الْفِرَاشِ، وَالْجُنُونِ، فَكَذَلِكَ، فَأَمَّا فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ، فَثُبُوتُهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْبَائِعِ كَافٍ، وَبَعْضُهُمْ فَصَّلَ فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ، فَقَالَ: لَا يُشْتَرَطُ فِي الْجُنُونِ، وَيُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ.
(وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ فَصَّلَ هَذِهِ الْعُيُوبَ الْأَرْبَعَةَ مِنْ سَائِرِهَا فِي اعْتِبَارِ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّ هَذِهِ الْعُيُوبَ عُيُوبٌ لَازِمَةٌ لَا زَوَالَ لَهَا إذَا ثَبَتَتْ فِي شَخْصٍ إلَى أَنْ يَمُوتَ، فَثُبُوتُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ يَدُلُّ عَلَى بَقَائِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَكَانَ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَظْهَرَ عِنْدَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْعُيُوبِ، فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ (وَجْهُ) قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْجُنُونِ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ أَنَّ الْجُنُونَ لِفَسَادٍ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ، وَهُوَ الدِّمَاغُ، وَهَذَا مِمَّا لَا زَوَالَ لَهُ عَادَةً إذَا ثَبَتَ، وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ: إنَّ الْجُنُونَ عَيْبٌ لَازِمٌ بِخِلَافِ الْإِبَاقِ، وَالْبَوْلِ فِي الْفِرَاشِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ بَلْ تَحْتَمِلُ الزَّوَالَ لِزَوَالِ أَسْبَابِهَا.
(وَجْهُ) قَوْلِ الْعَامَّةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ نَصًّا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي حَقُّ الرَّدِّ فِي هَذِهِ الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ إلَّا بَعْدَ ثُبُوتِهَا عِنْدَهُ، فَكَانَ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الثَّابِتَ عِنْدَ الْبَائِعِ مُحْتَمِلُ الزَّوَالِ قَابِلُ الِارْتِفَاعِ، فَأَمَّا مَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ لَا شَكَّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعُيُوبُ الْأَرْبَعَةُ؛ لِأَنَّ حُدُوثَهَا فِي الذَّاتِ لِلْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُدُوثِ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلزَّوَالِ، فَكَانَتْ هِيَ مُحْتَمِلَةً لِلزَّوَالِ لِاحْتِمَالِ زَوَالِ أَسْبَابِهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ، وَإِنْ ارْتَفَعَتْ لَا يَثْبُتُ، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالِاحْتِمَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ثُبُوتِهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي؛ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا قَائِمَةٌ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ الْجُنُونُ إذَا ثَبَتَ لَا يَزُولُ عَادَةً مَمْنُوعٌ، فَإِنَّ الْمَجْنُونَ قَدْ يُفِيقُ، وَيَزُولُ جُنُونُهُ بِحَيْثُ لَا يَعُودُ إلَيْهِ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا يُعْلَمُ بَقَاؤُهُ، كَمَا فِي الْأَنْوَاعِ الْأُخَرِ إلَّا أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ هُنَاكَ يُشْتَرَطُ اتِّحَادُ الْحَالَةِ لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ.
وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وُجُودُهَا عِنْدَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فِي حَالَةِ الصِّغَرِ أَوْ فِي حَالِ الْكِبَرِ حَتَّى لَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ فِي الْفِرَاشِ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَاقِلٌ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَفِي الْجُنُونِ اتِّحَادُ الْحَالَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَالِ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ السَّبَبِ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْبَوْلِ عَلَى الْفِرَاشِ فِي حَالِ الصِّغَرِ هُوَ ضَعْفٌ فِي الْمَثَانَةِ، وَفِي الْكِبَرِ هُوَ دَاءٌ فِي الْبَاطِنِ، وَالسَّبَبُ فِي الْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةِ فِي الصِّغَرِ هُوَ الْجَهْلُ، وَقِلَّةُ التَّمْيِيزِ، وَفِي الْكِبَرِ الشَّرَارَةُ وَخُبْثُ الطَّبِيعَةِ، وَاخْتِلَافُ السَّبَبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْحُكْمِ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ غَيْرَ الْمَوْجُودِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، فَكَانَ عَيْبًا حَادِثًا، وَأَنَّهُ يَمْنَعُ الرَّدَّ بِالْعَيْبِ الْحَادِثِ بِخِلَافِ الْجُنُونِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ فِي الْحَالَيْنِ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، وَهُوَ فَسَادٌ فِي مَحَلِّ الْعَقْلِ، وَهُوَ الدِّمَاغُ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ فِي حَالَةِ الْكِبَرِ عَيْنَ الْمَوْجُودِ فِي حَالَةِ الصِّغَرِ، وَهَذَا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
مَعْنَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْكِتَابِ الْجُنُونُ عَيْبٌ لَازِمٌ أَبَدًا لَا مَا قَالَهُ أُولَئِكَ، وَاَللَّهُ ﷿ الْمُوَفِّقُ (وَمِنْهَا) عَقْلُ الصَّبِيِّ فِي الْإِبَاقِ، وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ عَلَى الْفِرَاشِ حَتَّى لَوْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عَلَى الْفِرَاشِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي، وَهُوَ كَذَلِكَ لَا يَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الرَّدِّ، وَهَذَا إذَا فَعَلَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ صَغِيرٌ لَا يَعْقِلُ، ثُمَّ وُجِدَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ مَا عَقَلَ؛ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِعَيْبٍ، وَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْعَيْبِ فِي يَدِهِ (وَمِنْهَا) اتِّحَادُ الْحَالِ فِي الْعُيُوبِ الثَّلَاثَةِ، فَإِنْ اخْتَلَفَ لَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الرَّدِّ بِأَنْ أَبَقَ أَوْ سَرَقَ أَوْ بَالَ عَلَى الْفِرَاشِ فِي يَدِ الْبَائِعِ، وَهُوَ صَغِيرٌ عَاقِلٌ، ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْبُلُوغِ؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْحَالِ دَلِيلُ اخْتِلَافِ سَبَبِ الْعَيْبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَاخْتِلَافُ سَبَبِ الْعَيْبِ يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْعَيْبِ، فَكَانَ الْمَوْجُودُ بَعْدَ الْبُلُوغِ عَيْبًا حَادِثًا عِنْدَ الرَّدِّ، وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
(وَمِنْهَا) جَهْلُ الْمُشْتَرِي بِوُجُودِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ، فَإِنْ كَانَ عَالِمًا بِهِ عِنْدَ أَحَدِهِمَا، فَلَا خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِالْعَيْبِ رِضًا بِهِ دَلَالَةً، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ عِنْدَ الْعَقْدِ، ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَمَامَ الصَّفْقَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْقَبْضِ، فَكَانَ الْعِلْمُ عِنْدَ الْقَبْضِ كَالْعِلْمِ عِنْدَ الْعَقْدِ (وَمِنْهَا) عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا حَتَّى لَوْ شَرَطَ، فَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَرَاءَةِ عَنْ الْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ عِنْدَنَا صَحِيحٌ، فَإِذَا أَبْرَأَهُ، فَقَدْ أَسْقَطَ حَقَّ نَفْسِهِ، فَصَحَّ الْإِسْقَاطُ، فَيَسْقُطُ ضَرُورَةً.
ثُمَّ الْكَلَامُ فِي الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ فِي الْأَصْلِ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فِي جَوَازِهِ، وَالثَّانِي: فِي بَيَانِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ أَمَّا الْكَلَامُ فِي جَوَازِهِ، فَقَدْ مَرَّ فِي مَوْضِعِهِ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ هَهُنَا إلَى بَيَانِ مَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْعَيْبِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْبَرَاءَةُ لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ كَانَتْ عَامَّةً بِأَنْ قَالَ: بِعْت عَلَى أَنِّي بَرِيءٌ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute