النَّصِّ شَرْطُ السَّلَامَةِ لَا شَرْطُ السَّبَبِ، وَلَا شَرْطُ الْحُكْمِ، وَأَثَرُهُ فِي مَنْعِ اللُّزُومِ لَا فِي مَنْعِ أَصْلِ الْحُكْمِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ هُنَاكَ دَخَلَ عَلَى السَّبَبِ، فَيَمْنَعُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ الْحُكْمِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ.
(وَأَمَّا) صِفَتُهُ، فَهِيَ أَنَّهُ مِلْكٌ غَيْرُ لَازِمٍ؛ لِأَنَّ السَّلَامَةَ شَرْطٌ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً، فَمَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ لَا يَلْزَمُ الْبَيْعُ، فَلَا يَلْزَمُ حُكْمُهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ السَّلَامَةَ مَشْرُوطَةٌ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً أَنَّ السَّلَامَةَ فِي الْبَيْعِ مَطْلُوبَةُ الْمُشْتَرِي عَادَةً إلَى آخِرِهِ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِانْتِفَاعُ بِالْمَبِيعِ، وَلَا يَتَكَامَلُ انْتِفَاعُهُ إلَّا بِقَيْدِ السَّلَامَةِ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ جَمِيعَ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلَّمَ لَهُ جَمِيعُ الْمَبِيعِ، فَكَانَتْ السَّلَامَةُ مَشْرُوطَةً فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً، فَكَانَتْ كَالْمَشْرُوطَةِ نَصًّا، فَإِذَا، فَاتَتْ الْمُسَاوَاةُ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ، كَمَا إذَا اشْتَرَى جَارِيَةً عَلَى أَنَّهَا بِكْرٌ أَوْ عَلَى أَنَّهَا طَبَّاخَةٌ، فَلَمْ يَجِدْهَا كَذَلِكَ، وَكَذَا السَّلَامَةُ مِنْ مُقْتَضَيَاتِ الْعَقْدِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ، وَالْمُعَاوَضَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى الْمُسَاوَاةِ عَادَةً وَحَقِيقَةً، وَتَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ فِي مُقَابَلَةِ الْبَدَلِ بِالْمُبْدَلِ، وَالسَّلَامَةِ بِالسَّلَامَةِ، فَكَانَ إطْلَاقُ الْعَقْدِ مُقْتَضِيًا لِلسَّلَامَةِ، فَإِذَا لَمْ يُسَلَّمْ الْمَبِيعُ لِلْمُشْتَرِي يَثْبُتُ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يُطَالِبُهُ بِتَسْلِيمِ قَدْرِ الْفَائِتِ بِالْعَيْبِ بِحُكْمِ الْعَقْدِ، وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ تَسْلِيمِهِ، فَيَثْبُتُ الْخِيَارُ، وَلِأَنَّ السَّلَامَةَ لَمَّا كَانَتْ مَرْغُوبَةَ الْمُشْتَرِي، وَلَمْ يَحْصُلْ، فَقَدْ اخْتَلَّ رِضَاهُ، وَهَذَا يُوجِبُ الْخِيَارَ؛ لِأَنَّ الرِّضَا شَرْطُ صِحَّةِ الْبَيْعِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: ٢٩] ، فَانْعِدَامُ الرِّضَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْبَيْعِ، وَاخْتِلَالُهُ يُوجِبُ الْخِيَارَ فِيهِ إثْبَاتًا لِلْحُكْمِ عَلَى قَدْرِ الدَّلِيلِ، وَالْأَصْلُ فِي شَرْعِيَّةِ هَذَا الْخِيَارِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ اشْتَرَى شَاةً مُحَفَّلَةً، فَوَجَدَهَا مُصَرَّاةً، فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَفِي رِوَايَةٍ، فَهُوَ بِأَحَدِ النَّظَرَيْنِ إلَى ثَلَاثَةٍ إنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّ، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ» ، وَالنَّظَرَانِ الْمَذْكُورَانِ هُمَا نَظَرُ الْإِمْسَاكِ وَالرَّدِّ، وَذِكْرُ الثَّلَاثِ فِي الْحَدِيثِ لَيْسَ لِلتَّوْقِيتِ؛ لِأَنَّ هَذَا النَّوْعَ مِنْ الْخِيَارِ لَيْسَ بِمُوَقَّتٍ بَلْ هُوَ بِنَاءُ الْأَمْرِ عَلَى الْغَالِبِ الْمُعْتَادِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرَى إنْ كَانَ بِهِ عَيْبٌ يَقِفُ عَلَيْهِ الْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ عَادَةً، فَيَرْضَى بِهِ، فَيُمْسِكُهُ أَوْ لَا يَرْضَى بِهِ، فَيَرُدُّهُ، وَالصَّاعُ مِنْ التَّمْرِ كَأَنَّهُ قِيمَةُ اللَّبَنِ الَّذِي حَلَبَهُ الْمُشْتَرِي عَلِمَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِطَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَأَمَّا) تَفْسِيرُ الْعَيْبِ الَّذِي يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَتَفْصِيلُ الْمُفَسَّرِ، فَكُلُّ مَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ نُقْصَانًا فَاحِشًا أَوْ يَسِيرًا، فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَمَا لَا فَلَا نَحْوَ الْعَمَى وَالْعَوَرِ وَالْحَوَلِ وَالْقَبَلِ، وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْحَوْلِ مَصْدَرُ الْأَقْبَلِ، وَهُوَ الَّذِي كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى طَرَفِ أَنْفِهِ، وَالسَّبَلِ، وَهُوَ زِيَادَةٌ فِي الْأَجْفَانِ، وَالْعَشَا مَصْدَرُ الْأَعْشَى، وَهُوَ الَّذِي لَا يُبْصِرُ بِاللَّيْلِ، وَالْخَوَصِ مَصْدَرُ الْأَخْوَصِ، وَهُوَ غَائِرُ الْعَيْنِ، وَالْحَوَصِ مَصْدَرُ الْأَحْوَصِ، وَهُوَ الضَّيِّقُ مُؤَخَّرِ الْعَيْنِ، وَالْغَرَبِ وَهُوَ وَرَمٌ فِي الْآمَاقِ، وَهِيَ أَطْرَافُ الْعَيْنِ الَّتِي تَلِي الْأَنْفَ، وَقِيلَ هُوَ دُرُورُ الدَّمْعِ دَائِمًا، وَالظَّفَرَةُ، وَهِيَ الَّتِي يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ ناخنه، وَالشَّتَرِ، وَهُوَ انْقِلَابُ جَفْنِ الْعَيْنِ وَالْبَرَصِ وَالْقَرَعِ، وَالسَّلْعِ وَالشَّلَلِ وَالزَّمَانَةِ، وَالْفَدَعِ، وَهُوَ اعْوِجَاجٌ فِي الرُّسْغِ مِنْ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَالْفَجَجِ مَصْدَرُ الْأَفْجَجُ، وَهُوَ الَّذِي يَتَدَانَى عَقِبَاهُ، وَيَنْكَشِفُ سَاقَاهُ فِي الْمَشْيِ، وَالصَّكَكِ مَصْدَرُ الْأَصَكِّ، وَهُوَ الَّذِي تَصْطَكُّ رُكْبَتَاهُ.
وَالْحَنَفُ مَصْدَرُ الْأَحْنَفِ، وَهُوَ الَّذِي أَقْبَلَتْ إحْدَى إبْهَامِ رِجْلَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى، وَالْبَزَا مَصْدَرُ الْأَبْزَى، وَهُوَ خُرُوجُ الصَّدْرِ، وَالْعُسْرِ مَصْدَرُ الْأَعْسَرِ، وَهُوَ الَّذِي يَعْمَلُ بِشِمَالِهِ، وَالْإِصْبَعِ الزَّائِدَةِ وَالنَّاقِصَةِ وَالسِّنِّ الشَّاغِيَةِ وَالسَّوْدَاءِ وَالنَّاقِصَةِ وَالظُّفْرِ الْأَسْوَدِ، وَالْبَخَرِ، وَهُوَ نَتْنُ الْفَمِ فِي الْجَوَارِي لَا فِي الْعَبِيدِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فَاحِشًا؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ عَنْ دَاءٍ، وَالزَّفَرِ، وَهُوَ نَتْنُ الْإِبِطِ فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْغُلَامِ إلَّا أَنْ يَفْحُشَ، فَيَكُونُ عَيْبًا فِيهِمَا جَمِيعًا، وَالْأَدَرِ مَصْدَرُ الْأُدْرَةِ، وَهُوَ الَّذِي بِهِ أُدْرَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ: فَتْحُ، وَالرَّتَقِ وَهُوَ انْسِدَادُ فَرْجِ الْجَارِيَةِ وَالْفَتْقِ وَهُوَ انْفِتَاحُ فَرْجِهَا وَالْقَرَنِ، وَهُوَ فِي النِّسَاءِ كَالْأُدْرَةِ فِي الرِّجَالِ وَالشَّمَطِ، وَالشَّيْبِ فِي الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ وَالسَّلُول وَالْقُرُوحِ وَالشِّجَاجِ وَالْأَمْرَاضِ كُلِّهَا وَالْحَبَلِ فِي الْجَوَارِي لَا فِي الْبَهَائِمِ؛ لِأَنَّهُ زِيَادَةٌ فِي الْبَهِيمَةِ، وَحَذْفِ الْحُرُوفِ فِي الْمُصْحَفِ الْكَرِيمِ أَوْ فِي بَعْضِهِ، وَالزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْفِرَاشَ، وَقَدْ يُقْصَدُ الْفِرَاشُ فِي الْإِمَاءِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ إلَّا إذَا فَحُشَ.
وَصَارَ اتِّبَاعُ النِّسَاءِ عَادَةً لَهُ، فَيَكُونُ عَيْبًا فِيهِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ يُوجِبُ تَعْطِيلَ مَنَافِعِهِ عَلَى الْمَوْلَى، وَكَذَا إذَا ظَهَرَ وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَيْبٌ، وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: بِبَلْخٍ: الزِّنَا يَكُونُ عَيْبًا فِي الْغُلَامِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْتَمَنُ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ، فَلَا يُسْتَخْدَمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute