للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الرَّدِّ كَمَا كَانَ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْكَسْبِ فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الرَّدَّ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَسْتَرِدَّ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَضْمُونُ الرَّدِّ وَبِالرَّدِّ يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ مِنْ الْأَصْلِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الزِّيَادَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ إلَّا أَنَّهَا لَا تَطِيبُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَحْدُثْ فِي ضَمَانِهِ بَلْ فِي ضَمَانِ الْمُشْتَرِي فَكَانَتْ فِي مَعْنَى رِبْحِ مَا لَمْ يُضْمَنْ.

وَلَوْ هَلَكَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ وَالْقَبْضُ لَمْ يَرِدْ عَلَى الزِّيَادَةِ لَا أَصْلًا وَلَا تَبَعًا، أَمَّا أَصْلًا فَلِانْعِدَامِهَا عِنْدَ الْقَبْضِ وَأَمَّا تَبَعًا فَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ حَقِيقَةً بَلْ هِيَ أَصْلٌ بِنَفْسِهَا مُلِكَتْ بِسَبَبٍ عَلَى حِدَةٍ لَا بِسَبَبِ الْأَصْلِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَأَصْلُ الْمَسْأَلَةِ فِي الْغَصْبِ أَنَّهُ إذَا اسْتَهْلَكَ الْغَاصِبُ هَذِهِ الزِّيَادَةَ هَلْ يَضْمَنُ؟ عِنْدَهُ لَا يَضْمَنُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ، وَنَذْكُرُ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ قَائِمَةٌ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي تَقَرَّرَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَةِ الْمَبِيعِ وَالزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي تَقَرَّرَ ضَمَانُ الْقِيمَةِ بِخِلَافِ الْمُتَوَلَّدِ كَمَا فِي الْغَصْبِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الزِّيَادَتَيْنِ يُذْكَرُ فِي الْغَصْبِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا إذَا زَادَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي شِرَاءً فَاسِدًا.

(فَأَمَّا) إذَا انْتَقَصَ فِي يَدِهِ فَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَإِنَّهُ لَا يَمْنَعُ الِاسْتِرْدَادَ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَأْخُذَهُ مَعَ أَرْشِ النُّقْصَانِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ بَيْعًا فَاسِدًا يُضْمَنُ بِالْقَبْضِ كَالْمَغْصُوبِ وَالْقَبْضُ وَرَدَ عَلَيْهِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ فَصَارَ مَضْمُونًا بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ، وَالْأَوْصَافُ تُضْمَنُ بِالْقَبْضِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ كَمَا فِي قَبْضِ الْمَغْصُوبِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ هَذَا وَالنُّقْصَانَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ سَوَاءٌ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْمُشْتَرِي فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ انْتَقَصَ بِغَيْرِ صُنْعِهِ؛ كَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ فَبِصُنْعِهِ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ أَجْنَبِيٍّ فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْأَرْشَ مِنْ الْمُشْتَرِي وَالْمُشْتَرِي يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ شَاءَ اتَّبَعَ الْجَانِيَ وَهُوَ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَخَذَ قِيمَةَ النُّقْصَانِ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَدْ تَقَرَّرَ مِلْكُهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ فِيهِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكٍ مُتَقَرِّرٍ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ وَالْأَجْنَبِيُّ لَمْ يَمْلِكْ فَلَا يَرْجِعُ.

وَلَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُشْتَرِي قِيمَتَهُ حَالَةَ الْقَبْضِ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ، وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ بِقِيمَتِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، فَرَّقَ هَهُنَا بَيْنَ الْبَيْعِ وَبَيْنَ الْغَصْبِ، فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَ الْمَغْصُوبَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ قَاتِلٌ فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ قِيمَتَهُ حَالَةَ الْغَصْبِ، وَالْغَاصِبُ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ عَاقِلَةَ الْقَاتِلِ قِيمَتَهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْغَاصِبِ.

(وَوَجْهُ) الْفَرْقِ أَنَّ الْأَجْنَبِيَّ جَنَى عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ الْمَبِيعَ بِالْقَبْضِ، وَتَقَرَّرَ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْجِنَايَةِ لَا عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ فَلَا يَمْلِكُ الْبَائِعُ تَضْمِينَهُ بِخِلَافِ الْغَصْبِ فَإِنَّ الْغَاصِبَ لَا يَمْلِكُ الْمَغْصُوبَ إلَّا بِتَضْمِينِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إيَّاهُ فَقَبْلَهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ فَكَانَ الْقَتْلُ جِنَايَةً عَلَى مِلْكِ الْمَالِكِ، وَالْقَبْضُ جِنَايَةٌ عَلَى مِلْكِهِ أَيْضًا فَكَانَ لَهُ خِيَارُ التَّضْمِينِ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ بِفِعْلِ الْبَائِعِ لَا شَيْءَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا بِفِعْلِهِ حَتَّى إنَّهُ لَوْ هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ حَبْسٌ عَلَى الْبَائِعِ؛ يُهْلَكُ عَلَى الْبَائِعِ.

وَإِنْ وُجِدَ مِنْهُ حَبْسٌ ثُمَّ هَلَكَ يَنْظُرُ إنْ هَلَكَ مِنْ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَرِدًّا بِفِعْلِهِ، وَإِنْ هَلَكَ لَا مِنْ سِرَايَةِ جِنَايَةِ الْبَائِعِ فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُهُ لَكِنْ يُطْرَحُ مِنْهُ حِصَّةُ النُّقْصَانِ بِالْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ بِجِنَايَتِهِ، وَلَوْ قَتْلَهُ الْبَائِعُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ بِالْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَفَرَ الْبَائِعُ بِئْرًا فَوَقَعَ فِيهِ وَمَاتَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مَعْنَى الْقَتْلِ فَيَصِيرُ مُسْتَرَدًّا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.

وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا فَقَطَعَهُ الْمُشْتَرِي وَخَاطَهُ قَمِيصًا أَوْ بَطَّنَهُ وَحَشَاهُ بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ وَتَقَرَّرَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَحْدَثَ فِي الْمَبِيعِ صُنْعًا لَوْ أَحْدَثَهُ الْغَاصِبُ فِي الْمَغْصُوبِ لَا يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ؛ يَبْطُلُ حَقُّ الْفَسْخِ وَيَتَقَرَّرُ حَقُّهُ فِي ضَمَانِ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ، كَمَا إذَا كَانَ الْمَبِيعُ قُطْنًا فَغَزَلَهُ، أَوْ غَزْلًا فَنَسَجَهُ، أَوْ حِنْطَةً فَطَحَنَهَا، أَوْ سِمْسِمًا أَوْ عِنَبًا فَعَصَرَهُ، أَوْ سَاحَةً فَبَنَى عَلَيْهَا، أَوْ شَاةً فَذَبَحَهَا وَشَوَاهَا أَوْ طَبَخَهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَقَبْضِ الْغَصْبِ أَلَا تَرَى أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونُ الرَّدِّ حَالَ قِيَامِهِ، وَمَضْمُونُ الْقِيمَةِ أَوْ الْمِثْلِ حَالَ هَلَاكِهِ؟ ، فَكُلُّ مَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْمَالِكِ هُنَاكَ يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَيْعِ لِلْبَائِعِ هَهُنَا.

، وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ ثَوْبًا فَصَبَغَهُ الْمُشْتَرِي بِصَبْعٍ يَزِيدُ مِنْ الْأَحْمَرِ وَالْأَصْفَرِ وَنَحْوِهِمَا ذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>