الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْبَائِعِ عَنْهُ إلَى الْقِيمَةِ وُورِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْبَائِعَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ بِحُكْمِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ كَقَبْضِ الْغَصْبِ، ثُمَّ الْجَوَابُ فِي الْغَصْبِ هَكَذَا أَنَّ الْمَالِكَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَأَعْطَى الْغَاصِبَ مَا زَادَ الصَّبْغُ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهُ فَكَذَا هَذَا وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ أَرْضًا فَبَنَى عَلَيْهَا؛ بَطَلَ حَقُّ الْفَسْخِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ قِيمَتِهَا وَقْتَ الْقَبْضِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْطُلُ وَيُنْقَضُ الْبِنَاءُ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ مُعْتَبَرٌ بِقَبْضِ الْغَصْبِ ثُمَّ هُنَاكَ يَنْقُضُ الْبِنَاءُ فَكَذَا هَهُنَا؛ وَلِأَنَّ الْبِنَاءَ يُنْقَضُ بِحَقِّ الشَّفِيعِ بِالْإِجْمَاعِ، وَحَقُّ الْبَائِعِ فَوْقَ حَقِّ الشَّفِيعِ بِدَلِيلِ أَنَّ الشَّفِيعَ لَا يَأْخُذُ إلَّا بِقَضَاءٍ وَالْبَائِعُ يَأْخُذُ مِنْ غَيْرِ قَضَاءٍ وَلَا رِضًا فَلَمَّا نُقِضَ لِحَقِّ الشَّفِيعِ فَلِحَقِّ الْبَائِعِ أَوْلَى (وَجْهُ) قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لِلْبَائِعِ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ؛ لَكَانَ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مَعَ الْبِنَاءِ أَوْ بِدُونِ الْبِنَاءِ لَا سَبِيلَ إلَى الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ، وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ مِنْ الْمُشْتَرِي تَصَرُّفٌ حَصَلَ بِتَسْلِيطِ الْبَائِعِ وَأَنَّهُ يَمْنَعُ النَّقْضَ، كَتَصَرُّفِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِخِلَافِ الْغَصْبِ وَالشُّفْعَةِ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَمْ يُوجَدْ التَّسْلِيطُ عَلَى الْبِنَاءِ، وَكَذَا لَا يَمْنَعَانِ نَقْضَ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ.
(وَمِنْهَا) أَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيْعِ الْفَاسِدِ مِلْكٌ مَضْمُونٌ بِالْقِيمَةِ أَوْ بِالْمِثْلِ لَا بِالْمُسَمَّى بِخِلَافِ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ هِيَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ فِي الْبِيَاعَاتِ؛ لِأَنَّهَا مِثْلُ الْمَبِيعِ فِي الْمَالِيَّةِ إلَّا أَنَّهُ يُعْدَلُ عَنْهَا إلَى الْمُسَمَّى إذَا صَحَّتْ التَّسْمِيَةُ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْفَسَادُ مِنْ قِبَلِ الْمُسَمَّى؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ إذَا لَمْ تَصِحَّ لَمْ يَثْبُتْ الْمُسَمَّى فَصَارَ كَأَنَّهُ بَاعَ وَسَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الثَّمَنِ، وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ كَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ مُبَادَلَةٌ بِالْمَالِ فَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ صَرِيحًا صَارَتْ الْقِيمَةُ أَوْ الْمِثْلُ مَذْكُورًا دَلَالَةً فَكَانَ بَيْعًا بِقِيمَةِ الْمَبِيعِ أَوْ بِمِثْلِهِ إنْ كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْأَمْثَالِ.
(وَمِنْهَا) أَنَّ هَذَا الْمِلْكَ يُفِيدُ الْمُشْتَرِيَ انْطِلَاقَ تَصَرُّفٍ لَيْسَ فِيهِ انْتِفَاعٌ بِعَيْنِ الْمَمْلُوكِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْإِعْتَاقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ وَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ انْتِفَاعٌ بِعَيْنِ الْمَبِيعِ.
(وَأَمَّا) التَّصَرُّفُ الَّذِي فِيهِ انْتِفَاعٌ بِعَيْنِ الْمَمْلُوكِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَلُبْسِ الثَّوْبِ وَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَالِاسْتِمْتَاعِ بِالْجَارِيَةِ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ؛ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِهَذَا الْبَيْعِ مِلْكٌ خَبِيثٌ وَالْمِلْكُ الْخَبِيثُ لَا يُفِيدُ إطْلَاقَ الِانْتِفَاعِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الرَّفْعِ وَفِي الِانْتِفَاعِ بِهِ تَقَرَّرَ لَهُ وَفِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ، وَلِهَذَا لَمْ يُفْدِ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ تَحَرُّزًا عَنْ تَقْرِيرِ الْفَسَادِ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى مَا نَذْكُرهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرَى دَارًا لَا يَثْبُتُ لِلشَّفِيعِ فِيهَا حَقُّ الشُّفْعَةِ، وَإِنْ كَانَ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّ حَقَّ الْبَائِعِ لَمْ يَنْقَطِعْ، وَالشُّفْعَةُ إنَّمَا تَجِبُ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ لَا بِثُبُوتِ الْمِلْكِ لِلْمُشْتَرِي أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ أَقَرَّ بِبَيْعِ دَارِهِ مِنْ فُلَانٍ وَفُلَانٌ مُنْكِرٌ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؟ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمِلْكُ لِلْمُشْتَرِي لِانْقِطَاعِ حَقِّ الْبَائِعِ بِإِقْرَارِهِ وَهَهُنَا حَقُّ الْبَائِعِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ فَلَا تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ حَتَّى لَوْ وُجِدَ مَا يُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّهِ تَجِبُ الشُّفْعَةُ.
بِيعَتْ دَارٌ بِجَنْبِ الدَّارِ الْمُشْتَرَاةِ شِرَاءً فَاسِدًا؛ تَثْبُتُ الشُّفْعَةُ؛ لِأَنَّ هَذَا الشِّرَاءَ صَحِيحٌ فَيُوجِبُ انْقِطَاعَ حَقِّ الْبَائِعِ فَيَثْبُتُ حَقُّ الشُّفْعَةِ وَاَللَّهُ ﷿ أَعْلَمُ.
وَطِئَ الْجَارِيَةَ الْمُشْتَرَاةَ شِرَاءً فَاسِدًا فَإِنْ لَمْ يُعَلِّقْهَا؛ فَلَا عُقْرَ عَلَيْهِ قَبْلَ الْفَسْخِ وَإِنْ فَسَخَ الْعَقْدَ فَعَلَيْهِ الْعُقْرُ وَإِنْ أَعْلَقَهَا وَضَمِنَ قِيمَةَ الْجَارِيَةِ فَفِي وُجُوبِ الْعُقْرِ رِوَايَتَانِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
(وَأَمَّا) شَرَائِطُهُ فَاثْنَانِ: أَحَدُهُمَا الْقَبْضُ فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْفَسْخِ رَفْعًا لِلْفَسَادِ وَفِي وُجُوبِ الْمِلْكِ قَبْلَ الْقَبْضِ تَقَرَّرَ الْفَسَادُ؛ لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمِلْكُ قَبْلَ الْقَبْضِ يَجِبُ عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُشْتَرِي، وَفِي التَّسْلِيمِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ وَإِيجَابُ رَفْعِ الْفَسَادِ عَلَى وَجْهٍ فِيهِ رَفْعُ الْفَسَادِ مُتَنَاقِضٌ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْقَبْضُ بِإِذْنِ الْبَائِعِ فَإِنْ قَبَضَ بِغَيْرِ إذْنِهِ أَصْلًا لَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِأَنْ نَهَاهُ عَنْ الْقَبْضِ أَوْ قَبَضَ بِغَيْرِ مَحْضَرٍ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْهَهُ وَلَا أَذِنَ لَهُ فِي الْقَبْضِ صَرِيحًا فَقَبَضَهُ بِحَضْرَةِ الْبَائِعِ ذَكَرَ فِي الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ يَثْبُتُ الْمِلْكُ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ فِي الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ.
(وَجْهُ) رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ إذَا قَبَضَهُ بِحَضْرَتِهِ وَلَمْ يَنْهَهُ كَانَ ذَلِكَ إذْنًا مِنْهُ بِالْقَبْضِ دَلَالَةً مَعَ مَا أَنَّ الْعَقْدَ الثَّابِتَ دَلَالَةُ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى الْقَبْضِ فَكَأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِذْنِ بِالْقَبْضِ، وَالْإِذْنُ بِالْقَبْضِ قَدْ يَكُونُ صَرِيحًا وَقَدْ يَكُونُ دَلَالَةً كَمَا فِي بَابِ الْهِبَةِ إذَا قَبَضَ الْمَوْهُوبُ لَهُ بِحَضْرَةِ الْوَاهِبِ فَلَمْ يَنْهَهُ صَحَّ قَبْضُهُ كَذَا هَهُنَا