لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ، وَلَهُ وِلَايَةُ الْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الْخِيَارَ حَقُّهُ وَالْمَحَلُّ قَابِلٌ لِلسُّقُوطِ، أَلَا تَرَى كَيْفَ احْتَمَلَ السُّقُوطَ بِالْإِسْقَاطِ صَرِيحًا؟ فَإِذَا أَسْقَطَهُ يَسْقُطُ.
(وَمِنْهَا) هَلَاكُ الْمَبِيعِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الرَّدِّ.
(وَمِنْهَا) نُقْصَانُهُ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِيهِ أَنَّ نُقْصَانَ الْمَبِيعِ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ فَهَذَا وَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَيْبٌ سَوَاءٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَا حُكْمَهُ فِي بَيْعِ الْبَاتِّ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ، ثُمَّ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ نُقْصَانَ قَدْرٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَإِنْ كَانَ نُقْصَانَ وَصْفٍ فَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِمَا ذَكَرْنَا هُنَالِكَ، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ فِيهِ، وَفِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ عَيْبٌ سَوَاءٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَطُرِحَ عَنْهُ قَدْرُ النُّقْصَانِ الَّذِي حَصَلَ بِفِعْلِ الْبَائِعِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَا خِيَارَ لَهُ وَيَصِيرُ قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ وَيَتَقَرَّرُ عَلَيْهِ جَمِيعُ الثَّمَنِ إنْ لَمْ يَجِدْ بِهِ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ.
وَإِنْ وَجَدَ عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ فَإِنْ شَاءَ رَجَعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ: أَنَا آخُذُهُ مَعَ النُّقْصَانِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَحْبِسَهُ وَيَرْجِعَ عَلَيْهِ بِالنُّقْصَانِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَيْهِ وَيَسْقُطُ جَمِيعُ الثَّمَنِ، وَسَنَذْكُرُ الْأَصْلَ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ فِي بَيَانِ مَا يَمْنَعُ الرُّجُوعَ بِنُقْصَانِ الْعَيْبِ وَمَا لَا يَمْنَعُ، هَذَا إذَا لَمْ يُوجَدْ مِنْ الْبَائِعِ مَنْعُ الْمَبِيعِ لِاسْتِيفَاءِ الثَّمَنِ بَعْدَ مَا صَارَ الْمُشْتَرِي قَابِضًا بِالْجِنَايَةِ، فَأَمَّا إذَا وُجِدَ مِنْهُ مَنْعٌ بَعْدَ ذَلِكَ ثُمَّ وَجَدَ الْمُشْتَرِي بِهِ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْمُشْتَرِي جَمِيعُ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لِلْمَبِيعِ نَاقِضًا ذَلِكَ الْقَبْضَ فَانْتَقَضَ وَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ، فَكَانَ حَقُّ الرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ وَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ إلَّا قَدْرَ مَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ.
وَإِنْ كَانَ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَيَسْقُطُ عَنْهُ جَمِيعُ الثَّمَنِ وَاتَّبَعَ الْبَائِعُ الْجَانِيَ بِالْأَرْشِ كَمَا إذَا لَمْ يَجِدْ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، هَذَا إذَا حَدَثَ النُّقْصَانُ قَبْلَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا، فَأَمَّا إذَا حَدَثَ بَعْدَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَجَدَ بِهِ عَيْبًا فَإِنْ حَدَثَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ أَوْ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ وَيَرُدَّ مَعَهُ أَرْشَ الْعَيْبِ الْحَادِثِ (وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّ حَقَّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ثَبَتَ نَظَرًا لِلْمُشْتَرِي فَلَوْ امْتَنَعَ إنَّمَا يَمْتَنِعُ نَظَرًا لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِاسْتِحْقَاقِ النَّظَرِ أَوْلَى مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدَلِّسْ الْعَيْبَ وَالْبَائِعُ قَدْ دَلَّسَ (وَلَنَا) أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ عِنْدَ الرَّدِّ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِ الْبَائِعِ مَعِيبًا بِعَيْبٍ وَاحِدٍ وَيَعُودُ عَلَى مِلْكِهِ مَعِيبًا بِعَيْبَيْنِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ فَلَا يُرَدُّ.
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا الْمُشْتَرِي ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ بِهَا فَإِنْ كَانَتْ بِكْرًا لَمْ يَرُدَّهَا بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَكَذَلِكَ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: تُرَدُّ.
(وَجْهُ) قَوْلِهِ: أَنَّهُ وُجِدَ سَبَبُ ثُبُوتِ حَقِّ الرَّدِّ مَعَ شَرْطِهِ وَمَا بَعْدَ السَّبَبِ وَشَرْطِهِ إلَّا الْحُكْمُ (أَمَّا) السَّبَبُ فَهُوَ الْعَيْبُ وَقَدْ وُجِدَ (وَأَمَّا) الشَّرْطُ: فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ وَقْتَ الرَّدِّ كَمَا كَانَ وَقْتَ الْقَبْضِ وَقَدْ وُجِدَ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يُوجِبُ نُقْصَانَ الْعَيْنِ إذْ هُوَ اسْتِيفَاءُ مَنَافِعِ الْبُضْعِ فَأَشْبَهَ الِاسْتِخْدَامَ، بِخِلَافِ وَطْءِ الْبِكْرِ؛ لِأَنَّ الْعُذْرَةَ عُضْوٌ مِنْهَا وَقَدْ أَزَالَهَا بِالْوَطْءِ، وَلَنَا أَنَّ مَنَافِعَ الْبُضْعِ لَهَا حُكْمُ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ بِدَلِيلِ أَنَّهَا مَضْمُونَةٌ بِالْعَيْنِ، وَغَيْرُ الْعَيْنِ لَا يُضْمَنُ بِالْعَيْنِ هُوَ الْأَصْلُ، وَإِذْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ عِنْدَنَا أَصْلًا فَكَانَ اسْتِيفَاؤُهَا فِي حُكْمِ إتْلَافِ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْيَانِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ فَيَمْتَنِعُ الرَّدُّ كَمَا إذَا قَطَعَ طَرَفًا مِنْهَا، وَكَمَا فِي وَطْءِ الْبِكْرِ بِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءُ مَنْفَعَةٍ مَحْضَةٍ مَا لَهَا حُكْمُ الْجُزْءِ وَالْعَيْنِ وَلِأَنَّهُ لَوْ رَدَّ الْجَارِيَةَ وَفَسَخَ الْعَقْدَ رُفِعَ مِنْ الْأَصْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْوَطْءَ صَادَفَ مِلْكَ الْبَائِعِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ وَأَنَّهُ حَرَامٌ، فَكَانَ الْمَنْعُ مِنْ الرَّدِّ طَرِيقَ الصِّيَانَةِ عَنْ الْحَرَامِ وَأَنَّهُ وَاجِبٌ.
وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀ فِيمَا إذَا اشْتَرَطَ رَجُلَانِ شَيْئًا ثُمَّ اطَّلَعَا عَلَى عَيْبٍ بِهِ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ أَنَّهُ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ دُونَ صَاحِبِهِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ: يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْفَسْخِ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ لَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ اشْتَرَيَا شَيْئًا لَمْ يَرَيَاهُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّهُ رَدَّ الْمُشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَيَصِحُّ، كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ فِي نِصْفِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَدَّ النِّصْفَ، وَدَلَالَةُ الْوَصْفِ أَنَّهُ اشْتَرَى النِّصْفَ؛ لِأَنَّهُمَا لَمَّا اشْتَرَيَا الْعَبْدَ جُمْلَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute