَّا) الْجَوَازُ عَلَيْهِمَا؛ فَلِأَنَّ، وِلَايَتَهُمَا قَدْ انْقَطَعَتْ بِالْبُلُوغِ، فَلَا يَمْلِكَانِ التَّصَرُّفَ بِالْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ، فَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا، وَجَازَ الْعَقْدُ فِي حَقِّهِمَا (وَأَمَّا) خِيَارُ الصَّبِيِّ؛ فَلِأَنَّ الْجَوَازَ وَاللُّزُومَ لَمْ يَثْبُتَا فِي حَقِّهِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ فِي حَقِّهِمَا، فَكَانَ لَهُ خِيَارُ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةُ.

(وَأَمَّا) خِيَارُ الْمُشْتَرِي، فَيَسْقُطُ بِمَا يُسْقِطُ خِيَارَ الْبَائِعِ، وَبِغَيْرِهِ أَيْضًا، فَيَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَبِمَوْتِ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَنَا، وَإِجَازَةُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْإِجَازَةُ صَرِيحٌ، وَمَا هُوَ فِي مَعْنَى

<<  <  ج: ص:  >  >>