وَهَذَا لَيْسَ بِسَدِيدٍ؛ لِأَنَّ الْغُلَامَ الْكَبِيرَ لَا يُشْتَرَى لِلِاسْتِخْدَامِ فِي الْبَيْتِ بَلْ لِلْأَعْمَالِ الْخَارِجَةِ، وَكَوْنُ الْمُشْتَرَى وَلَدَ الزِّنَا فِي الْجَارِيَةِ لَا فِي الْعَبِيدِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ قَدْ يُقْصَدُ الْفِرَاشُ مِنْ الْجَوَارِي، فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ يُعَيَّرُ وَلَدُهُ بِأُمِّهِ بِخِلَافِ الْغُلَامِ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَى لِلْخِدْمَةِ عَادَةً، وَالْكُفْرُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ الطَّبْعَ السَّلِيمَ يَنْفِرُ عَنْ صُحْبَةِ الْكَافِرِ.
(وَأَمَّا) الْإِسْلَامُ، فَلَيْسَ بِعَيْبٍ بِأَنْ اشْتَرَى نَصْرَانِيٌّ عَبْدًا، فَوَجَدَهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ زِيَادَةٌ، وَالنِّكَاحُ فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ مَمْلُوكَةٌ لِلزَّوْجِ، وَالْعَبْدُ يُبَاعُ فِي الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ، فَيُوجِبُ ذَلِكَ نُقْصَانًا فِي ثَمَنِهِمَا، وَالْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا مِنْ طَلَاقٍ بَائِنٍ أَوْ ثَلَاثٍ؛ لِأَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُوجِبُ زَوَالَ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْبَائِنِ، وَالثَّلَاثِ، وَاحْتِبَاسُ الْحَيْضَةِ فِي الْجَارِيَةِ الْبَالِغَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً شَهْرَانِ فَصَاعِدًا، وَالِاسْتِحَاضَةُ؛ لِأَنَّ ارْتِفَاعَ الْحَيْضِ فِي أَوَانِهِ لَا يَكُونُ إلَّا لِدَاءٍ عَادَةً، وَكَذَا اسْتِمْرَارُ الدَّمِ فِي أَيَّامِ الطُّهْرِ، وَالْإِحْرَامُ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَمْلِكُ إزَالَتَهُ، فَإِنَّ لَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا، وَالْحُرْمَةُ بِالرَّضَاعِ أَوْ الصِّهْرِيَّةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْجَوَارِيَ لَا يُشْتَرَيْنَ لِلِاسْتِمْتَاعِ عَادَةً بَلْ لِلِاسْتِخْدَامِ فِي الْبَيْتِ، وَهَذِهِ الْحُرْمَةُ لَا تَقْدَحُ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ النِّكَاحِ حَيْثُ يَكُونُ عَيْبًا، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِ إلَّا حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ؛ لِأَنَّهُ يَخِلُّ بِالِاسْتِخْدَامِ.
وَالثِّيَابَةُ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ اشْتَرَاهَا عَلَى شَرْطِ الْبَكَارَةِ، فَيَرُدَّهَا بَعْدَ الشَّرْطِ، وَالدَّيْنُ وَالْجِنَايَةُ؛ لِأَنَّهُ يُدْفَعُ بِالْجِنَايَةِ، وَيُبَاعُ بِالدَّيْنِ، وَالْجَهْلُ بِالطَّبْخِ وَالْخَبْزِ فِي الْجَارِيَةِ لَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ بَلْ هُوَ حِرْفَةٌ بِمَنْزِلَةِ الْخِيَاطَةِ وَنَحْوِهَا، فَانْعِدَامُهُ لَا يَكُونُ عَيْبًا إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ، فَيَرُدَّهَا لِفَوَاتِ الشَّرْطِ لَا لِلْعَيْبِ، وَلَوْ كَانَتْ تُحْسِنُ الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، ثُمَّ نَسِيَتْ فِي يَدِهِ، فَاشْتَرَاهَا فَوَجَدَهَا لَا تُحْسِنُ ذَلِكَ رَدَّهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَشْرُوطًا فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ تُحْسِنُ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهِيَ صِفَةٌ مَرْغُوبَةٌ تُشْتَرَى لَهَا الْجَارِيَةُ عَادَةً.
فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهَا رَغْبَةً فِيهَا، فَصَارَتْ مَشْرُوطَةً دَلَالَةً، فَيَرُدُّهَا لِانْعِدَامِ الْمَشْرُوطِ، كَمَا لَوْ شَرَطَ ذَلِكَ نَصًّا، وَانْعِدَامُ الْخِتَانِ فِي الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ إذَا كَانَا مَوْلُودَيْنِ كَبِيرَيْنِ، فَإِنْ كَانَا مَوْلُودَيْنِ صَغِيرَيْنِ، فَلَيْسَ بِعَيْبٍ؛ لِأَنَّ الْخِتَانَ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ فِيهِ زِيَادَةُ أَلَمٍ، وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ فِي الْجَارِيَةِ فِي عُرْفِ بِلَادِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَخْتِنُونَ الْجَوَارِيَ، فَأَمَّا فِي عُرْفِ دِيَارِنَا، فَالْجَارِيَةُ لَا تُخْتَنُ، فَعَدَمُ الْخِتَانِ فِيهَا لَا يَكُونُ عَيْبًا أَصْلًا، وَإِنْ كَانَ الْغُلَامُ كَبِيرًا حَرْبِيًّا لَا يَكُونُ عَيْبًا؛ لِأَنَّهُ فِيهِ ضَرُورَةٌ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ الرَّقِيقِ يُؤْتَى بِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ، وَأَهْلُ الْحَرْبِ لَا خِتَانَ لَهُمْ، فَلَوْ جُعِلَ ذَلِكَ عَيْبًا يُرَدُّ بِهِ لَضَاقَ الْأَمْرُ عَلَى النَّاسِ، وَلِأَنَّ الْخِتَانَ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ فِعْلِ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَعَادَتِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ اشْتَرَاهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الرِّضَا بِالْعَيْبِ، وَالْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ وَالْجُنُونُ؛ لِأَنَّ كُلَّ، وَاحِدٍ مِنْهَا يُوجِبُ النُّقْصَانَ فِي الثَّمَنِ فِي عَادَةِ التُّجَّارِ نُقْصَانًا، فَاحِشًا، فَكَانَ عَيْبًا إلَّا أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ؟ .
وَهَلْ يُشْتَرَطُ ثُبُوتُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي بِالْحُجَّةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ؟ فَسَنَذْكُرُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالْحَنَفُ مَصْدَرُ الْأَحْنَفِ مِنْ الْخَيَلِ، وَهُوَ الَّذِي إحْدَى عَيْنَيْهِ زَرْقَاءُ، وَالْأُخْرَى كَحْلَاءُ، وَالصَّدَفِ مَصْدَرُ الْأَصْدَفِ، وَهُوَ الدَّابَّةُ الَّتِي يَتَدَانَى فَخْذَاهَا، وَيَتَبَاعَدُ حَافِرَاهَا، وَيَلْتَوِي رُسْغَاهَا، وَالْعَزْلُ مَصْدَرُ الْأَعْزَلِ، وَهُوَ مِنْ الدَّوَابِّ الَّذِي يَقَعُ ذَنَبُهُ مِنْ جَانِبٍ عَادَةً لَا خِلْقَةً، وَالْمَشَشُ، وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْعَظْمِ لِآفَةٍ أَصَابَتْهُ، وَالْجَرَدُ مَصْدَرُ الْأَجْرَدِ، وَهُوَ مِنْ الْإِبِلِ الَّذِي أَصَابَهُ انْقِطَاعُ عَصَبٍ مِنْ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، فَهُوَ يُنْقِصُهَا إذَا سَارَ، وَالْحَرَّانُ، وَالْحَرُونُ مَصْدَرُ الْحَرُونِ، وَهُوَ الَّذِي يَقِفُ، وَلَا يَنْقَادُ لِلسَّائِقِ، وَلَا لِلْقَائِدِ، وَالْجِمَاحُ وَالْجُمُوحُ مَصْدَرُ الْجَمُوحِ، وَهُوَ أَنْ يَشْتَدَّ الْفَرَسُ، فَيَغْلِبُ رَاكِبَهُ، وَخَلْعُ الرَّسَنِ ظَاهِرٌ، وَبَلُّ الْمِخْلَاةِ كَذَلِكَ، وَالْهَشْمُ فِي الْأَوَانِي، وَالصَّدْعُ فِي الْحَوَائِطِ وَالْجُذُوعِ، وَنَحْوِهَا مِنْ الْعُيُوبِ، فَأَنْوَاعُ الْعُيُوبِ فِيهَا كَثِيرَةٌ لَا وَجْهَ لِذِكْرِهَا هَهُنَا كُلِّهَا، وَالتَّعْوِيلُ فِي الْبَابِ عَلَى عُرْفِ التُّجَّارِ، فَمَا نَقَصَ الثَّمَنَ فِي عُرْفِهِمْ، فَهُوَ عَيْبٌ يُوجِبُ الْخِيَارَ، وَمَا لَا فَلَا، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
، وَأَمَّا شَرَائِطُ ثُبُوتِ الْخِيَارِ (فَمِنْهَا) ثُبُوتُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ حَتَّى لَوْ حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ لِفَوَاتِ صِفَةِ السَّلَامَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الْعَقْدِ دَلَالَةً، وَقَدْ حُصِّلَتْ السِّلْعَةُ سَلِيمَةً فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَمِنْهَا) ثُبُوتُهُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا قَبَضَ الْمَبِيعَ، وَلَا يُكْتَفَى بِالثُّبُوتِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ فِي جَمِيعِ الْعُيُوبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: فِيمَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ الْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةِ، وَالْبَوْلِ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute