للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصَّرِيحِ، وَدَلَالَةٌ، وَهُوَ أَنْ يَتَصَرَّفَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ كَالْبَيْعِ، وَالْمُسَاوَمَةِ، وَالْإِعْتَاقِ، وَالتَّدْبِيرِ، وَالْكِتَابَةِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْهِبَةِ، وَالرَّهْنِ سُلِّمَ أَوْ لَمْ يُسَلَّمْ لِأَنَّ جَوَازَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَعْتَمِدُ الْمِلْكَ، فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهَا يَكُونُ دَلِيلَ قَصْدِ التَّمَلُّكِ أَوْ تَقَرُّرَ الْمِلْكِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَصْلَيْنِ، وَذَا دَلِيلُ الْإِجَازَةِ، وَكَذَا الْوَطْءُ مِنْهُ وَالتَّقْبِيلُ بِشَهْوَةٍ، وَالْمُبَاشَرَةُ لِشَهْوَةٍ، وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ يَكُونُ إجَازَةً مِنْهُ، لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَا يَحِلُّ إلَّا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.

وَأَمَّا الْمَسُّ عَنْ غَيْرِ شَهْوَةٍ، وَالنَّظَرُ إلَى فَرْجِهَا بِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَلَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ الْمِلْكِ لِلطَّبِيبِ، وَالْقَابِلَةِ، وَأَمَّا الِاسْتِخْدَامُ، فَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ إجَازَةً بِمَنْزِلَةِ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالنَّظَرِ إلَى الْفَرْجِ عَنْ شَهْوَةٍ.

وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَيْهِ لِلتَّجْرِبَةِ، وَالِامْتِحَانِ لِيَنْظُرَ أَنَّهُ يُوَافِقُهُ أَمْ لَا عَلَى أَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً؛ لِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِأَنْ يَسْأَلَهُ ثَوْبَهُ عِنْدَ إرَادَةِ الرَّدِّ، فَيَرُدَّهُ أَوْ يَسْتَسْرِجَهُ دَابَّتَهُ؛ لِيَرْكَبَهَا، فَيَرُدَّهُ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ لِمَكَانِ الضَّرُورَةِ، وَلَوْ قَبَّلَتْ الْجَارِيَةُ الْمُشْتَرِي بِشَهْوَةٍ أَوْ بَاشَرَتْهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِتَمْكِينٍ بِأَنْ عَلِمَ ذَلِكَ مِنْهَا، وَتَرَكَهَا حَتَّى فَعَلَتْ يَسْقُطُ خِيَارُهُ، وَكَذَا هَذَا فِي حَقِّ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ إذَا قَبَّلَتْهُ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَكَذَا فِي خِيَارِ الْعَيْبِ إذَا، وَجَدَ بِهَا عَيْبًا ثُمَّ قَبَّلَتْهُ، وَكَذَا فِي الطَّلَاقِ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ كَانَ رَجْعَةً، وَإِنْ اخْتَلَسَتْ اخْتِلَاسًا مِنْ غَيْرِ تَمْكِينِ الْمُشْتَرِي وَالزَّوْجِ، وَهُوَ كَارِهٌ لِذَلِكَ، فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ رَجْعَةً، وَلَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَكُونُ فِعْلُهَا إجَازَةً لِلْبَيْعِ كَيْفَمَا كَانَ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا لَوْ بَاضَعَتْهُ، وَهُوَ نَائِمٌ بِأَنْ أَدْخَلَتْ فَرْجَهُ فَرْجَهَا أَنَّهُ يَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَيَكُونُ رَجْعَةً.

(وَجْهُ) قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الْخِيَارَ حَقُّ شَرْطٍ لَهُ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُبْطِلُهُ نَصًّا، وَلَا دَلَالَةً، وَهُوَ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَلَا يَبْطُلُ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ إنَّ الِاحْتِيَاطَ يُوجِبُ سُقُوطَ الْخِيَارِ إذْ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ وَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يُفْسَخَ الْبَيْعُ لِتَبْيِينِ أَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ، وَالتَّمْكِينُ مِنْ الْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ حَصَلَ فِي غَيْرِ مِلْكٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ، فَكَانَ سُقُوطُ الْخِيَارِ، وَثُبُوتُ الرَّجْعَةِ بِطَرِيقِ الصِّيَانَةِ عَنْ ارْتِكَابِ الْحَرَامِ، وَأَنَّهُ وَاجِبٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَسَّ عَنْ شَهْوَةٍ يُفْضِي إلَى الْوَطْءِ، وَالسَّبَبُ الْمُفْضِي إلَى الشَّيْءِ يَقُومُ مَقَامَهُ خُصُوصًا فِي مَوْضِعِ الِاحْتِيَاطِ، فَأُقِيمَ ذَلِكَ مَقَامَ الْوَطْءِ مِنْ الْمُشْتَرِي؛ وَلِهَذَا يَثْبُتُ حُرْمَةُ الْمُصَاهَرَةِ بِالْمَسِّ عَنْ شَهْوَةٍ مِنْ الْجَانِبَيْنِ؛ لِكَوْنِهِ سَبَبًا مُفْضِيًا إلَى الْوَطْءِ، فَأُقِيمَ مَقَامَهُ كَذَا هَذَا.

وَلَوْ قَبَّلَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ، ثُمَّ قَالَ: قَبَّلْتُهَا لِغَيْرِ شَهْوَةٍ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ كَانَ ثَابِتًا لَهُ، فَهُوَ بِقَوْلِهِ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ يُنْكِرُ سُقُوطُهُ، فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلُهُ.

وَكَذَلِكَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: فِي الْجَارِيَةِ إذَا قَبَّلْت الْمُشْتَرِي بِشَهْوَةٍ إنَّهُ إنَّمَا يَسْقُطُ الْخِيَارُ، وَيَلْزَمُهُ الْعَقْدُ إذَا أَقَرَّ الْمُشْتَرِي إنَّهَا، فَعَلَتْ بِشَهْوَةٍ (فَأَمَّا) إذَا أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ بِشَهْوَةٍ، فَلَا يَسْقُطُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ فِعْلِهَا يَلْزَمُ الْمُشْتَرِي بِسُقُوطِ حَقِّهِ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إقْرَارِهِ، وَلَوْ حَدَثَ فِي الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مَا يَمْنَعُ الرَّدَّ عَلَى الْبَائِعِ بَطَلَ خِيَارُهُ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْخِيَارِ هُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الْفَسْخِ وَالرَّدِّ، فَإِذَا خَرَجَ عَنْ احْتِمَالِ الرَّدِّ لَمْ يَكُنْ فِي بَقَاءِ الْخِيَارِ فَائِدَةٌ، فَلَا يَبْقَى، وَذَلِكَ نَحْوَ مَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ انْتَقَصَ بِأَنْ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ لَا يَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ، فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِي يَدِ الْمُشْتَرِي يَمْنَعُ الرَّدَّ.

(أَمَّا) الْهَلَاكُ فَظَاهِرٌ، وَكَذَا النُّقْصَانُ لِفَوَاتِ شَرْطِ الرَّدِّ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَا قَبَضَ، كَمَا قَبَضَ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْهُ، فَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْقَدْرِ الْفَائِتِ، فَتَقَرَّرَ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ فَوَاتَهُ حَصَلَ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي، فَلَوْ رَدَّ الْبَاقِي كَانَ ذَلِكَ تَفْرِيقَ الصَّفْقَةِ عَلَى الْبَائِعِ قَبْلَ التَّمَامِ، وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَإِذَا امْتَنَعَ الرَّدُّ بَطَلَ الْخِيَارُ لِمَا قُلْنَا، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَيْضًا إلَّا فِي خَصْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا انْتَقَصَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِي فِيهِمَا عَلَى خِيَارِهِ عِنْدَهُ إنْ شَاءَ رَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَأَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْبَائِعِ كَذَا ذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ الِاخْتِلَافَ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ ، وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِارْتِفَاعَ كَالْمَرَضِ، فَالْمُشْتَرِي عَلَى خِيَارِهِ إنْ شَاءَ فَسَخَ، وَإِنْ شَاءَ أَجَازَ؛ لِأَنَّ كُلَّ عَارِضٍ عَلَى أَصْلٍ إذَا ارْتَفَعَ يَلْحَقُ بِالْعَدَمِ، وَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْأَصْلُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ إلَّا أَنْ يَرْتَفِعَ الْعَيْبُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِنْ مَضَتْ الْمُدَّةُ، وَالْعَيْبُ قَائِمٌ بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ، وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِتَعَذُّرِ الرَّدِّ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ مَا إذَا ازْدَادَ

<<  <  ج: ص:  >  >>