للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَاحِدَةً كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرِيًا نِصْفَهُ، وَقَدْ رَدَّ النِّصْفَ فَقَدْ رَدَّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرَّدِّ.

وَثُبُوتُ حَقِّ الرَّدِّ عِنْدَ انْعِدَامِ شَرْطِهِ مُمْتَنِعٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ شَرْطُ الرَّدِّ أَنَّ الشَّرْطَ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ مَقْبُوضًا، وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ غَيْرَ مَعِيبٍ بِعَيْبٍ زَائِدٍ، فَلَوْ رَدَّهُ لَرَدَّهُ وَهُوَ مَعِيبٌ بِعَيْبٍ زَائِدٍ وَهُوَ عَيْبُ الشَّرِكَةِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ فِي الْأَعْيَانِ عَيْبٌ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْعَيْنِ لَا يُشْتَرَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يُشْتَرَى بِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُشْتَرَكًا فَلَمْ يُوجَدْ رَدُّ مَا اشْتَرَى كَمَا اشْتَرَى فَلَا يَصِحُّ الرَّدُّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْبَائِعِ، وَلِهَذَا لَوْ أَوْجَبَ الْبَائِعُ الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ لِاثْنَيْنِ فَقَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَمْ يَرْضَ بِزَوَالِ مِلْكِهِ إلَّا عَنْ الْجُمْلَةِ فَإِذَا قَبِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ فَقَدْ فَرَّقَ الصَّفْقَةَ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَصِحَّ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ كَذَا هَذَا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ أَجْنَبِيٍّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ بِأَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَوَجَبَ الْأَرْشُ أَوْ كَانَتْ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا وَوَجَبَ الْعُقْرُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ بِالْعَيْبِ لِمَا قُلْنَا وَلِمَعْنًى آخَرَ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ أَنَّ النُّقْصَانَ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ بِفِعْلِ الْبَائِعِ يُؤْخَذُ الْأَرْشُ وَالْعُقْرُ لِلْمُشْتَرِي وَأَنَّهُ زِيَادَةٌ وَلِهَذَا يُمْنَعُ الرَّدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَلَوْ اشْتَرَى مَأْكُولًا فِي جَوْفِهِ كَالْبِطِّيخِ وَالْجَوْزِ وَالْقِثَّاءِ وَالْخِيَارِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَنَحْوِهَا فَكَسَرَهُ فَوَجَدَهُ فَاسِدًا فَهَذَا فِي الْأَصْلِ لَا يَخْلُو عَنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ وَجَدَهُ كُلَّهُ فَاسِدًا، وَإِمَّا أَنْ وَجَدَ الْبَعْضَ فَاسِدًا وَالْبَعْضَ صَحِيحًا، فَإِنْ وَجَدَهُ كُلَّهُ فَاسِدًا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَنْتَفِعُ بِهِ أَصْلًا فَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَبَيْعُ مَا لَيْسَ بِمَالٍ لَا يَنْعَقِدُ كَمَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حُرٌّ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ.

(وَجْهُ) قَوْلِهِ أَنَّهُ لَمَّا بَاعَهُ مِنْهُ فَقَدْ سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ فَكَانَ الْكَسْرُ حَاصِلًا بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ فَلَا يَمْنَعُ الرَّدَّ، وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ شَرْطَ الرَّدِّ أَنْ يَكُونَ الْمَرْدُودُ وَقْتَ الرَّدِّ عَلَى الْوَصْفِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ وَقْتَ الْقَبْضِ وَلَمْ يُوجَدْ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ زَائِدٍ بِالْكَسْرِ فَلَوْ رُدَّ عَلَيْهِ لَرُدَّ مَعِيبًا بِعَيْبَيْنِ فَانْعَدَمَ شَرْطُ الرَّدِّ وَأَمَّا قَوْلُهُ " الْبَائِعُ سَلَّطَهُ عَلَى الْكَسْرِ " فَنَعَمْ، لَكِنْ بِمَعْنَى أَنَّهُ مَكَّنَهُ مِنْ الْكَسْرِ بِإِثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ فَيَكُونُ هُوَ بِالْكَسْرِ مُتَصَرِّفًا فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَا فِي مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَمْرِهِ لِيَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الرِّضَا بِالْكَسْرِ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ فَاسِدًا دُونَ الْبَعْضِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْفَاسِدُ كَثِيرًا يَرْجِعُ عَلَى الْبَائِعِ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ فِي الْقَدْرِ الْفَاسِدِ بَاطِلًا؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، وَإِذَا بَطَلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ يَفْسُدُ فِي الْبَاقِي كَمَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبَاعَهُمَا صَفْقَةً وَاحِدَةً، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَكَذَلِكَ فِي الْقِيَاسِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ صَحَّ الْبَيْعُ فِي الْكُلِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ وَلَا أَنْ يَرْجِعَ فِيهِ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ قَلِيلَ الْفَسَادِ فِيهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي الْعَادَاتِ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ فَسَادٍ فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةً فَيَلْتَحِقُ ذَلِكَ الْقَدْرُ بِالْعَدَمِ، وَمِنْ مَشَايِخِنَا مَنْ فَصَّلَ تَفْصِيلًا آخَرَ فَقَالَ: إذَا وَجَدَ كُلَّهُ فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.

وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ كَالرُّمَّانِ وَنَحْوِهِ فَالْبَيْعُ لَا يَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ كَانَ الْقِشْرُ مَالًا، وَلَكِنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَضِيَ بِهِ نَاقِصًا وَقَبِلَ قِشْرَهُ وَرَدَّ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْبَلْ؛ لِأَنَّهُ تَعَيَّبَ بِعَيْبٍ زَائِدٍ، وَرَدَّ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّةَ الْمَعِيبِ جَبْرًا لِحَقِّهِ، وَإِنْ وَجَدَ بَعْضَهُ فَاسِدًا فَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ رَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ رَجَعَ بِحِصَّةِ الْعَيْبِ دُونَ الْقِشْرِ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ إلَّا إذَا كَانَ الْفَاسِدُ مِنْهُ قَلِيلًا قَدْرَ مَا لَا يَخْلُو مِثْلُهُ عَنْ مِثْلِهِ فَلَا يَرُدُّ وَلَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

(وَمِنْهَا) الزِّيَادَةُ الْمُنْفَصِلَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مِنْ الْمَبِيعِ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَجُمْلَةُ الْكَلَامِ فِي الزِّيَادَةِ أَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ حَدَثَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَإِمَّا أَنْ حَدَثَتْ بَعْدَهُ، وَكُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الزِّيَادَتَيْنِ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَّصِلَةً أَوْ مُنْفَصِلَةً، وَالْمُتَّصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالْكِبَرِ وَالسِّمَنِ وَالسَّمْعِ وَانْجِلَاءِ بَيَاضِ إحْدَى الْعَيْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالسَّمْنِ أَوْ الْعَسَلِ الْمَلْتُوتِ بِالسَّوِيقِ وَالْبِنَاءِ فِي الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا، وَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرَةِ وَاللَّبَنِ وَنَحْوِهَا، أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْكَسْبِ وَالصَّدَقَةِ وَالْغَلَّةِ، وَالْبَيْعُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا.

(أَمَّا) الزِّيَادَةُ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فَحُكْمُهَا نَذْكُرُهُ فِي بَيَانِ حُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (وَأَمَّا) فِي الْبَيْعِ الصَّحِيحِ: فَإِنْ حَدَثَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنْ كَانَتْ مُتَّصِلَةً مُتَوَلَّدَةً مِنْ الْأَصْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>