للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُشْتَرِي بَلْ يَحْتَاجُ الْمُشْتَرِي إلَى إثْبَاتِ كَوْنِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اُحْتُمِلَ حُدُوثُ مِثْلَهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ اُحْتُمِلَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَحَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، فَلَا يَثْبُتُ حَقُّ الرَّدِّ بِالِاحْتِمَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ بِالْبَيِّنَةِ، وَهِيَ شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ طَبِيبَتَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ طَبِيبَتَيْنِ.

وَإِنَّمَا شُرِطَ الْعَدَدُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ يُقْضَى بِهَا عَلَى الْخَصْمِ، فَكَانَ الْعَدَدُ فِيهَا شَرْطًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ الَّتِي يُقْضَى بِهَا عَلَى الْخُصُومِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ يُرَدُّ بِثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي، وَلَا يُحْتَاجُ إلَى الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِالثُّبُوتِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي بَلْ لَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ قَوْلَ النِّسَاءِ فِي هَذَا الْبَابِ حُجَّةٌ ضَرُورَةً، وَالضَّرُورَةُ فِي الْقَبُولِ فِي حَقِّ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَتَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِهِ عِنْدَ الْبَائِعِ لِاحْتِمَالِ الْحُدُوثِ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُمَا فِي حَقِّ تَوَجُّهِ الْخُصُومَةِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ، وَإِذَا كَانَ الثُّبُوتُ عِنْدَ الْبَائِعِ فِيمَا يَحْدُثُ مِثْلُهُ شَرْطًا لِثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ.

فَيَقُولُ الْقَاضِي: هَلْ كَانَ هَذَا الْعَيْبُ عِنْدَكَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، رُدَّ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الرِّضَا أَوْ الْإِبْرَاءَ، وَإِنْ قَالَ: لَا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقَّ الرَّدِّ وَهُوَ يُنْكِرُ، فَإِنْ أَقَامَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ رَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ الدَّفْعَ أَوْ الْإِبْرَاءَ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَتَنْدَفِعُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَطَلَبَ يَمِينَ الْمُشْتَرِي حَلَّفَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ وَإِلَّا أَبْرَأَهُ عَنْهُ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ مُنْذُ رَآهُ، وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ الدَّفْعَ بِالرِّضَا وَالْإِبْرَاءَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِفَسْخِ الْعَقْدِ وَلَا يَسْتَحْلِفُ الْمُشْتَرِيَ عَلَى الرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ وَالْعَرْضِ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ: لَا يَفْسَخُ مَا لَمْ يَسْتَحْلِفْهُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا رَضِيَ بِهَذَا الْعَيْبِ وَلَا أَبْرَأَهُ عَنْهُ وَلَا عَرَضَهُ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ مَا عَلِمَ بِهِ مِنْ الْعَيْبِ.

(وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِالْفَسْخِ قَبْلَ الِاسْتِحْلَافِ فَمِنْ الْجَائِزِ أَنْ يَدَّعِيَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِالدَّفْعِ بِدَعْوَى الرِّضَا وَالْإِبْرَاءِ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِالْفَسْخِ وَيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ فَيُفْسَخُ قَضَاؤُهُ، فَكَانَ الِاسْتِحْلَافُ قَبْلَ الْفَسْخِ فِيهِ صِيَانَةٌ لِلْقَضَاءِ عَنْ النَّقْضِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ الْبَائِعَ إذَا لَمْ يَطْلُبْ يَمِينَ الْمُشْتَرِي فَتَحْلِيفُ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ طَلَبِ الْخَصْمِ إنْشَاءُ الْخُصُومَةِ، وَالْقَاضِي نُصِّبَ لِقَطْعِ الْخُصُومَةِ لَا لِإِنْشَائِهَا، وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ فِي هَذَا صِيَانَةَ قَضَاءِ الْقَاضِي عَنْ الْفَسْخِ فَنَقُولُ: الصِّيَانَةُ حَاصِلَةٌ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَعْلَمْ بِوُجُودِ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي، إذْ لَوْ عَلِمَ لَادَّعَى الدَّفْعَ بِدَعْوَى، وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ دَعْوَى الدَّفْعِ عِنْدَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ دَلَّ أَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ الرِّضَا مِنْ الْمُشْتَرِي فَلَا يَدَّعِي الدَّفْعَ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَإِنْ لَمْ يُقِمْ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً عَلَى إثْبَاتِ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَائِعِ وَطَلَبَ الْمُشْتَرِي يَمِينَهُ فَفِيمَا سِوَى الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ بِعْتُهُ وَسَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ، وَإِنَّمَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ فِي الِاسْتِحْلَافِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْبَيْعِ يُوجِبُ بُطْلَانَ حَقِّ الْمُشْتَرِي فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ لِجَوَازِ أَنْ يَحْدُثَ الْعَيْبُ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا احْتِيَاطَ فِي هَذَا لِأَنَّهُ لَوْ اُسْتُحْلِفَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَمِنْ الْجَائِزِ حُدُوثُ الْعَيْبِ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَيَكُونُ الْبَائِعُ صَادِقًا فِي يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ حِنْثِهِ وُجُودُ الْعَيْبِ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ جَمِيعًا فَلَا يَحْنَثُ بِوُجُودِهِ فِي أَحَدِهِمَا فَيَبْطُلُ حَقُّ الْمُشْتَرِي فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي هَذَا الِاسْتِحْلَافِ عَلَى حَاصِلِ الدَّعْوَى بِاَللَّهِ ﷿ مَا لَهُ حَقُّ الرَّدِّ بِهَذَا الْعَيْبِ الَّذِي ذَكَرَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَقَدْ سَلَّمْتُهُ وَمَا بِهِ هَذَا الْعَيْبُ الَّذِي يَدَّعِي وَهُوَ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيهِ الْمَوْجُودُ عِنْدَ الْبَيْعِ وَالْحَادِثُ قَبْلَ التَّسْلِيمِ.

وَإِنَّمَا لَمْ يُسْتَحْلَفْ عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّهُ اُسْتُحْلِفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ " وَهُوَ الْبَيْعُ وَالتَّسْلِيمُ " بِصِفَةِ السَّلَامَةِ ثُمَّ إذَا حَلَفَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ يُرَدُّ عَلَيْهِ وَيُفْسَخُ الْعَقْدُ إلَّا إذَا ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي الرِّضَا بِالْعَيْبِ أَوْ الْإِبْرَاءَ عَنْهُ أَوْ الْعَرْضَ عَلَى الْبَيْعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ، وَيُقِيمُ الْبَيِّنَةَ فَيَبْرَأُ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ وَطَلَبَ تَحْلِيفَ الْمُشْتَرِي يَحْلِفُ عَلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَطْلُبْ يُفْسَخُ الْعَقْدُ، وَلَا يُحَلِّفْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.

(وَأَمَّا) فِي الْعُيُوبِ الْأَرْبَعَةِ: فَفِي الثَّلَاثَةِ مِنْهَا وَهِيَ الْإِبَاقُ وَالسَّرِقَةُ وَالْبَوْلُ فِي الْفِرَاشِ يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا أَبِقَ عِنْدَكَ مُنْذُ بَلَغَ مَبْلَغَ الرِّجَالِ، وَفِي الْجُنُونِ بِاَللَّهِ ﷿ مَا جُنَّ عِنْدَك قَطُّ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْعُيُوبُ فِي كَيْفِيَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>